أخبارتعاليقرأي

غزة أحيت سيرة السلف الصالح

كثيرا ما تتردد على ألسنة المسلمين عبارة “إحياء سيرة السلف الصالح”، وبقيت شعارا حتى جاء طوفان الأقصى ورسمها صورة ماثلة واقعية، وسيرة هؤلاء ليست بطبيعة الحال اللباس واللحية وطاعة الحاكم بل هي الجهاد والثبات وإحياء معاني البطولة وتجسيد النماذج الراقية والقدوات التي طمستها عقود من التخلف الحضاري والعلمنة الحثيثة، وقد أحيت بعض نماذج ثبات أهل غزة وصمودهم وجهادهم صور الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أيام الوغى وفي ساحاته، وسيرتهم هي باختصار الانجاز الذي يرضي الله ويخدم الاسلام والأمة ، واخترت نموذجين أحدهما مضيء والآخر قاتم ينطبقان على واقعنا هذه الأيام.

· غزوة مؤتة: الوضع في غزة يشبه إلى حد كبير رجوع الصحابة من غزوة مؤتة، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لاستقبالهم على مشارف المدينة، وكان المشهد يشتمل على ثلاثة عناصر أساسية: عدم تحقيق نصر واضح، استشهاد القادة الرموز الثلاثة الذين عينهم الرسول صلى الله عليه وسلم، انسحاب الجيش انسحابا وقائيا … قال صلى الله عليه وسلم: خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر، فحمله معه على ناقته، وهو يعلم أنه لن يجد أباه في العائدين، وحين اقترب الناس من الجيش جعلوا يعيرونهم بالفرار، وقد رأوا أن انسحابهم فرار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بل هم الكرارون، لماذا؟ قال ذلك عن رجال قاتلوا لأول مرة جيش الإمبراطورية البيزنطية، المنتشية بالانتصار العظيم على الفرس، فمجرد سلامة الصحابة بقيادة خالد بن الوليد نصر وغنيمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن جعفر “هنيئا لك، أبوك يطير مع الملائكة في السماء”…هذه هي النسبية التي قامت عليها الحياة الدنيا ولا يعقلها إلا العارفون بسنن الله في خلقه وبقوانين النصر والهزيمة.

ونحن نقول لأهل غزة “هنيئا لكم” فلولا أمثالكم في الأمة ما بقيت شعائر ولا انتصارات ولا تمكين.

· النضر بن الحارث: كان سيدا من سادات قريش، تاجراً يسافر الى بلاد فارس و العراق، غنيا شديد الثراء ساءته الدعوة الإسلامية، فلما وجد أن الناس يستمعون لكلام النبي صلى الله عليه و سلم و يؤمنون به غاضه ذلك فقام بخطة شيطانية للوقوف في وجه الدين الرباني، فأحضر مجموعة من المغنيات والراقصات يقيمن حفلات الطرب و الرقص قرب الكعبة و في المواضع التي يدعوا فيها النبي ﷺ الناس إلى دين الإسلام، كما أحضر معه القصاص و الرواة ليحكوا للناس عن أساطير الأمم الغابرة و القصص التي سمعها في أسفاره، كل ذلك ليشغل الناس عن النبي ﷺ و يلوي وجوههم عنه، فأنزل الله فيه “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ”.

أفلسنا نرى في كثير من بلاد الإسلام أمثال النضر يبذلون الأموال لشيطنة جهاد غزة وصمود المقاومة وصرف الناس عن ذكر الله وذكر البطولات بالحفلات الماجنة والأفلام و المسلسلات الهابطة وكرة القدم؟

الفرق الوحيد هو أن النضر كان يفعل ذلك من حُر ماله أما هؤلاء فهم ينفقون من أموال المسلمين ليصدوا عن دين الله ومشاهد الجهاد ومواطن العزة، فما تنفع هنا مسابقات القرآن الكريم والجوائز المرصدة لها والمبادرون بها يحاربون جوهر القرآن واحكامه واخلاقه وهديه القويم؟ قال سيّد قطب رحمه الله “إنهم يريدون قرآنا يتلى في المآتم ويتغنى به الصبيان في المحافل، أما أن يكون حاكما و دستورا للحياة فذلك إسلام سياسي”.

.

هذا وقد اشتملت حرب غزة على مشاهد خالدة تذكرنا بجملة من الغزوات النبوية، ليكتب التاريخ أن غزة ارتجفت من البرد ولم تركع، عانت المجاعة ولم تركع، قُصفت ليل نهار ولم تركع، خذلها العرب والمسلمون ولم تركع، فهي تركع لله وحده وتجعل الأعداء والخونة يركعون لها.

أن القضية الفلسطينية في أفضل حالاتها منذ1948 لأن أهل غزة ارتقوا من المقاومة إلى مشروع تحرير فلسطين، ولولا الخيانة والتواطؤ لتحقق ذلك من غير شك، وبعض المسلمين يرون الدماء أما العداء فيرون الفناء يدبّ إليهم من تلقاء طوفان الأقصى، وكما أكرم الله الصحابة فهو يكرم من أحيى سيرتهم وبهر العالم بثباته وصبره وقدرته الفائقة على القتال والمناورة والتفاوض…هي مشاهد جزئية من بدر وأحد والأحزاب ومؤتة، تتوج بغزوة بني قينقاع إن شاء الله، وكان ينبغي أن تهرع الأمة إلى قول الله تعالى ” وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين”، وقد رأينا الأعداء صفا واحدا مع الصهاينة فمتى نكون صفا واحدا في وجههم وتحت راية القرآن؟

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى