تعاليقرأي

هل كان من الواجب المضي أماما وعدم الالتفات إلى الوراء؟

—-

**

يرى بعض الأصدقاء أن القرار الذي تم بموجبه تحويلنا؛ نحن جيل الاستقلال ومن جاءوا بعدنا، لمزاولة التعليم الثانوي بإكمالية (محمد السعيد الورثلاني) بسدراتة، لاستقبال التلاميذ القادمين من البلديات المجاورة بقراها ومداشر ها، هو قرار خاطئ بل وجائر قد تجنّى علينا وبسببه لم نوفّق في الدراسة.

وحسب اعتقادي فإن جملة من الأسباب كانت من وراء عدم التوفيق في الدّراسة؛ حتى لا أقول شيئا آخر. من بينها خاصّة حالة التسيّب”Le laxisme“ الذي عرفته فترة حكم (الشاذلي بن جديد) عليه رحمة الله، فقد استغلّ الجميع نظام وشعب وحاكم ومحكوم ”طيبة“ الرئيس الذي لم يكن معروفا ولا من المتوقّع أن يكون حتى وزيرا فما بالك برئيس.

وفتر الخطاب و أرخى قبضته الحديديّة، فقدت الدولة هيبتها. وتسبّب ذلك في تسيّب على جميع الأصعدة، بما في ذلك قطاع التربية. وكانت فترة المراهقة قد أثّرت علينا سلبا. ولم نجد حينها من يوجّهنا ويمسك بأيدنا ويساعدنا.

كان المسؤولون على الإكمالية؛ ويومئذ كانت تابعة لثانوية(محمود بن محمود) بقالمة، تشترط من الآباء والأولياء تزويدها بأسماء ”مراسلين“ من بين الأعيان المعروفين بسدراتة، يمثّلونهم عند الحاجة. ووجد الآباء في هذا فرصة للتملّص من مسؤولياتهم تجاهنا. ووجدنا نحن بدورنا كذلك فرصة للتملّص من هذه الرّقابة الأبوية.

بعض الآباء يعتقدون أن مهمتهم الأساسيّة تكمن في توفير المأكل والملبس، ويهملون الجانب الأهم المتمثّل في مسئوليتهم الأخلاقية، التي يتميّز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات؛ فالحيوان هو الآخر يحرص أشد الحرص على حماية أبنائه من الضياع، وتوفير الأكل والمأوى لهم أكثر حتى من البشر.

وأما المسئولية الأخلاقية فتكمن في مدى فهمنا لدور الأسرة في تربية النشء تربية سليمة. إذ لأن الهدف الأسمى هو تربية الأولاد، ونجاحهم يعتمد على مدى فهمنا لحقيقة الزواج. والزواج عند بعض الناس لا يتجاوز مفهوم التناسل. الزواج في نظرهم عبارة عن: ”أرحام تقذف وأرض تبلع“.

الحديث في مثل هذا الموضوع في بعض الأوساط، يعتبر ”طابو“ أو ”تابو“ بالتاء، لا ينبغي التوسّع فيه كثيرا. ولم أسمع يوما أنّ أحدا من الآباء أو الأولياء اشترط ”الأخلاق“ في المرتبة الأولى ضمن ”صفقة“ الزّواج التي يبرمونها.

وإهمال الأبناء والتخلّي عن واجب الرقابة هو بداية لانحرافهم و تشجيعهم على الخروج عن الطريق الصحيح. وقد يكون هذا الإهمال عن جهل الأولياء لخطورة المسئولية الملقاة على عاتقهم. لذلك يجب على الدولة التدخّل لحماية الأبناء من الانحراف والضياع. كما يحدث ذلك في المجتمعات الراقية.

ومع التسيّب الذي تعمّده نظام الرئيس الرّاحل (الشاذلي بن جديد) -رحمة الله عليه- ظهر الانحراف كشبح طفيلي ينتشر بشكل سريع بين تلاميذ الثانوية، وفي غياب الرقابة المعهودة، تسلّل إلى إكمالية (محمد السعيد الورثلاني) أشخاص لا علاقة لهم بالتعليم، وأخذوا يروّجون لأنواع ”للزطلة“ أو ”الكيف“ وأنواع الحبوب المهلوسة. وحتى إنّه لم يسلم من هذا الانحراف وهذا الانحلال سوى العلم الذي كان يرفرف فوق بوابة الإكمالية.

قد يتسبّب مثل هذا الوصف المهين في إغضاب وإزعاج بعض الضمائر المحترمة؛ ”من تلك التي لم يقصّر أصحابها وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل إنقاذ الجميع لكن حجم الفساد المنتشر آنذاك تجاوز حدود قدرتهم“. فهل كان من المفروض أن نتزلّف و”نغطّي الشّمس بالغربال“ إرضاء لأصحابها؟

أم من الواجب؛ تسمية الأشياء بمسميّاتها، ونقل الحقيقية كما هي”عارية“، حتى تتّعظ الأجيال المقبلة؟.

كانت البداية بسيجارة.. فحديث عن تجربة ”رائعة“ مع ماصّة وچاور زطلة ولما تعذّر عليّ شراء ”مرود“ ثمنه آنذاك خمسون دينار جزائري (50) دج. جاء من يعوّض هذا العجز ببعض الحبوب المهلوسة رخيصة الثمن سريعة المفعول، فوجدت ملاذي فيها وصرتُ زبونا مميّزا لمروّجيها الأشرار.

كنا نعتقد أن”مول النيّة“ سينتصر، و تبيّن أن ”مول النية“ هو شخص مغفّل؛ كم كنتُ ساذجا وأنا أحاول أن أتظاهر بالفطنة والدهاء. وهو ما جعلني أندم الآن على كل لحظة ضيعتها في التيه والتفاهات مع أولئك الأشرار.

هل قصّر والدي في شيء؟

هل سبب الانحلال الانحراف هو انصراف الآباء والأولياء عن مراقبة أبنائهم وتركهم للأقدار تعبث بهم؟

أم أن للظروف كلمتها ودورها في ظهور المصائب والانحرافات؟

أم إنّ من الواجب علينا: المضي أماما وعدم الالتفات إلى الوراء؟

وأختم بهذا الدعاء لسيّدنا زكرياء عليه وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة وأزكى السّلام: [هنالك دعا زكريّاء ربّه، قال ربِّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة اِنّك سميع الدّعاء] صدق الله العظيم.

ضائعٌ بين أقرانه(ج3)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى