تعاليقرأي

هل إفريقيا في طريق التحرر؟

آن الأوان لأن تتحرر القارة السمراء من التبعية الذليلة لأروبا – وخاصة فرنسا – وتستقل أوطانها حقا وتنعم شعوبها بخيراتها الكثيرة، لكننا أمام سؤالين جوهريين: هل الانقلابات العسكرية ستحقق التحرر؟ أو ليس طرد الفرنسيين وتعويضهم بالروس مجرد انتقال العبودية من سيد إلى آخر؟ أما أنه قد حان الوقت لتنتفض الدول الإفريقية ضد استرقاقها ولاسترجاع سيادتها والتصرف في مواردها فهذا ما لا يطرح إشكالا بل هو واجب الوقت، لكن هل الانقلاب العسكري هو الوسيلة المناسبة لتغيير الأوضاع؟ ألم تعش القارة كلها تقريبا على وقع الانقلابات منذ استقلالها ولم يتغير شيء من أحوالها رغم وجود الانقلابيين كل مرة؟ سمعنا وعود الانعتاق من فرنسا في مالي وبوركينا فاصو وغينيا، وهو ما تعد به الطغمة العسكرية الحاكمة في النيجر، ويبدو أن الشعوب في غرب إفريقيا – أكثر من غيرها – تؤيد هذا التحرر وأعربت بألف وسيلة عن رفضها للاستعمار الفرنسي المتستر بالتعاون والذي خرّب اقتصادها وأجج النزاعات بين المكونات الإثنية والقبلية وأيد الأنظمة الاستبدادية منذ عقود، كل هذا في ظل وضع اليد على خيرات هذه البلاد لتبقى القارة غارقة في التخلف، تعاني الفقر المدقع والأمراض المختلفة والأمية، فلا يوجد بها لا منظومة صحية ولا منشآت هيكلية ولا إنجازات اقتصادية متكافئة مع مواردها الضخمة المتنوعة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي بسبب تحكم باريس وعواصم أخرى في مقدرات هذه البلدان وسياسييها وضباطها السامين، هذا ما جعل الشعوب تنتفض ضد الوجود الفرنسي وتؤيد الانقلابات في غرب افريقيا…لكن هل هو الحل الأمثل؟

بالإضافة إلى التغلغل الصيني الذي يزداد قوة عبر السنين تتحدث الأخبار عن تواجد روسي عسكري آخذ في النمو خاصة عبر مجموعة فانغر المرتزقة ليحل محل القوات الفرنسية، وهناك من يرحب بهذا التحوّل نكاية في فرنسا، لكن أليس هذا كمن يستجير من الرمضاء بالنار؟ ألن يكون التواجد الروسي استعمارا آخر ينهب الخيرات ويخدم مصالحه على حساب الشعوب المقهورة؟ هل ننسى أن روسيا تستعمر – وبأتم معنى الكلمة – أقاليم إسلامية شاسعة في القوقاز على رأسها الشيشان وداغستان؟ روسيا كغيرها من القوى لا تحب افريقيا وإنما تريد تحقيق أرباح ومصالح استراتيجية واقتصادية في الساحل الإفريقي والقارة كلها على أنقاض النفوذ الفرنسي المتلاشي…وهل تسكت فرنسا عن هذا ولديها وكلاء وعملاء في هذه الدول تجمعهم بها مناهضة الإسلام وتحيق المصالح المادية والسلطوية؟ بغض فرنسا شيء لكن الواقع بتعقيداته وحيثياته المتداخلة شيء آخر يدعو إلى التريث ودراسة الوضع بدقة وفتح آفاق لخيارات أخرى تساهم بالفعل في استقلال دول الساحل وغيرها واسترداد سيادتها على الثروات والسياسات الداخلية، وكان يمكن لدولة كالجزائر أن تغتنم الفرصة لتجد موطأ قدم هناك – بفضل رصيد الثقة الذي تتمتع به – تعمل من خلاله على تهدئة الأوضاع واقتراح البدائل والمساهمة في ترقية هذه الدول التي سئمت الهيمنة الفرنسية، سدا لباب حدوث هيمنة على أنقاض أخرى.

هذا وقد لاحظ الناس للمرة الألف نفاق “المجتمع الدولي” الذي ندد بانقلاب النيجر – وقبله مالي وبوركينا وغينيا- لكنه سكت عن انقلاب مصر الدموي بل مد جسور المودة مع النظام الانقلابي هناك، بل من المضحكات المبكيات أن هذا النظام الانقلابي في القاهرة ندد بانقلاب النيجر ودعا إلى “استعادة السلطة الدستورية” !!!

تحرر إفريقيا موضوع شائك متعدد الأضلاع لا تحله المقاربات العاطفية ولا الدوغماتية وإنما يحتاج إلى تكتل الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الحقيقية برصيدها الشعبي غير المزوّر لتكون نموذجا حيا لخدمة القضايا الوطنية والإقليمية ورفض الوصاية الفرنسية وغيرها.

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى