رأيفيديو

أختاه؛ يا هدية السّماء!

رشيد مصباح (فوزي)

**

لعلّني لن أراكِ بعد هذه اللّحظة مرّة أخرى؛ يا أغلى هديّة أهدتْها لي أمّي التي ترجّيتها فأنجبتْ لي طفلة كي تذهب عنّي الوحشة.

أختاه العزيزة كبرتِ و صرتِ الآن أمّا وجدّة، ولم يعد بمقدوري أنّي “انْبشْتيكْ” أحملكِ فوق ظهري كما كنتُ أفعل ذلك حين كنّا بتلك البراءة. ليس بسبب سنّك فحسب، بل ولهمومكِ التي كبرتْ معكِ أيضا. ولقد أصابنا جميعا ما أصابكِ؛ من لوعة الحزن والأسى على فراق العزيز ابننا، البار بوالديه، ـ غفر الله له و لنا ـ وبات فؤادكِ مثل أمّ موسى فارغا، لولا أن الله قد ألهمك الصّبر والسّلوان. فصبرٌ جميلٌ والله المستعان.

العزيزة أختي أتيتكِ هذا العيد خاوي الوفاض، فأنا كما تعلمين لا أملك من حظوظ الدنيا سوى ما حباني الله به من مشاعر البراءة والمحبّة الصّادقة. براءةٌ؛ كبراءة تلك الأيّام الجميلة التي عشناها معا في كنف المغفور لهما والدينا ــ طيّب ثراهما ــ وكنتُ فيها لكِ نعم البعير ونعم الجمل ونعم؛ امتطيني بشغف الركوب وحب اكتشاف العالم الخارجي؛ لأنّك كنتِ رضيعة، ولفّتك والدتي حينها ببشكير الفوطة خوفا عليك من السّقوط، وخرجتُ أركض بكِ كالحصان الجموح الذي لايمكن ردّه، فرحا بهديّة السّماء التي لا تقدّر بثمن.

جئتك هذا العيد وليس شيئا أحمله لكِ معي، سوى مشاعر الماضي الجميلة، وفيها شيء من الاعتذار؛ وليس هناك ما يبرّر اعتذاري هذا سوى اعتقادي الرّاسخ أنّكِ بين أيدٍ أمينة.

أختاه العزيزة؛ وحيدة أمّها: لا تبكي، ولا تتشائمي. الدّنيا حقيرة، ومآلها إلى زوال. ولا تأسفي لحال هذه الدنيا الرّخيصة، فهي لا تستحقّ منكِ دمعة واحدة. ولا تذهبي نفسكِ حسرة عليها فهي قبيحة و مذمومة. ولقبحها فقد قيل عنها: الدّنيا كجيفةِ مَيْتةٍ وطُلّابها مثل الكلاب النّاهشة.

أختاه العزيزة؛ أنا الآن في غرفة شبه مُعتِمة في هذه اللّحظات في حالة من الوجدان والتيهان؛ غرفة معتِتمة أشبه ما تكون بذاك المكان الذي يوجِس منه كل من هو نسله من تراب. ولقد فاضت نفسي قبل روحي، وأنا أتقلّب بين بعض الأسماء التي كانت قد ملأت علينا الدنيا بهجة، بحبّها وحنانها. ثم جاءت ريّاح مواسم الأقدار و انتزعتها منّا، وأخذتها بعيدا حتى توارت عن الأنظار. لكن ذكراها لا يزال حيّا في قلوبنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى