تعاليقرأي

علي “ولد الحومة” المثابر المرابط

رشيد مصباح (فوزي)

من الأشياء التي لا تحتاج لنسبة كبيرة من الوعي و لا لكثير من الجهد: نظافة البيئة والمحيط. المحافظة على المحيط أمر ضروري وهام وخطير في الوقت ذاته، لما يترتّب عنه من آفات تتمثل في انتشار الأوبئة والأمراض. والفضلات، والقاذورات، والأشياء المتعفّنة… كل ذلك يعتبر بيئة خصبة لتكاثر أنواع الحشرات الضّارة التي تنقل الأمراض.

لحد كتابة هذه السطور لم أجد جوابا مقنعا للحكمة من وراء خلق هذه الحشرات الضّارّة مثل البعوض و الذّباب سوى ما ورد في الآية الكريمة: وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ

سورة الحج الآية: (73).

وأما الغاية من إثارة هذا الموضوع؛ هو أن الذّباب تنامى بصورة غريبة في هذه الأيّام التي تميّزت بارتفاع درجات الحرارة وبلوغها حدّا لا يطاق مقارنة بالأعوام الفارطة. وللتأكّد من الأمر سألتُ أحد أصدقائي عن السبب فأجابني بأنّ للأمر علاقة بانتشار الأوساخ. وكنتُ أظنّ أن تغير المناخ وراء تكاثره بهذه الصورة الغريبة. لكن حين عدتُ إلى الحالة التي نحن فيها، تأكدتُ من أن صديقي كان على حق وكلامه صواب.

بعض الناس يكتفون بالحفاظ على أناقتهم ونظافة ثوبهم، و لا يكترثون لما يحدث في المحيط العام الذي يعيشون فيه، ظنّا منهم أنّهم بمنأى عن كل سوء. والسّلوك الحضاري بالنسبة لهؤلاء يتجسّد في ارتداء نظّارة شمسية؛ حتّى لا يرى الآخرين، و في الهاتف الذي لا يكاد يفارق خدّه الأيمن حتى يديره إلى الأيسر وهو يقود سيارته الجديدة لا يفارق كرسيّها ليل نهار ولا يترجّل منها؛ حتى لا يحتك بالخلق .

وفي المقابل هناك من همّه الوحيد هو الحفاظ على المكان الذي يعيش فيه، حياته كلّها تطوّع، لا يبخل بماله ولا بجهده، يحرص على غرس شجرة هنا، وتنظيف أو تزيين مكان هناك. من أمثال (علي فارح) “ولد الحومة” ابن الحيّ الذي صرتُ أخجل من المرور أمامه لأنّني لا أجد ما أقدّمه له سوى بعض الكلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. تشجيعا له على بذل المزيد ممّا يقوم به، وحتى لا يتسلّل اليأس والملل إلى عقله وقلبه وهو يرى كثرة العابثين والمتهكّمين الذين يعتقدون أنهم بمنأى عما يجري غير معنيّين بنظافة المحيط الضيّق الذي يعيشون فيه. بل إن منهم من يقود سيارته الجديدة وبين أصبعي إحدى يديه حبّة الموز يقشّرها ثم يرمي بالقشور من إحدى النّوافذ، غير آبه ولا مكترث بما يقوم به أمثال (عليّ) هذا الجندي المتقاعد والمثابر المرابط الذي عرف كيف يرسّخ فينا ثقافة جديدة و دخيلة لم نعهدها قبل تقاعده من الجيش وعودته إلى الديّار.

بل إن من بين العابثين من تعوّد على نحر أضحيته على الرّصيف، تاركا الفرث والدماء من ورائه لأنواع الحشرات والميكروبات والدّيدان تعبث بها في حرّ هذا الصّيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى