تلمسان دمشق و حاضرة المغرب العربي….!
بعد سفر طويل وشاق ولجت بنا الحافلة إلى أرض تلمسان الغالية لتنزع هذه الفاتنة النقاب عن وجهها وتكشف عن سحرها فبدت لنا طلتها كما البدر في ليلة اكتماله يلوح علينا نورا ويغمرنا سنا ،رمقتنا بنظرة عينها الكحيلة تغمزنا ترحيبا وتغرينا حسنا وبهاء و فتونا في بريقها ولمعانها قرأنا تاريخ تلمسان منذ الوهلة الأولى التي تجلت لنا فيها حيث لا مجال للتستر والتخفي فكان لزاما عليها الكشف عن مفاتنها والخروج من خدرها كما تبرز الفاتنة الحسناء يوم زفافها …
كانت تلفها الجبال وتحيط بها من كل حدب وصوب تكسوا أرضها الخضرة إلا ما بني منها وعمر فهو يتنمق بكل الأشكال و يتلون بجميع الألوان كالثوب المزركش …
اندفعنا من الحافلة فور توقفها لنشفي غليل عشق قلوبنا لهذه الساحرة الفاتنة تلمسان …كان التاريخ يهمس إلينا بلغة الحنين ونحن نستمع إليه بكل شوق ولهفة للمزيد وكلماته تلج إلى قلوبنا دونما استئذان ،يخاطبنا بلغة الحضور والتجلي ففي كل حي من أحيائه تعبقنا رائحة الذكرى ويحملنا طيفها إلى أزمنة لا نكاد نصدق أن أهلها قد مروا من هنا وأصبحوا في أعداد الغابرين إذ حيتنا المنصورة بأبراجها وأسوارها لتروي لنا سيرة أمجادها ومؤسسيها وبناتها ثم وضعنا رحالنا في فندق ( أقادير) وكم لهذا الإسم من تعلق بتاريخ المدينة الأثرية الرائعة المناظر ،النقية الهواء ، الخفيفة الروح ، العابقة الأنسام ،المحاطة بالأشجار الباسقة أغصانها في السماء حتى تستروحنا بظلالها الظليلة ضاربة جذورها في أعماق الأرض كما التاريخ ضارب جذوره فيها .
إذ تعتبر أقادير من أوائل المدن التي تأسست في تلمسان بناها (بنويفرن)ملوك زناتة كما ذكر ذلك بن الرقيق في تاريخه وعند مجيئ الإستعمار الروماني إستولى على أقادير وأطلق عليها إسم بوماريا pomaria وجعلها قلعة لجيوشه حتى يراقب منها تحركات القبائل البربرية الزناتية الرافضة للوجود الروماني على أرض تلمسان …
كما أصبحت بوماريا في عهد الرومان منطقة ذات أهمية بالغة حيث قاموا باستغلال سهولها ووديانها وتلالها الفلاحية حتى أصبحت تعرف باسم الفواكه pomaria-verger إذ لا تزال الأوزادات الأربع لبقايا الضيعات الرومانية ومعاصر السيد الحجرية شاهدة على ذلك وقد جلب الرومان المياه إليها من عيون تسمى –الوريط – على بعد ستة أميال من المدينة عبر مجرى نهر المفروش وربطوها به عبر سواقي وقناة لا تزال إلى يومنا هذا تسمى بساقية الرومي أو ساقية النصراني فازدهرت فيها الحرف كدباغة الجلود ،والنسيج وصناعة القرميد والفخار ،كما تضاعفت على طول القناة أعداد مطاحن القمح المستغلة للتيار المائي حتى بلغت بوماريا ذروة التمدن والتحضر بموريتانيا الشرقية ، ولا يعني أن تاريخ تلمسان يبدأ من القرن الثاني للميلاد فحسب وإنما نجد أن جذوره تتغلغل إلى مئات الآلاف من السنين قبل الميلاد إذ دلت البحوث والدراسات التاريخية الأثرية الحديثة على توطن الإنسان بهذه المدينة منذ العصور الحجرية القديمة حوالي 300 ألف إلى أقل من 100 ألف سنة قبل التاريخ حيث تتواجد بها محطات ومخابئ يعود تاريخها إلى العصر الحجري أو ما يعرف بالعصر (الإيبياليوتي) تعود إلى عهد الحضارة الإيبيرية المغربية حوالي 12350 قبل الميلاد على ضفة وادي المويلح بمدينة مغنية 150 كلم غرب تلمسان على الحدود المغربية إثر اتخاذ الإنسان للكهوف كمساكن له ،كما هو الشأن بالكهوف الموجودة بأوزيدان ،و بوهناق ، والقلعة و بني بويلان في بني سنوس وقد تأثرت المنطقة كثيرا بالحضارة الفينيقية القرطاجية التي أنشأت مراكز تجارية لها على سواحل رشقون بالإضافة إلى تأثرها بحضارة اليونان وفنونهم وثقافتهم ويظهر ذلك جليا في ضريح (سيفاكس) كما كان للدولة الماصيصلية المزدهرة إبان القرنين الثالث ،والثاني قبل الميلاد دور اقتصادي و سياسي هام في المنطقة خاصة ،وغرب حوض البحر الأبيض المتوسط عامة …
أما في العصر الإسلامي فقد شهدت تلمسان أولى حملات الفتح بقيادة أبا المهاجر دينار ثم شاعت فيها الصفرية والخوارج وبويع أبو قرة الإفريقي عليها سنة 750م ودام ملكه عليها وعلى أقادير لأكثر من 17 سنة ليبايع عليها بعده إدريس الأول سنة 788من طرف محمد بن خزر بن صولان الزياني أمير البربر من مغراوة ثم خلفه إدريس الثاني سنة 795 إذ أقام فيها لمدة ثلاث سنوات أخضع فيها قبائل زناتة وأصلح مسجد أقادير إلى أن سقطت الدولة الإدريسية في المغرب بعدها غزا موسى بن بني العافية الشيعي أقادير سنة 219 هجرية -834م لتشايع أقادير في عهد يعلى بن محمد بن صالح البقريني الأمويين بعد تغلبهم على بلاد زناتة والمغرب الأوسط فعقد له الخليفة عبد الرحمان الناصر عليها ليقوم بتوسيع ملكه حتى شمل وهران و تاهرت وطنجة سنة (340ه-854م) لتسقط بعد قيام الدولة الفاطمية وقد عاشت هذه المدينة حروبا طويلة بين الحماديين والصنهاجيين …
وبعد أن بسطت الدولة المرابطية سلطتها ونفوذها على مدينة أقادير ودخلها الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين أقام بها معسكره –تاقرارت –وأسس فيها مدينة بهذا الإسم وقد فصلت في بادئ الأمر بسور عن أقادير ثم أزيل السور وانضمت تاقرارت إلى أقادير لتشكلان مدينة واحدة إسمها تلمسان …
ويعود سبب تأسيس مدينة تاقرارت إلى كون يوسف بن تاشفين إخطتها كحي سكني لأشراف قبيلته وسماه تاقرارت أو المحلة المحظية وكانت النواة الأولى لبناء مدينة تلمسان الحديثة وقبل نهاية القرن ال11تم توسيع الحي السكني ليشمل السوق العمومي الذي تباع فيه جميع المواد وجعل عليه محمد بن تينغمر واليا ثم أخاه تاشفين الذي شرع في بنائها وتوسيعها حتى اختلط عمرانها بأقادير وبنى فيها المسجد الأعظم وعندما ازدهرت تجارتها وعمرانها نقل إليها يغمراسن بن زيان (بنوا عبد الوادي) مقر إقامته من القصر القديم ليتخذها أحفاده بعده مقرا لحكمهم وقد قام يغمراسن بتحصينه أيما تحصين حتى صار مدينة مستقلة بذاتها وعرفت فيما بعد بقلعة (المشور ) و صارت تضم خمسة قصور ،وبساتين فسيحة ليقيم لها أبوا العباس أحمد العاقل الأسوار لمنع الغزاة من الدخول إليها والوصول إلى سدة الحكم سنة 1446م وأنشأ لها بابان لا يزالان قائمان إلى يومنا هذا الباب الداخلي والخارجي (التويتة) يحتوي المشور على دور أنيقة وحدائق بهيجة ونافورات على غاية من الروعة والجمال ومسجدا فخما أضيفت إليه شجرة من الفضة وساعة نادرة المثال تعتبر من العجائب ،ولم يبقى من المشور الآن سوى المسجد الذي بناه السلطان أبوا حموا موسى الأول وجدد بناءه الأتراك وقد حوله الإستدمار الفرنسي إلى كنيسة وأفقدوه زخرفته فلم يبقى منه إلا المئذنة التي لازالت تحتفظ على بعض معالمه خاصة في واجهتها الجنوبية أين نجد فيها كتابات ونقوش في قطع من الفسيفساء تغشى إطارها دلالات الزخرفة الأندلسية والمجانة التي إخترعها المهندس المبدع بن الفحام …..وقد اتخذتها حامية (الوجاق )التركية حصنا لها بعد التحرش الإسباني على سواحل المنطقة كما تحصن فيها الكراغلة في سنة 1670م ثم دخلها الإستعمار الفرنسي سنة 1836 وبعد معاهدة التافنة أقام الأمير عبد القادر الجزائري بقلعة المشور سنة 1837-1842م ليستعمرها الفرنسيون بعد ذلك نهائيا ،فقاموا بتحطيم ما تبقى بها من قصور وتخريب ما فيها من دور ثم شرعوا في تهيئة تلمسان بعد ذلك إلى جانب قلعة المشور وتوجد في تلمسان أيضا بقايا مدينة أثرية هي (المنصورة )التي لا يزال برجها وبقايا أسوارها كمعالم وشواهد تاريخية على عراقتها… فمنذ استقلال الدولة الزيانية عن المغرب الأوسط جعل الزيانيون من تلمسان عاصمة لملكهم فلم يعجب ذلك كلا الدولتين المرينية في المغرب والحفصية في تونس ولم تغضا طرفيهما عن استقلال بنو زيان بملك تلمسان فقام السلطان المريني أبوا يعقوب بن يوسف بعقد الصلح مع ملوك النصارى في الأندلس وأمراء بني الأحمر في غرناطة متنازلا لهم عن بعض الأقاليم و الثغور الأندلسية التي كانت تحت وطأته وشن على تلمسان عدة غارات متتالية سنة (689ه -1290م) و(696 ه-1297 م) و(697 ه-1298م) غير أن السلطان الزياني عثمان بن يغمراسن وقف له الند بالند …واستبسل في المقاومة وحمل أهلها على الصبر والصمود أمام المرينيين مما أدى بأبي يعقوب المريني إلى محاصرة تلمسان وأنشأ فيها معسكرا كبيرا لجنوده على مشارفها وتخومها سماه -المنصورة – وقد أشار العلامة بن خلدون في تاريخه إلى هذه
وقد أشار العلامة بن خلدون في تاريخه إلى هذه المدينة بقوله (استفحل ملك أبوا يعقوب بمكانة من حصارها واتسعت خطة مدينة المنصورة المشيدة عليه ورحل إليها التجار من الآفاق واستجبرت العمران بما لم تبلغه مدينة وخطب الملوك ، سلمه ووده ووفدت إليه رسل الموحدين وهداياهم من تونس و بجاية وأرسل صاحب مصر والشام هديته واعتزازه واعتز الأكفاء له كما يأتي من أخباره ) وقد دام حصار مدينة تلمسان ثمانية أعوام وثلاثة أشهر ثم اضطر إلى إلغاء الحصار سنة 1307 ولكنه عاد إليها بعد خمسين سنة وحاصرها حتى دخلها عنوة وبعدها عادت حرة مرة أخرى لملوك الزيانيين الذين حكموا سنة (1348-1351م) في عهد السلطان أبوا ثابت والسلطان أبوا سعيد ثم دخلها أبوا عنان فارس سنة 1351( -1359م)واخيرا تم إسترجاعها من طرف السلطان أبوا حموا موسى الثاني إلى غاية الوجود التركي الذي أزاح الزيانيين على عرش تلمسان ولقد أهمل بها من معالم وآثار حيث كانت تحتوي على مسجد وقصر الإنتصار وحمامات وأسواق وثكنات داخل سورها الذي تقدر مساحة ما بداخله بما لا يقل عن 101هكتار بالإضافة إلى
ما تحويه هذه المدينة من آثار ظلت شاهدة على شتى الحضارات التي مرت على تلمسان فهناك أبواب لا تزال إلى يومنا هذا قائمة قال العلامة أبو زكرياء يحي بن خلدون في كتابه بغية الرواد في ذكر ملوك بني عبد الواد (ولها خمسة أبواب ،قبلة باب الجياد وشرقا باب العقبة وشمالا باب الحلوي وباب القرمدين ،وغربا باب كشرط)
أما تقرارت أو تلمسان الحديثة فإن أسوارها وأبوابها القديمة بقيت إلى عهد الإستعمار الفرنسي الذي قام بترميم البعض منها في الشمال باب القرمدين وباب سور الحمام وباب الحلوي وفي الشرق باب زير السويقة أو باب السجان وباب الربط (الربض) وفي القبلة باب الجياد وباب تقرارت وباب الحديد وبابان في الغرب باب كشرط أو الجغليلة وباب سقا ،وبفضل أسوارها فقد واجهت تلمسان ما يقارب ال 40 حصارا وصمدت أمام أطول حصار عرفته مدينة مغاربية إن لم نقل عربية دام لأكثر من 08 سنوات وثلاثة اشهر على حد تعبير العلامة عبد الرحمان بن خلدون …
وبالإضافة إلى الأبواب والأسوار فإننا نجد فيها أيضا الجوامع ، كالجامع الكبير إذ يعتبر هذا الجامع من أحد المعالم والصروح الكبيرة بفنه الإسلامي شيده المرابطون إبان توسيعهم لتقرارت ويوجد بوسط المدينة وتبلغ مساحته ال300متر مربع يحتوي على سواري من الحجر الصلب وقناطر مقوسة غير مزخرفة وبلاطات وأروقة أوسعها الرواق الأوسط ويحتوي على قبة وسطى مزخرفة بألوان و تخاريم لامعة وقبة أمامية على شكل متعدد الأضلاع صفحاتها متكونة من عدة قناطير تتشابك فيها الأقواس ببعضها البعض بشكل بديع ومتناسق مزخرفة بأشكال هندسية رائعة الجمال أما المحراب فهو مصنوع على شكل حذوة الحصان يحمله عمودان مرمريان بجانبه أحجار منقوشة ومصقولة مثل الأولى
-مسجد أبي الحسن منسوب إلى العالم الجليل أبي الحسن الذي جاء به السلطان أبو سعيد عثمان بن يغمراسن له مئذنة في الواجهة الجنوبية الشرقية معتدلة الطول منقوشة في جميع جهاتها الأربع بزخارف رائعة يحتوي على قاعة للصلاة تبلغ مساحتها 100 متر مربع وثلاث أروقة سقفها محمول على صفين من الأعمدة المرمرية المنتهية بتيجان مزخرفة على شكل أكاليل ، تجمع بينها الأقواس ، سقفه مصنوع من خشب الأرز المنقوش غير أن الحريق كان قد أكل منه الكثير محرابه يقع بالجدار القبلي مزخرف بنقوش ورسومات تحلق بالناظر إلى عالم الخيال والأحلام قبته مرفوعة على أعمدة من المرمر ..
-جامع سيدي بومدين بني هذا المسجد عام 739 ه بأمر من السلطان أبي سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب وأول ما تذهب إليه عين الناظر لهذا المسجد هو الباب الذي يحتوي على قنطرة تشبه حذوة الحصان في شكلها يحيط بها إطار بديع الحسن يتألف من خلات على شكل أوراق الأشجار وأزهارها كما يحتوي على أحجار من الفسيفساء منمقة الألوان الأبيض والأسمر والأخضر والأصفر له مدرج مفروش بالرخام تعلوه قبة رائعة المنظر غريبة الشكل قليلة المثل مزخرفة بالجبس تتألف زخرفتها من طبقتين تشتمل كل واحدة منها على صفحات صغيرة ونجد خلف الباب الجوفي صحن مربع الشكل مفروش بالفسيفساء المختلطة الألوان يتوسطه حوض رخامي ومصطبة يجلس عليها المتوضئون محاط بالأروقة من جهاته الثلاث تحتوي قاعة الصلاة فيه على أربع بلاطات وخمسة أروقة محمولة بالإضافة إلى العديد من السواري أما محرابه فتوجد أمامه قبة مزخرفة بالزجاج تختلط الألوان على ساريتيه بين الأخضر والأحمر والأزرق
-جامع سيدي الحلوي بناه السلطان المريني أبوعفان عام 754 ه 1353 م ونسبه إلى الرجل الصالح أبي عبد الله الشوقي الذي كان قاضيا على أشبيليا ثم انتقل إلى تلمسان واستقر بها وسمي بالحلوي لأنه كان يصنع الحلوى ويبيعها للصبيان ،له ثلاثة أبواب أحدهما شرقي والآخر غربي والثالث هو الأعظم ،جوفي إطاره مغشي بالفسيفساء لا يزال يقاوم عواتي الزمن وصروف الدهر تتشابك هيئاته الهندسية بأشكال زهرية مختلفة الألوان عليه خطوط منقوشة بالخط الأندلسي إذا صعدت ست درجات في سلمه تجد نفسك على مساحة تزيد عن 107من الأمتار المربعة مفروشة بالفسيفساء ذات ألوان مختلفة به حوض للوضوء تلفه أروقة من جوانبه الثلاث وصومعة فخمة وقاعة للصلاة فيها 4 بلاطات وخمسة أروقة سقفها محمول على أربعة صفوف من السواري الفخمة وصفين من الأعمدة محرابه على شكل قوس محمول على عمودين من الجوهر و به تاجين مزخرفين وأما الأقواس فيه فهي محمولة على أعمدة من المرمر جدرانه مغشية بستائر من الجبس وسقفه مصنوع من خشب الأرز مزخرفة بنقوش على غاية من الروعة والجمال … وبالإضافة إلى هذه المساجد الأثرية فقد أنشئت في تلمسان مدارس عديدة منها مدرسة أبي الإمام وهي أول مدرسة أنشئت فيها بناها أبوا حمد الأول سنة 710ه -1310م
-المدرسة التشفينية أنشأها السلطان أبو تاشفين عبد الرحمان الأول 717ه -728 ه موقعها جنوب الجامع الكبير
-مدرسة سيدي بومدين أنشأها السلطان أبوا الحسن المريني 747ه-1347م وموقعها غرب جامع سيدي بومدين
-المدرسة اليعقوبية أنشأها السلطان ابو حموا موسى الثاني 765ه-1368م شمال جامع سيدي ابراهيم وسميت يعقوبة نسبة إلى أبي يعقوب والد السلطان أبوا حموا
مدرسة الحسن بن مخلوف الراشدين اشتهر ب(أبركان) من إنشاء السلطان أبي العباس أحمد العاقل
(834 ه-865ه )الموافق ل (1431م-1462م ) وهي قرب أطلال مسجد أبي الحسن
إضافة إلى دار الحديث التي كان يدرس فيها العلامة بن خلدون …
إن جمال تلمسان لا يقتصر على المناطق الأثرية فحسب وإنما يتعداها إلى المناظر الطبيعية كسلاسل الجبال المحيطة بها والمطوقة لها من كل حدب وصوب تتخللها وديان وتنفتح في أعاليها كهوف على غاية من السحر والروعة والبهاء كنهر الوريط بالمدخل الشرقي للمدينة وكهوف بوهناق وآحفير وموطاس وبني يجدل والكاف وسيدي يحي إضافة إلى مغارة بني عاد بجبل عين فزة أو (عين فزى ) وتعتبر ثاني أكبر مغارة في العالم بعد مغارات المكسيك وحسب المرشدين السياحيين بهذه المغارة فإن هذه الأخيرة كان لها باب يفتح على مدينة وجدة المغربية وتمتد على مسافة 153 كم
استغلت منها مساحة 750 مترا في ثلاث قاعات تقع الأولى على عمق 45 م والثانية على عمق 51 م أما الثالثة فهي على عمق 57 م تحت سطح الأرض في قمة ترتفع على سطح البحر ب 1130 م كما تتألف من قاعدة واسعة تحاكي الكاتدرائيات من حيث النوازل و الصواعد ذات الأشكال الفريدة المتنوعة العجيبة …
تتوزع فيه أشكال مختلفة رسمتها الصواعد و النوازل الكلسية إذ يستطيع الداخل إليها تخيل عدة صور فيه كالجمل والشمس إضافة إلى صورة امرأة ترضع وليدها وكذلك صورة مطابقة لتمثال الحرية في الولايات المتحدة الإمريكية، وبرج بيزا المائل في إيطاليا .
كما أن درجة الحرارة في داخلها ثابتة خلال كامل فصول السنة وتتراوح بين ال12 درجة وال13 درجة مئوية ولا تزال المغارة غير مهيأة بالشكل الكامل لاستقبال السواح غير جزء يسير منها فقط لانعدام الإنارة الكهربائية ونقص التهيئة بداخلها ويعود السبب في ذلك لكون المغارة مغلقة في عهد الإستعمار الفرنسي نظرا لاستعمالها من طرف المجاهدين كممر لتوريد السلاح من المغرب إلى الجزائر خلال الثورة التحريرية المباركة ..ولقد أعيد فتحها سنة 1967 م ولكنها لاتزال في أشد الحاجة إلى الإهتمام والرعاية لكونها من المعالم السياحية الفريدة في العالم
البحر أيضا يسجل حضوره في لوحة المعالم السياحية التلمسانية المتعددة الأشكال المتنوعة الألوان الساحرة الجمال فمن زرقة البحر إلى اخضرار اليابسة واصفرار المدائن والمعالم الأثرية تتناسق الألوان في هذه المدينة المتحف إذ تتوفر تلمسان على عدة شواطئ سياحية منها (مرسى بن مهيدي المحاذي لشاطئ مدينة السعيدية المغربية ، والمنقسم إلى قسمين موسكاردة 01 وموسكاردة 02 ، فشاطئ بيدر وهنين ،المخلد ،بن خلاد ،تافسوت ،الدردانية ،آقلة،رشقون ،مدريد، والغزوات )..
كما شهدت تلمسان نقلة نوعية وتطورا كبيرا في ميدان التنمية والتهيئة العمرانية عبر شوارعها وأرصفتها ومداشرها وقراها وأنشئت فيها مؤخرا مدينة سياحية جديدة على هضبة (لالا سيتي )ولهذا الإسم أيضا دلالة تاريخية لدى سكان تلمسان إذ تروي أساطيرهم على أنها ولية صالحة من بنات الشيخ عبد القادر الجيلالي ويعود نسبها إلى سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعتبر البنت الصغرى في أخواتها قدمت من بغداد لتستقر في تلمسان بين القرنين السادس والسابع الهجري الموافق للقرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد كانت لها كرامات ونسجت حولها حكايات ونوادر شعبية عديدة دفنت بعد وفاتها في هذه الهضبة التي كانت تتعبد فيها والتي حملت اسمها لتصبح فيما بعد محجا ومقصدا للزوار وبجانب ضريحها يوجد مسجد صغير للتعبد وبيت للزوار حتى أصبحت تشكل معلما سياحيا وتاريخيا هاما في المدينة كما تحتوي على مرافق للراحة و الإستجمام إضافة إلى مسبح ونصب تذكاري يشبه مقام الشهيد في الحزائر العاصمة ويصعد إليها عبر مصعد كهربائي أو (التيليفيريك) من الساحة العمومية الصهريج أو الحوض الكبير المعروف في وسط تلمسان …
ومن أهم العلماء والأدباء الذين افتتنوا بجمال تلمسان وسحرها (المقري ) صاحب كتاب نفح الطيب حيث نظم قصيدة فيها يقول في مطلعها
بلد الجداول ما أمر نواها …..يا عاذلي كن عاذري في حبها وهواها
استقرت عائلة المقري في تلمسان في القرن الثاني عشر للميلاد و اشتغلت بالتجارة مابين تلمسان والصحراء وكانوا أهل علم وصلاح منهم أبو عبد الله المقري أوائل القرن ال14م اشتغل بالتدريس له مؤلفات كثيرة وكان فقيها وأديبا نبغ في علوم المنطق والأصول والحديث والتفسير
-أبو العباس أحمد المقري ولد سنة 1577م وتوفي سنة 1578م وهو أديب اشتغل بالتدريس
- وقال عنها البكري (هي مدينة المغرب الأوسط ودار ملك زناتة ومتوسطة قبائل البربر ومقصد تجار الآفاق بها أسواق ومساجد مسجد جامع وأشجار وأنهار وكان الأوائل قد جلبوا إليها الماء من عيون تسمى الوريط بينها وبين المدينة ستة أميال كلها خمسة أبواب باب القبلة باب الحمام وباب وهب وباب الخوجة في الشرق وباب العقبة في الغرب وباب أبي قرة .
تلمسان مدينة كبيرة جميلة المنظر مقسومة بين اثنين بينهما سور ولها جامع عجيب مليح متسع وأسواق قائمة وأهلها ذوي ليانة وفيها دوائر مفروشة بالكرم وأنواع الثمار وسورها من أرزق الأسوار وأضخمها وبها حمامات نظيفة أشهرها حمام العالية قل ما يرى له نظير هي ذات منظر متخير وأنظار ممتعة ومبانيها مرتفعة )
كما قال عنها العلامة يحي بن خلدون في كتابه بغية الرواد في ذكر ملوك بني عبد الواد (ودار ملكهم في وسط الصحراء والتل تسمى بلغة البربر –تلمسن- وهي كلمة مركبة من (تلم )ومعناها تجمع و(سن ) معناها إثنان أي الصحراء والتل )
كما ذكرها الحافظ أبي عبد الله الأعلى رحمه الله وكان حافظا ( تلمسان القوم ويقال تلمساني وهو أيضا مركب من (تل) ومعناه لهما و(شان) شأن أي لهما شأن …)
كانت هذه عينات مما تنام عليه تلمسان من مدن أثرية ومعالم سياحية ومقتطفات من تاريخها العظيم وما خفي علينا أعظم فهي مدينة امتدت فيها الحضارات وضرب التاريخ فيها جذوره إلى الأعماق
وما هذا إلا غيض من فيض وقطرة من بحر لأن الحديث عن تلمسان وتاريخها العظيم يحتاج إلى كتب ومجلدات لا إلى صفحات ووريقات …
وقد حاولت جمع هذه العينات لأعرف القارئ الكريم بما تزخر به مدننا من حضارات وما تخفيه تحت ترابها من معالم شاركت عوامل الزمن الإستعمار الفرنسي في طمسها ووأدها حتى تصدق مقولة (أن تاريخ الجزائر يبدأ من سنة 1830)…
كانت هذه مدينة واحدة من مدن جزائرنا الحبيبة اللوحة الفنية الطبيعية الساحرة الجمال المتنوعة التضاريس والمناخات الزاخرة والغنية بالمناطق الأثرية والمدن السياحية والتي تنام على شريط ساحلي قدر ب1200كم طولا من مرسى بن مهيدي بتلمسان على الحدود المغربية إلى مدينة القالة بالحدود التونسية وتتخلل هذا الشريط مناظر ساحرة في غاية من الروعة والجمال من رؤوس وخلجان وجزر صغيرة إلى قمم عالية تفتن عين الناظر بحسنها وبهائها ناهيك عما يتمتع داخلها من جبال شوامخ ظلت راسية على بساط هذه اللوحة الخالدة التي تذهب اللب وتفتن الفكر وتسرح بخيال الإنسان في ملكوت الله وروعة خلقه ،فبعيدا عن البحر تغرق العيون في السلاسل الجبلية الممتدة من مشرق الجزائر إلى مغربها من جرجرة إلى الزبربر ومن الأوراس إلى الونشريس فالطاسيلي ناهيك عن ذلك البساط الأصفر الساحر من لون الرمال عبر صحرائها الباهية ….
إن جزائرنا الغالية في أشد الحاجة إلى المزيد من الرعاية والإهتمام بالقطاع السياحي حتى تجعلنا في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال الذي لو وجد الدعم والتكافل لأغنانا هو والفلاحة عن الإعتماد كلية على المحروقات ولما لا نكون مثل جاراتنا من الدول العربية في شمال إفريقيا على سبيل المثال لا الحصر كمصر وتونس والمغرب ولبنان وغيرها من الدول التي جعلت تقريبا نصف اقتصاداتها من مداخيل السياحة بينما نحن في بلدنا يغادر الملايين من المواطنين إلى دول أخرى قصد الراحة والإستجمام وقضاء عطلهم مستهلكين الملايين إن لم نقل الملايير من الدينارات التي لو وصرفت في بلادنا لعادت علينا بالخير الوفير والجم الكثير من الفوائد منها جلب السواح وتشغيل اليد العاملة للقضاء على البطالة بدلا من اللجوء إلى هيستيريا التقشف وإخافة المواطن المسكين من خطر أزمة اختلقتها بعض الدول لإضعاف مواقف دول أخرى ضدها …
بقلم الطيب دخان- خنشلة – الجزائر