رأي

عيد أسير  

  الأسير:- مراد أبو الرب 

تعمّدت تأخير هالمقالة . 

.لانه مش حلو البؤس بأول يوم في العيد .. خلّي هالناس يعيّدو  

أحيانًا بقول مش لازم أحكي عن موضوع السجن والتفاصيل اللي بتصير فيه، عشان ما نكسر قلوب أهالينا احنا الأسرى   يلي في سجون الاحتلال، برجع بقول في نفسي : 

مهي قلوبهم مكسوره من كلشي حواليهم !! وقّفت ع مقالاتي !!! 

جيرانهم يا دوب بسألو عن ولادهم سؤال عابر على استحياء  

يمكن خوف ليطير التصريح ..  

أو زهقو وهم بسألو عن ابنهم .. مهو صرلو زمان وسنين بالسجن  ..  

يا حرام بتعبو وهم يسألو ما شاء الله ..  

بس انا عن نفسي لاني عايش بقرية مش بمدينة بيت اهلي زي المضافة بضل مضيوف طول السنة  يعني الناس رايحة جاية بمناسبات و بدون مناسبات و النسوان قبل الزلام بيجيو عند امي و بيسألوا عني بس شو يسوي الأسير  العايش بالمدينة إلى حدو ساكن بالحارة ما بيعرف أنه بالسجن و لا بعرف قديش قضى بالسجن ولا حتى محكوميته  

و أهل الأسير بشكل عام الصبر والعذاب والحزن ما تعبهم ..  

و لسا هم صامدين ..  

والاعلام يا دوب مهتمّ في أولادهم ..  

بيغطّو أخبار بعض الأسرى وبنسو الناس اللي بدخلو السجن وبيطلعو وما حدا سمع قصصهم أو عرف عنهم اشي و المسؤولين بطلعوا بالسنة مرة على المنصة يعني جنب الأسير    لنشوف وجه المسؤول و هم بوخذوا صور تذكارية و بعدها بنستنى كمان سنة ليرجع المسؤول حامل معاه وعود بالفرج القريب !!! وأنه الأسرى على سلم الأولويات وما بنعرف هالسلم وين  بدايته و نهايته !!  

والشباب اللي محسوبين عليهم هدول الأسرى ..  

ما بعرف إذا مرّات بفكرو مجرد تفكير يدخلو دار أخوهم وحبيبهم الأسير يوم العيد!  

واللي بتّهم إبنهم بالتياسه!  

آه تيس ليش يورط حالو ويضيع مستقبلو!! بستاهل،  

وهالتافه مش عارف إنه هالشب الأسير الجدع بيصنعله مستقبل لولاده وذريّته من بعده …  

يعني هالكلام  شو رح يزيد من همّ أهل الأسير!  

حطو فوق هالكوم كوم و ربنا المستعان …  

بيبلش العيد قبل يوم العيد بيومين ثلاث ..  

الأسرى بيشطفو الغرف وبينضفوهم تنضيف عالي المستوى .. مع إنهم كل يوم بيشطفو الغرف ..  

لكن يوم العيد بزبطش بدون تنضيف الغرف وشطفها وغسل الحيطان والشباك ..  

زيها زي  الدار .. مهي الغرفه دار .. 

بس شو صغيره  

غرفه أربعة متر عرض   في ستة متر طول  تقريبا  

فيها 8 أبراش ( أسرّه ) ومرحاض ولوح حديد اسمو مطبخ ..  

كل أسير قبل يوم العيد بيجهز لبسة العيد من أواعيه أو من صحابو ..  

لازم يلبّق بلوزه وبوت ..  

الحلاقه ضروريه .. زيها زي الزياره     

بس العيد هاض عيد صحّ .. إشي ببهج بس من إسمو ..  

بيتم تشكيل لجنه تحضيريه للعيد  

أكم شب بيكونو مسؤولين عن توزيع الشاي و القهوة ..  

وكعك العيد ..  

كعك العيد عباره عن سميد .. سُكّر  

خميره .. بنحشيه تمر ..  

أوعكم تستكثروه ع الأسرى ???? 

ترى كل واحد بطلعلو حبّه ..  

لإنو الكميات شحيحه ..  

هدول الشباب بعد خطبة العيد بيكونو مجهزين غرفه لتوزيع الحلو أو في الساحة حسب كل سجن ما هو الو قوانين خاصة فيه .. بيدخلو الأسرى ع الغرفه او بكونوا في الساحة  ..  

بيكون باستقبالهم الختياريه … 

  كل واحد بيدخل بيسلم بالإيد ما في عنا بوس على الخد بالسجن ، بيوخد ضيافه وبيغادر الغرفه بيترك مجال لغيرو  لأن الغرفة صغيرة و يا دوب توسع كل هالشباب !! 

المهم  

قبل العيد بكون الأسير جهَّز الملابس مثل ما بجهز نفسه للزيارة …  

حلق شعراتو …  

استجمع كل مشاعرو وخبّاها لهداك اليوم  

وتمالك نفسو وقلبو عشان ما ينقهر قبل ما يخلّص عيدو ..  

بدو يفرح وينبسط بأي طريقه  

كيف ما كان ..  

يوم العيد ويوم الزيارة  ..  

اليوم الأجمل في حياة الأسير ..  

يمكن في أسرى بعتبروه يوم مؤلم وحزين ما بعرف وانا بوافقهم الرأي ,, 

يمكن في أسرى بعتبرو إنه زيارة الأهل هي العيد الحقيقي برضو بوافقهم الرأي ,, 

أنا من الناس اللي بيفكّرو إنه العيد الحقيقي هو يوم التحرّر من السجون  .. مهما تعددت الآراء  بيضل ليوم العيد طعم غير ونكهه خاصه .. ولازم نحتفل لكن مع اختلاف و تعدد الآراء انا بتفق مع الجميع لانه وجعنا واحد !!!!  

بعد صلاة الفجر بوقت قصير بيتمّ فتح الأقسام ..  

وبيكون فتح الأقسام في وقت مبكّر بس بيوم العيد 

الحمامات خارج الغرف أو داخلها حسب تقسيم كل سجن  .. 

بيكون الأسير مضطر يعمل( دُش ) خارج الغرفه  

عدد ( الدُشّات ) (10) بيستخدمها من (70/160) أسير يوميًّا ..  

لكن يوم العيد الكل بدّو يتحمم ..  

وشو العيد بدون حمام العيد  ????  

فبتكون في أزمه وضغط ع الحمامات ..  

في شباب من باب تخفيف الضغط بيتحممو في ( المرحاض )  

بيسخّنو ميّ .. بيحطوها في سطل ( دلو ) .. بيبرّدوها من ماء الحنفيه .. وبيتحممو في حمّام الغرفه ..  

أنا كنت مرات اعملها و بتعرفوا هاد الحمام بذكرني بحمام امي لما كانت تحطني بالجاط وتحممني !!! 

 ااااخ ع ايامك يا امي !!!! 

بينزلو الشباب ع الساحه مشخّصين ولابسين  أواعي العيد لجديدة …  

بتصدّقوني لو قلتلكم إنه في شباب بيكونن أواعيهم مهترئه ويمكن مرقّعه نوعًا ما لكن بيعتبروها جديده وفخمه!  

وبيكونو طايرين فيها .. 

بعتبروهن ماركه ..  

ماركة أسير  

لإنو الملابس شحيحه في السجن .. والمسموح إنه يدخل قليل جدا 

بيبلشو الشباب تكبير في الساحه  

بينقسمو لقسمين .. بينهم مسافه تقريبا مترين عشان يميّزو بعض عن بعض، بيلفّو بشكل دائري على امتداد محيط الساحه .. قسم بيكبّر ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله اكبر الله أكبر ولله الحمد ) وبس ينتهي هذا القسم .. بيرد القسم الثاني وبيكبّر نفس التكبيرات ..  

يعني كل قسم من الناس بيريّح الثاني .. 

الكل بيكون مكيّف وسعيد ومبسوووط ..  

بيضل التكبير لوقت صلاة العيد  

بيصطفّو الأسرى للصلاة  

وبعد انتهاء الصلاة بجلسو للإستماع للخطبه  

بهاد الوقت بتكون لجنة العيد في الغرفه بتجهّز الضيافه للشباب .. الله يجزيهم الخير بيتعبو .. 

بتخلص خطبة العيد ..  

بيعملو الأسرى صفّ دائري . …  

بيبدأو يسلمو ع بعض .. من أولهم لآخرهم  

كل الوجوه بتتلاقى .. وكل الأيادي بتتصافح  

والكل بيعانق الكلّ ..  

بيتوجهو الأسرى لغرفة الضيافه  

وكل واحد بيوخذ اللي فيه النصيب  !!!! 

المهم  

في أسرى بيعتبرو انو العيد انتهى بأخذهم للضيافه  

زي اللي بيروحو ع الأعراس وأصحاب العرس بيحشروهم تا يوكلو كيك العرس .. بيعتبرو انو العرس بنتهي لما يوزّعو الكيك ..  

هدول الأسرى بيطلعو ع غرفهم ..  

بيحطو راسهم وبينامو ..  

قبل ما ينامو بيفكرو بالعيد بره .. بيتذكرو أهلهم ..  

الوالد .. الوالده .. الزوجه الاولاد .. الاخوه الأخوات .. الأصحاب .. بيعيطو شويّ  .. أو بيحزنو شويّ .. 

وبيجي النوم بيطبطب ع قلوبهم ..وبيوخد منهم غفوه  

قبل ما هالقلب يوقّف من الحزن وينجلط ..  

وفي أسرى بيتزاورو ما بين بعض .. بيحاولو يعملو أجواء من هالعيد يلي ورا هالجدران العاليه .. والحديد اللي مغطي سماها …  

كل غرفه بتزور باقي الغرف  

كل قسم فيه من 70/160 أسير  

وكل غرفة فيها من 6/8أسرى 

بس في سجن عسقلان كلنا في السجن ٣٦ أسير مقسمين على خمس غرف وغرفة فيها خمسة و تلت غرف فيها تماني وغرفة فيها سبعة يعني حسب حجم الغرفة.  

بينتهي العيد .. عيد الأسير ..  

بتتذكرو المشاعر اللي حبسها الأسير ليوم العيد؟  

لما تمالك نفسو وقلبو؟  

أيوه ..  

هي نفسها المشاعر يلي الأسير حشرها بقلبو وهو بيتجهز للعيد وهي نفسها الي بتكون وقت الزيارة  

ليلة العيد .. أول ليله ..  

أصعب ليله … أسوأ ليله .. شو ما حاول الواحد يخبّي ويسكت ويبين حالو مش مهتم ومش فارقه معو ..  

لما يجي الليل …  

وقبل النوم   .. زي بعد كل زيارة أهل .. هيك بصير كل ليلة عيد .. بيقعد الأسير في فراشو  

بيسحب صور العيلة من تحت المخدّه .. أو من تحت الفرشه أو من محل ما هو مخبيهم.  

وبيبلش يقلب في الصور والمواجع بنفس الوقت ..  

مع كل صوره وجع .. ومع كل صوره شوق .. ومع كل صوره حب ولهفه وحزن ..  

ببتسم وبيبكي كالعاده  

أو بيبتسم وبيحزن ..  

وجوّاه قلب بيصيح مع كل نبضه ..  

أحيانًا .. بستغرب كيف قادرين نتحمّل أو نصبر !  

إحنا غريبين فعلًا  

معقول استثنائيين!  

عشان هيك بنتعرض لهاد الإشي من دون الناس!  

الناس اللي ما بصبرو ع خوفهم إنه يضيع تصريحهم لما يسلمو عليك مع إنو ما بيضيع!  

هم بخافو يسلمو .. وانت ما بتخاف من دوله!  

فرق شاسع ..  

عنجد .. مرّات كثيره بتذكر العيد في السجن .. 

هالأيام تذكرتو .. حسيت قلبي انخلع من صدري  

كيف احنا متحمّلين إنه ننسجن وننحرم ونكون بعاد عن أهلنا في يوم العيد وكلّ الأيام .. كيف !!! يا الله كيف !!! 

كيف أهالينا بتحمّلو .. كيف !!!! 

كيف في ناس صرلهم عشرين سنه وثلاثين سنه ما شافو الشمس يا جماعه !!!! 

ولا عيّدو مع أهاليهم !!! 

ولا مشو ع الزفته !!! 

ولا أكلو كنافه ولا بقلاوه ولا كعك القدس !!! 

احنا هاي الأمور نسينى كيف بتكون !! كيف شكلها !! وكيف طعمها حتى !! و الله بعين وكل هاد عشان عيونك يا وطنا !!! 

ولا ركبو سياره ولا حضنو طفل ولا حضنو أم أو أب ..  

و الاصعب من هيك لما نكون مودعين قبل فترة شهيد يعني ما رح يكون معنا بهاد العيد !!! زي كمال ابو وعر و ناصرابو حميد وسامي العمور و السايح وغيرهم الكثير من شهداء الحركة الأسيرة وكان أولهم انيس دولة الي بالثلاجات من سنة ١٩٨٨ …  

  هدول كلهم حاضرين معنا بكل عيد و الي زاد الهم أكثر مرض ابو ميلاد  

تخيّلو! كل عيد كنا نعيد مع بعض ولكن هالمرة  ابو ميلاد مقيد على سرير المرض من ثلاثين يوم !!  

انتِ وانت وانتم  بتقرأوا بتتخيلو !!!  

أنا مقهور ع أصحاب إلي ما  شفتهم من  قبل 17سنه ولساتهم في السجن و غيرهم برا السجن … تقريبا ما بتذكر الا الملامح الي تركتها .. كيف هم هلأ ما بعرف و ربنا المستعان !! 

وبيجي واحد مش عارف الله وين حاطو  يزاود على الاسرى وعلى أهالي الأسرى  

وبيجي واحد ثاني همو جيبته مش همه الوطن  بيستكثر ع أهالينا راتب الأسير يلي لو كان بالملايين ما بيرجع للأسير سنه من سنين حياته مع أهله ..  

بس في ناس بتشعر بالاسير يمكن بدعوة  أو  منشور ع الفيس او على تويتر او ع الانستا و هاد أقل ما بيطلع بالأيد … كثير في ناس  حتى القراية بيستثقلو منها وبيستكثروها ع هالأسير المسكين 

 والأسير قاعد بطحن ساعات وأيام وسنين من عمره عشان الوطن و كرامة الشعب !!   وهو بس بيتأمل بالفرج القريب والعاجل …  

 الشعب مقصّر وهو بحكي عن حاله هيك بس شو طالع بالأيد .  

بس الكل قاصد التقصير وبنتحجّج بحجج واهيه .. بدهم بس مبرر التقصير .. بس احنا من جوه عارفين حالنا ..  

عارفين حالنا منيح 

وكلنا أمرنا لربنا والي عند ربنا ما بضيع و ربنا رح ينتقم من كل الي قصروا  ..  

يمكن في الدنيا … يمكن في الآخره .. ويمكن ربنا يرحمهم..  

يا رب كون معنا ومع اهلنا الي تركناهم بحصنك   …  

يا رب رجعنا الهم  عن قريب ..  

مالنا غيرك يا الله ..  

كل عام والكل بخير   

كل عام و نحن الاسرى وأهالينا  وأهالي الأكرم منّا جميعًا بألف خير  

كل عام و الوطن بخير  

قلعة الشهيد عبد القادر ابو الفحم 

سجن عسقلان المركزي 

الكاتب الأسير مراد ابو الرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى