إسلامرأي

وقفة في نهاية رمضان

أملُنا الكبر أن يتقبل الله منا عباداتنا في الشهر الفضيل، ويعتق رقابنا من النار، ويكتبا من المقبولين ويمنّ علينا بدخول الجنة من باب الريان ، هذا أملنا في ربنا الحليم الكريم، وما هو عليه بعزيز، فهو القوي ونحن الضعفاء، وهو الغني ونحن الفقراء، وهو الله ونحن عباده المؤمنون…لكن لا بد في هذا المقام من وقفة مصارحة مع النفس ومع بعضنا: أين التراحم في شهر الرحمة؟ أين الالتزام بشرع الله، أين أخلاق الإسلام؟ المساجد منتشرة بفضل الله في طول البلاد وعرضهما لكنها في صلاة الفجر تكاد تكون خاوية، نرتادها ونحن ظالمون لأنفسنا، نستصحب أمراض القلوب ونجرّ ذيول المعاصي، وكثير منا يخرج منها كما دخلوها، فهل تفرح بنا ونحن ملطخون بالخطايا؟…كم كسبت أيدينا من الآثام وتكسب كل ساعة وحين، فيتصاغر ذلك في أعيننا، ويتضخم بعض ما نبذل من عمل صالح فنرضى عن أنفسنا ويكثر لهوُنا ولغوُنا وضحكُنا، وتبرد القلوب وتجفّ العيون، ونتحجج بطغيان المادة كأننا أبرياء أطهار جاءنا البلاء من السماء أو من وراء البحر، ونحن الذين صنعنا صنم المادة ووقعنا له ساجدين، نضحك على صنيع اليهود مع العجل ونحن نفعل مثلهم، فكم من سامري مجدناه واتبعناه، وكم من هارون حاصرناه، وكم من موسى عصيناه…أين عملنا بالقرآن؟ أين اتّباعنا للسنة؟ أين تحكيمنا لشرع الله في بيوتنا وأسواقنا وقلوبنا وسلوكنا؟ نطالب الحُكام بتحكيم الشريعة أما نحن فنحكّم أهواءنا…كم ظلمْنا الإسلام العظيم، ما أجهلنا…الإقبال على حفظ كتاب الله والتباري في ذلك سلوك حميد ومنظر بهيج لكن الأجمل حسنُ فهمه والعمل به، فإن غاب المقصد كان الحفظ أقرب إلى الملهاة التي تحول بيننا وبين إقامة القرآن في نفوسنا وحياتنا بكل شُعبها، قال الشيخ البشير الإبراهيمي :”يا أهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن”، فالخوف أن يتوارى المقصد خلف الوسيلة، ونكتب المصاحف بماء الذهب على صحائف من حرير ثم نضعها في خزائن مرصعة بالحجار الكريم ونٌحكم الإغلاق عليها ونهجرها، فتنطبق علينا شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم: “وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا”.

شهر رمضان أعظم من أن نصومه صياما تقليديا روتينيا، وهو لا يعطي ثمراته الطيبة إلا لمن تجاوز مستوى الامتناع عن الطعام والشراب و أقبل عليه بهمّة مَن فهِم عن ربّه وتحلّى بالطاعة ظاهرا وباطنا، وامتثل لأمر الله تعالى: ” وذروا ظاهر الإثم وباطنه”، فترك آثام القلوب والسلوك، وهجر المخالفات الشرعية في خلواته وجلواته، بل الأمر أعمق من هذا وأكثر مسؤولية وجدية، فالصيام مثل جميع العبادات الأخرى يتجاوز الحيّز الفردي إلى الأداء الجماعي: “وتوبوا إلى الله جميع أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”…إنه الإسلام وليس المسيحية، لا تكتمل عبادة الله فيه حتى تمتدّ إلى أفراد البيت والتاجر والحاكم والموظف والمقاول وربة البيت والعازبة والطالب والفلاح والمستورد ورجل الأمن والفنان… وينصاع الجميع لأمر الله، وتسري فيهم أنوار العبادة ومحاسن الأخلاق والالتزام بأحكام الشريعة…وإذا لم يستقم المجتمع في رمضان فمتى يستقيم؟ وحالات الصلاح الفردية مطلوبة لكنها غير كافية حتى تمتد ظلاله إلى الأمو الشاهدة كلها :” حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله”… أجل، نرتمي على عتبة باب الله راجين أن يتقبل ويعفو بزيد، لكن منظر من تصوم وهي متبرجة، ومنظر من يمتنع عن الطعام ولا يمتنع عن الحرام والزور والفساد، ومن يجاهر بالموبقات وهو مسلم يجعلنا نخاف على أنفسنا وأمتنا أن يعاملنا الله بعدله فيعمّنا بعذاب، فنرجو أن يعاملنا – في الدنيا والآخرة – بفضله ورحمته وكرمه، فإن لم نخلص في طاعته فإننا لا نشرك في وحدته، وإذا كان عفوُه لا يصيب إلا السابقين بالخيرات فبمن يلوذ ويستجير الظالمون لأنفسهم؟

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى