تعاليقرأي

هل هي بداية النهاية لإمبراطورية الشر أمريكا ؟

الدكتور خيام الزعبي- جامعة الفرات

نظراً للظروف السياسية التي أوصلتنا إليها الولايات المتحدة الأمريكية من أزمات وكوارث سياسية نسمع صوتاً يأتي من الكرملين وبكين يهدد وبالرد الفعلي على مزاعم الرئيس الامريكي “بايدن” تجاه بعض الأزمات في المنطقة، إذ أكدت التجارب فشل السياسة الأمريكية في إدارتها وإخفاقها في أن تصل بنا إلى عالم يتسم بالأمن والاستقرار وذلك على خلاف ما توقع الباحثون السياسيون والتي كان يرون أنها سوف تؤدى إلى تحقيق المزيد من الهدوء في العلاقات الدولية ورفاهية العالم وتمتعه بالمزيد من النمو ولكن ما حدث كان العكس من ذلك فقد ارتفعت معدلات الصراعات و الحروب الأهلية في المنطقة .

وبالمقابل كان سوء الإدارة الأمريكية أحد الأسباب التي أدت إلى عودة الدب الروسي إلى المياه الدافئة مرة أخرى والتي شجعت روسيا أن تدخل بقوة، ورأينا ذلك في الأزمة السورية التي وقفت إلى جانب سورية وكذلك في أزمات أخرى فضلاً عن الإقبال من جانب بعض الدول بالعودة إلى أحضان الدب الروسي من جديد.

وفي السياق نفسه اتسم الواقع الذي يعيشه المجتمع الأمريكي حيث الفجوة الكبيرة في الدخل للأفراد فهناك الطبقة الاروستقراطية الطبقية الغنية والتي تمثل 30% من الشعب أما 70% من الشعب يفقد الضمان الاجتماعي والصحي ويعيش تحت خط الفقر هذا مما يؤدي الى الإنفجار في أي وقت ممكن، بالإضافة الى الدين الخارجي فقد تخطى 200 مليار دولار وإن كانت الصين تدخلت في التسعينيات لإنقاذ البنك الفيدرالي الأمريكي ، لكن اليوم فأن الخلاف والعداء الشديد بين بكين وواشنطن سيؤثر على مساعدة الصين لأمريكا، التي تسعى الى التفوق التكنولوجي لكبح جماح أمريكا في المنطقة .

ومن هذا المنطلق سوف تتمسك أمريكا بكل فرصة متاحة للهيمنة في مناطق معينة، وسوف تحاول دون جدوى تشكيل تحالفات جديدة ضد الصين، وسوف يستمر ذلك حتى تدرك أخيراً وزنها الحقيقي في الشؤون الدولية والعالمية وتعود الى سياسات القرن التاسع عشر من حيث الانعزالية ، والتي كانت في ظلها القوة الأكثر نجاحاً في العالم، أما الآن فالكل يرفض الزعامة الأمريكية وهذا مؤشر عن قرب انهيار السياسة الأمريكية في المنطقة.

فالذي جرى في أوكرانيا هو رسالة أمريكية لروسيا تحمل نبرة ولهجة وفعل العقاب انتقاماً منها على الدور الذي لعبته في الشرق الأوسط مؤخراً فروسيا التي رفضت الضربة الأمريكية لسورية سببت حرجاً كبيراً لإدارة أوباما وإنتقاصاً من مكانة أمريكا الإمبراطورية، وروسيا التي باتت مقصداً للمصريين أفشلت فكرة تسليم الشرق الأوسط لجماعات الإسلام السياسي بالوكالة لتتفرغ أمريكا للإستدارة نحو شرق آسيا، والتعاون الروسي السعودي الوثيق إعتبر لطمة على الخد الأمريكي إنطلاقاً أيضا من أن السعودية داعم رئيسي لثورة 30 يونيو في مصر، هذا فضلاً عن التقارب الروسي الإيراني الصيني والذي أثار قلق واشنطن بشكل كبير.

فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن روسيا من هذا المنطلق أسهمت بقدر كبير في تغيير الصورة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط ما جعل خسائر الأمريكيين تزداد وتتعاظم إذ ترى روسيا أن أميركا اصبحت مهزوزة في مختلف دول العالم، فقد كانت مقامرة بوتين الأوكرانية بمثابة صدمة لمؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، وترى روسيا أميركا هشة، في أفغانستان وفي سورية وحول إيران ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.

هنا يمكن القول إن روسيا اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لترسيخ علاقتها بالصين وإيران لتكوين جبهة قوية ضد الهيمنة الأمريكية، ووضع حد لإنفرادها بالسيطرة على العالم من دون منازع وكسر سياسة الإحتواء والطوق الذي تسعى اليه، وكانت القيادة الروسية قد أشارت إلى تأسيس مثلث استراتيجي يجمع الصين وروسيا وإيران وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة لأنه يقلص من هيمنتها ويقزم دورها في المنطقة.

مما لا شك فيه،إن الموقف الصيني له دور في لجم الإندفاع والتهور الأميركي تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة، وتجاه العديد من المواضيع المثارة على كل المستويات الأممية، وقد كان الملف النووي الإيراني واحداً منها، حيث سقطت سياسة التهديد العسكري الأميركي ضد إيران، وهو ما دفع بالرئيس الأميركي طوال حقبته الرئاسية الأولى، لتفضيل الخيارات الدبلوماسية، وتركيزه على العمل مع حلفائه سياسياً ودبلوماسياً كبديل عن استخدام القوة، في رؤية لا يستطيع من خلالها تجاهل الدور الروسي وحتى الصيني في معالجة معظم القضايا الدولية.

مجملاً… هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم الصين وروسيا وعودتهما بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن في المدى المنظور، كما ستستمر معركة شدّ الحبال بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وفي شكل أقوى في منطقة الشرق الأوسط.

وبإختصار شديد: إنه من المستبعد أن يغير بايدن من سياسته تجاه القضايا الدولية ونهجه العدواني وخطابه المناهض للصين وروسيا حتى نهاية فترة حكمه، فسياسته تثير إمتعاضاً ليس فقط لدى الأمريكيين وإنما لدى حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا التي تتكبد الخسائر الكبيرة، ويقول الخبراء إن “الصين وروسيا” القويتان هما الصخرة التي سوف تتحطم أمامها كافة مشروعات الدولة الأمريكية، كما أن الصين وروسيا يسعيان اليوم إلى استغلال ثقلهما الاقتصادي والسياسي من أجل تشكيل العالم حتى يكون أكثر انسجاماً مع مصالحهما الاقتصادية الحيوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى