رأي

لشهيد “جامع السراجي” !!

كتب : مهند سري
عادت بي جريمة إغتيال الشهيد جامع السراجي الكبير، عمراً وامتداداً تأريخياً ومكانة، الى ثمانينات القرن الماضي، حين كنت أؤدي خدمة العلم في قاطع البصرة، وكل ما اراه من حولي محدداً ” بالخاكي”، حتى كان لنا يوماً فسحة للتجول في المدينة القديمة، برفقة زميلنا البصراوي ” خالد” الذي اقترح علينا صلاة الجمعة في ” مسجد البصرة الكبير”، وهو يفسر لنا إختيار هذا المسجد بالقول : ” ستجدون فيه عبق الماضي”، حتى حط بنا المقام الى ” جامع السراجي”، فشدتني منارته، ومصلاه، بل وحتى مصليه، واخذت الخيالات تلاحقني بعد أن عرفت أنه بني قبل قرنين من الزمن يومها، وشخصت أمام ناظري صوراً لمن مر في هذا المكان، ومن صلى فيه، أجدادنا .. أجدادهم، أجيال تسلم أجيالأ سلفاً عن خلف، كنت أحاول أن اركز سمعي و مداركي على الخطبة، لكن الصور تلاحقني من دواخلي عمن أعتلى هذا المنبر المبارك وخطب فيه.
حاولت بعد إنتهاء الصلاة أن التقط صورة مع المنارة التأريخية، وليس في بالي أن زماناً يأتي وسيحيلها حطاماً كما حطمت منارة الحدباء من قبلها في الموصل، لكن تعذر معي كل شيء، فلا كاميرة هاتف ترافقنا كما هو اليوم، ولا مصور في خضم الحرب يتجول في هذا المكان، وقد غلبتني دموعي أني لم أسجل “لقطة” مع منارة السراجي.
المبررات التي سيقت لهدم المنارة والجامع، غير مقنعة بالمرة، لأنك أمام بيت من بيوت الله، وصرح تاريخي يعود الى ثلاثمئة سنة، ولا أعتقد أن الإنكليز تحت أي ظرف يزيلوا ساعة الـ ” بيغ بن”، او أن الفرنسيين يزيلون برج ايفل، تحت أي مسوغ، بل استبعد بالمرة أن يقدم هؤلاء على إعدام معلّم آخر غير السراجي، حتى إن كان في وسط الطريق!! .. وفيما يصنع العالم المستحدث، والدول الجديدة، آثاراً تجعلها رموزاً لها ومزارات سياحية، نزيل نحن عمقنا التأريخي أثراً بعد أثر.
والغريب أنهم أقدموا على هذا الفعل مخالفة للقانون، وبين يدي قرار لمحكمة التمييز الاتحادية ينص على : ” لا يمكن المساس بالعقار الموقوف وقفاً خيرياً بعد وقفه وتسجيله بأي تصرف آخر ينفي عنه صفة كونه عقاراً موقوفاً وقفاً خيرياً، لأن المالك بقيامه بوقف العقار وقفاً خيرياً مؤبداً قد خرج الملك عنه الى ملك الله سبحانه وتعالى ولا يجوز الرجوع عنه” .
هذا في أي عقار موقوف، فكيف ببيت من بيوت الله، الذي قال في سبحانه : ” وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا”.. وفيما أمرنا تعالى أن ترفع : ” فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ”، هدمناها، والشاهد جامع السراجي.
في الجانب الآخر، أن مئذنة السراجي يعود تأريخها إلى نحو 3 قرون، وهي بذلك دخلت في صلب المباني الآثارية التي لا يجوز المساس بها طبقاً لقوانين “اليونسكو” في الحفاظ على التراث العالمي لأي أثر يتعدى المئة سنة.
للفقيد الرحمة، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى