اكتب عن الام
لن انسى معلمة درس القراءة في الصف السادس الابتدائي حينما طلبت منا في احد دروسها ان نكتب انشاء ونعبر كلا على طريقته عن الموضوع الذي كتبته على السبورة (الام ) وقالت لكم وقت الدرس كله كي تعبروا في دفتر الانشاء عن هذا الموضوع واسحب الدفاتر منكم في نهايته .
بصراحة اخذتني الحيرة ماذا اكتب عن امي ، عن طيبتها التي جعلتنا ننكمش امام ابينا وننطلق امامها ، نقول كل شيء لها ما نخفيه عن ابينا ، نشكو لها ما نمر به ، نكلفها قضاء شؤونا عند الاب ، عن صوتها منذ الفجر ، عن صوت يديها التي انهت جمالها اعمال البيت والخبز في التنور الطين ، عن تنقلها بين مكان الحيوانات كي تأتي لنا بالحليب الطازج منها ، عن ماذا اكتب ؟
بقيت افكّر دقائق حتى خشيت ان ينقضي وقت الدرس ولم اكن قد كتبت شيئا فأرسب في امتحان الانشاء .
لا اذكر ما كتبته في حينها ولكنني اتذكر ان معلمتي في اليوم التالي حينما وزعت علينا دفاترنا ، جعلت دفتري اخر من يسّلم وحينما اعطتني إياه طلبت مني ان أقف بالقرب منها عند السبورة قائلة للطلاب جميعا ، تعلموا من وليد كيف تكتبون فقد ابكاني تعبيره عن الام ، ومتأكدة سيكون كاتبا في يوم ما !
للأسف نسيتُ الان اسم معلمتي ولم اعرف مصيرها كي أقبّل يديها على تشجيعها لي وزرعها فيّ حب الكتابة والقراءة فعلا ، غير انني لا زلت حائر ماذا اكتب عن الام ، ولكن اهتديت الى حقيقة عشتها واعيشها ربما تحل جزء من حيرتي ، ان الام مهما قدمنا لها سنبقى مقصرين ، قد نتفاوت كأبناء في الوفاء الا اننا جميعا مقصرون ، في صباح يوم اصطحبت امي لزيارة المراقد المقدسة لعلمي انها تعشق هكذا رحلة ، وكنت اخفف خطواتي كي اسير معها في ظل زحام الزوار ، واحسب انني فعلت خيرا في تحملي عناء الزيارة والتكفل بمصاريفها ، غير انني في داخل المرقد المقدس الذي يزوره الالاف شعرت بانني لم افعل شيئا اصلا ، لإنني وجدت ابناء يدفعون عربات امهاتهم رغم التعب والزحام والعناء ويبذلون في سبيلهن جهود مضنية ، فشعرت كم انا متوهم حينما حسبت نفسي انني قدمت لإمي شيئا فقياسا لجهودها معي وتاريخها المعطر بالعناء والوفاء وما شاهته من عناء كثير من الابناء مع امهاتهم انني لا زلت مقصرا وحائرا كيف اعمل كي افي حق امي وماذا اكتب عنها.
وليد عبدالحسين : محامي