أخبارمجتمع

الزّواج التّقليدي.. أو الزّواج العبثيّ.

—–

رشيد مصباح(فوزي)

**
مسألة الزواج التي لايوليها المجتمع اهتماما كبيرا مسألة خطيرة جدّا، ولأن من وراء الحكاية أشخاص أبرياء. ولا يكون الزواج صالحا وناجحا إلّـا إذا صلُح ونجح حال النشء. فالأبناء هم الرّكيزة وثمرة نجاح الأبوين؛ كما قال لي أحد من عامّة النّاس الأميّين بطريقة عفوية؛ ”اعطيهولي فاهم والله لا قرا“.

الأنانية طبع فينا، وهذا ما لا يمكن إنكاره بناتا. على الرّغم من إدّعائنا بلوغ مراتب الأولياء والصّالحين أحيانا، وحبّنا إيثار الغير على ذواتنا وهوانا… لكن، يبقى الإنسان ضعيفا أمام بعض الغرائز؛ غريزة حب البقاء على سبيل المثال، يرضخ لبعض الشّهوات، كشهوة الأكل والنّكاح… وهي غرائز وشهوات لا يجب أن نستحي بها، كونها ضرورية لاستمرار الحياة.

يُحكى أن امرأة كانت جالسة تعاني ابنها المريض وكان في حالة احتضار ينازع ويهذي ويذكر الموت، والأمّ تشدّ على يديه وهي تقول: ”الموت اللّي جاي يدّيك واش بيه عليّ“؟
ويشاء ربك أن يقفز قطّ بالجوار فيقلب الإناء ويحدث ضجّة كبيرة في الغرفة، فتنتصب الأم المكلومة وفي اعتقادها أنّ ملك الموت هو من أحدث تلك الضجّة، فتفرّ إلى الخارج مذعورة تاركة ابنها في الغرفة يواجه مصيره بنفسه وهي تردّد وتقول: ”هو ليك“.. ”هو ليك“. مشيرة إلى مكان وجود ولدها.

فإذا كان الحال هكذا مع الأم التي تكبّدت كل أنواع الألم خلال الحمل، فماذا نقول عن الرّجال الآباء الذين لا يبحثون من وراء الزّواج غاية أخرى سوى الشّهوة؟
كلّما حاولتُ أن انتقد سلوك أحد الأبناء، أو أمّهم، إلّـا أجدني عاجزا عن القيام بذلك، و لأحد من الأسباب التي كنتُ ومازلتُ أتذرّع بها. لكنّي لا أجد من يشاطرني الرّأي؛ وأن الزواج هو وسيلة وليس غاية في حدّ ذاته.

وبما أن الانسان كائن عاقل ومتديّن، وليس مجرّد حيوان يتناسل، فإن من بين شروط العقل: الاستقامة. والاستقامة اصطلاحا تعني: الصّراط؛ وفعل الطاعات، وترك المعاصي واجتناب المنكرات. امتثالا لقوله تعالى: {اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فأوّل شيء يواجَه به الآباء: هو غايتهما من هذا الزّواج؟
و”عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ * وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ“ كما قال المتنبّي.
فالأبوان يتحمّلان المسئولية كاملة إزاء ما يحدث لأبنائهم من ضلال وانحرافات؛ والزّوجة هنا إمّا متواطئة؛ بانخراطها في القرارات التي يتّخذها الزّوج. وإمّا متورّطة؛ بالتغطية على بوادر انحراف الأبناء.

ومع ذلك، تجد من يبحث لنفسه عن مبرّرات يتحجّج ليتملّص بها من مسئولية فشله في تقويم أبنائه. وهذا لا ينفي أن تكون حججه منطقية وموضوعية في معظم الأحيان؛ سيّما إذا علمنا أن الفرد في بعض المجتمعات المتسلّطة لا يمتلكون إرادتهم ولا يستشارون في مسألة الزّواج.
يروى أن رجلا من الجيل القديم أراد تزويج ابنه، وكان من الشّاوية الأمازيغ وهم أكثر النّاس تشدّدا الذين إذا أراد أحدهم تزويج ابنه يقول: ”خسَغْ أسَچَّغْ الدَّخَّانْ“. في إشارة إلى تمكين إبنه من مغادرة الأسرة وانفراده بمطبخ يوقد فيه بارا فيعلو الدّخان.
وبعد مدّة ليست بالطّويلة سألوا هذا الرّجل عن حال ابنه ”العريس الجديد“، فردّ عليهم والأسف يحرق مهجته: ”أوسيغدْ أسچَّغْ الدّخّان قليْ اعْميغيثْ“. أراد أن يمكّن انبه من خلال تزويجه فتسبّب له في العمى؛ والعمى هنا كناية عن ضعف ابنه.

من الآباء من لا يريد معرفة أبسط الأشياء عن ابنه، ولا يكلّف نفسه عناء البحث. ولو شاء سأل أحد أصدقاء ابنه ولوجد عنده الجواب الشّافي. ومن الأبناء من يتهرّب من المواجهة، خوفا من ردّة الفعل المفاجئة.

لذلك، أعتقد أن مسألة الزّواج هي مسألة مهمّة وليست مجردّ قرار يتّخذه الأصول من باب تأدية ما عليهم من واجب تجاه أبنائهم و ” وكفى الله المؤمنين القتال“. لتأتي النّتائج عكس ما كانوا يتمنّونه. فكثيرا ما تفضي الأمور إمّا إلى الطلاق وإمّا إلى الفشل. والفشل أخطر من الطّلاق، فقد يكون الحل في الطّلاق على الرّغم من المشاكل وما يترتّب عنه.

أين الدّولة من كل هذا؟
الدولة تمتلك جميع الوسائل التوعوية والتثقيفية، فهي بإمكانها ومن خلال مؤسّساتها أن تفرض شروطا منطقية لأيّ قران، مثلما هو الشّأن بالنسبة للشروط القانونية و الصحيّة قبل تحرير عقود الزّواج.

أين أصحاب الرّأي؟
لم يترك أصحاب الرّأي موضوعا إلّـا وخاضوا فيه. ولكنّهم لسبب ما تجدهم يتغاضون عن أمر كهذا على الرّغ من أهميّته؟

أين الوعّاظ؟
تحريض الأئمّة على الزّواج دون مراعاة لبعض الجوانب المهمّة مثل الوعي والأخلاق، اعتقد أنّه من الأسباب التي تساعد كثيرا على تفشّي بعض الأمراض و الآفات. كون هؤلاء الأئمّة والمشايخ يأخذون الآيات والأحاديث على عواهنها ولا يتدبّروا فيها.

أين الإعلام؟
الإعلام في بلادنا منخرط في لعبة قذرة، فمهمّته في هذه الأيّام تتمثّل في تملّق الأشخاص والترويج للفساد. ولم تعد التّوعية وتنوير الرّاي شغله الشّاغل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى