أحوال عربيةأخباردراسات و تحقيقات

سلسلة (أباطيل وخرافات حاخامات صهيون) الحلقة (3)

حوار / أحمد الحاج 

ما تزال العبارة الخالدة لأسد الصحراء،عمر المختار،تتردد في الافاق وتتناقلها الأجيال كابرا عن كابر”نحن لن نستسلم،ننتصر أو نموت”ولاغرو بأن الانتصار الحق ليس على الأرض فحسب،وأنما يتخطاه الى كسب تعاطف الشعوب والضمير العالمي وأسر العقول والأخذ بمجامع القلوب من أقصى العالم الى أقصاه،وهذا عين ماحدث بفعل الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني،وصبرهم، وشجاعتهم،ورباطة جأشهم على خطى أسلافهم على مر قرون وبما أذهل القاصي والداني،حتى أسلم تأثرا بذلك الالاف حول العالم ومن أبرزهم الناشطة والتيكتوكر الأمريكية الملحدة ميغان رايس، كذلك الناشطة الأمريكية اليهودية جاك ويلدز،حيث اعتنقتا الاسلام وتفرغتا لدراسة ترجمات القرآن الكريم تأثرا بصبر وثبات أهل غزة،سبقتهما اليوتيوبر والممثلة البريطانية عائشة روزالي،بعد قراءات عديدة عن الاديان لينتهي بها المطاف الى أن الاسلام هو الدين الحق فأشهرت اسلامها لتواصل نشاطها في الدعوة اليه عبر قناتها على يوتيوب والسوشيال ميديا،وهذا هو حال كل من يبحث جديا ويقرأ ويتمعن جليا في هذا الدين الحنيف وتعاليمه وأخلاقه ورموزه بعيدا عن التشويه والتضليل الاعلامي الذي تقوده وتحركه الأجندة الصهيونية بخرافاتها وأباطيلها .

وهذا هو عين ما تتلمسه على الدوام ولاسيما حين يتناهى الى سمعك أن معاندا للدين الحنيف أو معاديا له قد أشهر إسلامه وغير قناعاته تجاهه بعد خروجه من الصندوق،واطلاعه على الاسلام بعين فاحصة وضمير حي وقلب سليم،ولعل من أشهر هؤلاء الدبلوماسي الألماني”ويلفريد هوفمان”الحاصل على الماجستير في القانون من “جامعة هارفارد”،والدكتوراه من “جامعة ميونخ” قبل أن يصبح سفيرا لبلاده في الجزائر والمغرب، ليعتنق الاسلام بعد الاطلاع عليه عن كثب في عام 1980،فغير اسمه الى مراد،ومن أشهر مؤلفاته (الإسلام كبديل) و(يوميات الماني مسلم)و(الاسلام في الالفية الثالثة )و(رحلة الى مكة) ومن مقولاته”لقد وجدت في الإسلام أصفى وأبسط تصور لله تعالى” .

ولم يختلف الأمر مع المفكر والصحفي اليهودي النمساوي ليوبولد فايس،الذي إعتنق الإسلام سنة 1926م وغير اسمه الى “محمد أسد”وأسهم بتأسيس دولة الباكستان،وترأس معهد الدراسات الإسلامية في لاهور ومن أهم مؤلفاته (الطريق الى مكة) و(الإسلام على مفترق طرق) و(ترجمة معاني القرآن ) الى الانكليزية، ومن مقولاته الرائعة( ليس المسلمون من جعلوا الإسلام عظيما،الإسلام هو الذي جعل المسلمين عظماء) و(لا يزال الإسلام وبالرغم من جميع العقبات أعظم قوة ناهضة بالهمم عرفها البشر) .

أما القس الامريكي جوزيف إدوارد إستس،الحاصل على الماجستير في الفنون والدكتوراه في علم اللاهوت فقد درس الهندوسية واليهودية والبوذية قبل اعتناقه الإسلام سنة 1991م ليغير اسمه الى “يوسف استس ” ويتتفرغ لتعلم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بين 1991 – 1998م،حتى أصبح داعية يحاضر في عشرات المراكز والمعاهد والجامعات حول العالم فأسلم على يديه المئات .

أما المستشرقة الايطالية لورا فيشيا فاغليري، وإن كانت لم تسلم إلا أنها تأثرت بالاسلام ودافعت عنه كثيرا بعد أن اطلعت عليه بعيدا عن الأجندة والبروباغندا الغربية المضللة وبعد أن درست اللغة العربية وآدابها، وعملت أستاذاً للغة العربية وتاريخ الحضارة الإسلامية في جامعة نابولي ،حتى عدت مؤلفاتها من أكثر الكتب الاستشراقية إنصافاً للإسلام،وأبرزها (محاسن الإسلام ) و( دفاع عن الإسلام) ،و(قواعد العربية) بجزأين ومن مقولاتها (كان محمد المتمسك دائماً بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة،وكان يعلم يقينا بأن الله لا بد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشري) .

كذلك الرسام والمستشرق الفرنسي ايتان دينيه،الذي أشهر إسلامه بعد الاطلاع على الاسلام في الجزائر وغير اسمه الى “ناصر الدين دينيه” ليؤلف كتبا عدة يتصدرها كتاب(ربيع القلوب)،و(الشرق كما يراه الغرب)، و(الحج إلى بيت الله الحرام) و(محمد رسول الله) بالاشتراك،فيما تفرغ للرد على المستشرقين المتحاملين على الاسلام،ومن مقولاته(لقد أكَّد الإسلام من الساعة الأولى لظهوره أنه دينٌ صالحٌ لكل زمان ومكان؛ فهو دين الفطرة،وهو صالح لكل درجة من درجة الحضارة) .

ولعل هذا هو ما يحدث اليوم حيث دولة جنوب افريقيا تقاضي الكيان الصهيوني في أروقة محكمة العدل الدولية، فيما تتابع تغريدات ، وتتعالى تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا، ضد الكيان وجرائمه النكراء، بالتزامن مع خروج مئات التظاهرات الحاشدة في اوربا والامريكيتين وآسيا وأفريقيا تأييدا للفلسطينيين، وشجبا للصهاينة الغاصبين،فيما تراجعت حظوط جو بايدن للفوز بولاية ثانية نتيجة خرفه ، وموقفه من غزة ، ليحتدم الجدال في بريطانيا ولاسيما بعد فوز السياسي البريطاني الشهير جورج غالاوي، في الانتخابات الفرعية للبرلمان وبفارق كبير عن أقرب منافسيه بفعل نصرته لقطاع غزة ،ليصرح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، بشأن فوز غالاوي، المؤيد لفلسطين عن مدينة روتشديل، قائلا “إنّ فوزه مثير للقلق” ولم يكن لذلك كله أن يحدث لولا الحجر الكبير الذي ألقاه الفلسطينيون في البركة الراكدة .

في هذه الحلقة من سلسلة (أباطيل وخرافات حاخامات صهيون) نواصل حوارنا مع الدكتور خالد العبيدي ، الذي أجاب على أسئلتنا مشكورا :

س1: هل غير طوفان الأقصى من الصورة النمطية التي حاول الاعلام الغربي و-الهول يهودي- ولا أقول – الهوليودي – تنميطها ضد العرب  والمسلمين وعلى مدار عقود طويلة لدى الأمم والشعوب عامة،ولدى الاوربيين والاميركان خاصة ؟

ج : لقد أدى  طوفان الأقصى لطوفان عالمي في تغيير الأفكار والمعتقدات والمسلمات لدى العالم عموماً والغربيين خصوصاً إذ تم تحويل بوصلتهم من السردية الإسرائيلية الكاذبة إلى رؤية الحقيقة الساطعة التي كانت أعينهم مغشاة باتجاهها، فتجد التظاهرات والنشاطات والمؤتمرات الداعمة لغزة وفلسطين وحق تقرير المصير وقد عمت العالم كله ولا يكاد يخلو أسبوع منذ بداية الأحداث ولغاية يوم الناس هذا إلا وتجد عديد النشاطات حتى وصلت الى حد مواجهة الحكومات الغربية ومعارضتها والوقوف أمام السفارات ومنازل  المتنفذين ورميهم بالقاذورات وعمل حواجز بشرية أمام المعسكرات والقواعد الجوية الغربية استنكاراً لمساهمتها في العدوان الغاشم ، هذا فضلاً عن المقاطعة للبضائع والسلع والأسواق والمطاعم والمنتجات الداعمة للكيان، وأصبحنا نسمع يومياً عن مناقشات حادة وجدال وصراع فكري بين الغربيين أنفسهم حول حقيقة الكيان ووجوب الوقوف أمام عنجهيته ووحشيته، وتجد نسبة غير قليلة من المشاهير حول العالم من الإعلاميين والفنانين والرياضيين وصانعي المحتوى والسياسيين والمفكرين والأدباء والمحللين والعلماء وغيرهم يساندون فلسطين وغزة ويناصرون قضيتها العادلة، بل وصل الحد بأحد الطيارين السابقين في الجيش الأمريكي الى أن يحرق نفسه أمام السفارة الصهيونية ليعلن الحرية لفلسطين ويبرئ ساحته من العار الذي لحق بأمريكا وجيشها جراء هذا الاصطفاف المخزي الذي يكلفها سمعتها واقتصادها وصناعتها ومكانتها.

الأهم من كل ذلك هو التحول العارم للغربيين نحو قراءة القرآن وتعلم الإسلام كي يعرفوا سر هذا الصبر والتحمل المذهل لأبناء غزة العزة مما يحصل لهم من إبادة وتقتيل وتهجير وتجويع حتى أصبحنا نسمع يومياً عن إسلام المئات من الشباب الغربي من الجنسين بل وحتى كبار السن كذلك، وكل هذا لم يكن ليحصل لولا فضل الله تعالى ورحمته ونصره ولولا صبر ومطاولة ومجاهدة الأبطال الغزيين وتضحياتهم المذهلة.

الكثير من الغربيين الذين خدعوا بالسردية الصهيونية الباطلة طيلة عقود بدأوا يفهمون ما يحصل وبدأوا يتساءلون عن الفوائد التي تجنيها دولهم من الدعم اللامحدود والأعمى لدولة عنصرية شوفينية ترتكب إبادة جماعية واضحة؟! ولماذا يحق لهم نقد حكومتهم ولا يحق لهم النطق ببنت شفة عن دولة الكيان وممارساتها الهمجية حتى يجدوا أنفسهم ملاحقين أو يفصلوا من وظائفهم ويحاربوا برزقهم ومستقبلهم بل وقد يجدوا أنفسهم في السجون والمصحات؟!

س2: برأيكم هل تأثر بعض الحاخامات ورجال الدين اليهود بما يجري كذلك ؟

ج : الكثير من الحاخامات والمفكرين اليهود بدأوا يرفعون أصواتهم بأن الحل لا يكمن في كذبة”حل الدولتين” بل يكمن في الحل التدريجي والسلمي لدولة الاحتلال وإعادة حقوق الشعب الفلسطيني لأهله مع بقاء اليهود يعيشون كيفما يختارون أما في فلسطين كما كانوا عبر التاريخ أو في الخارج في أية دولة يفضلونها وخصوصاً دول الشرق الإسلامي التي كانوا فيها عبر التاريخ معززين مكرمين يعيشون كأي فرد في مجتمعاتهم دون تمييز بل كانوا يتبوأوان مناصب مرموقة كما حصل  ماضيا في الدول الإسلامية،في الأندلس وأيام العثمانيين والعباسيين أو في الزمن الأحدث وتحديدا في الدول التي انفصلت بعد الحرب العالمية الأولى.

فهذا أدغار موران ،الفيلسوف الفرنسي اليهودي (102 عام) والمعروف عالمياً بأنه أحد أشهر مفكري القرن العشرين، انتقد بشدة إسرائيل وما تقترفه من مجازر مروعة مستغرباً بالقول كيف لشعب عانى خلال قرون من الظلم والتشريد أن يقوم بمثل هذه الفظائع التي تعدت مرحلة الاستعمار والتشريد إلى الإبادة والإلغاء والطرد والسحق الكامل بدون أي واعز من ضمير أو رادع من قانون. وقال في محاضرة خلال الدورة الثانية لمهرجان مراكش للكتاب الدولي بعيد أحداث أكتوبر 2023م أنه يشعر بالغضب والقرف والاشمئزاز مما يراه ويسمعه ويقرأه حول ما يحصل في غزة مستنكراً الصمت العالمي والدولي الشائن  لما يحصل لذلك الشعب الأعزل المظلوم وبالذات من العرب والأوربيين، موجهاً الاتهام المباشر للولايات المتحدة الحامية الرئيسة لعدوان ذلك الكيان وغطرسته وعنجهيته وتجاهله المستمر للقرارات والقوانين الدولية بل واستمرار استخدامها للفيتو ضد أي قرار يدين ذلك الكيان ويمنعه من استمرار جرائمه وهي التي تدعي أنها حامية لحقوق الإنسان في كل مكان والمدافعة عن حقوق التنوع الثقافي والعرقي والديني. وأردف قائلاً أننا نعيش في مأساة رهيبة ونشعر بالعجز عن عمل أي شيء تجاه هذه الأحداث المروعة فما يحصل هو وصمة عار حقيقي في تاريخ البشرية.ويعتبر هذا الرجل أحد كبار المناصرين للقضية الفلسطينية والداعين لنيل حقوق الشعب الفلسطيني، وله اسهامات عديدة ومؤلفات ومناقشات كثيرة حول هذا الموضوع منذ عقود، ومن ذلك ما كتبه في منشور بالاشتراك مع كل من سمير ناير ، و دانييل ساليناف ، في جريدة لوموند الفرنسية عام 2002م حول الغطرسة الإسرائيلية فاتهموا بمعاداة السامية منذ ذلك الحين، وكذلك مقاله حول الصراع  الفلسطيني – الإسرائيلي وحقوق الفلسطينيين في أرضهم بعنوان: (إسرائيل- فلسطين: الرؤية المزدوجة) في جريدة ليبيراسيون عام 1997م وغيرها.

وانوه الى أن “الحركة الصهيونية لا يمكن التفاهم معها ويجب هزيمتها والقضاء عليها”: وهذا ما صرح به الدكتور البريطاني ديفيد ميلر ، من جامعة فيستل البريطانية عام 2019م وتم على إثر ذلك فصله من عمله، ثم رفع قضية أمام محكمة العمل وحصل على حكم بالبراءة بأن فكر وفلسفة معاداة الصهيونية ليست جريمة وهي لا تستدعي الفصل والملاحقة القانونية وأن الفصل كان تعسفياً وفيه تمييز ضد أفكار وفلسفة شخصية ورأي مصان ومحمي بقانون المساوة. وبعد صدور الحكم صرح ميلر أن هذا الحكم سيساعد كثيراً كل الحركات الداعمة لفلسطين التي تواجه في بريطانيا عداء وتشهيرا بتهمة معاداة السامية (وهي في الحقيقة معاداة الصهيونية)،وذكر كذلك أن الحكم الصادر بحقه قد أثبت التمييز العنصري لأفكاره المعادية للصهيونية باعتبارها حركة مقيتة عنصرية دموية استعمارية احتلالية وهي أحد خمسة أعمدة التي شكلت الإسلامفوبيا في بلاده والعالم، وأن هذا الحكم يمكن أن يبنى عليه ويتم حمايته وتبنيه وتعزيزه حسب مقتضيات التشريع البريطاني المتعلق بقانون المساوة لعام 2010م بما يؤسس لفلسفة جديدة عامة للشعوب والمؤسسات تدعو لمناهضة الصهيونية العالمية وأفكارها وداعميها. والحقيقة أن صدور قرارات محكمة العمل تلك حول قضية الدكتور ميلر ،كان لها صدى واسعا في العالم على أنها مكسب ونصر كبير لحرية الرأي والمعتقد والتوجه حول العالم.

س3 : من خلال استقرائك للأحداث الجارية ، ومن خلال استشرافك للمستقبل، ترى ما هي أهم مؤشرات النصر ؟

 ج : هناك مؤشرات ومقدمات للنصر يمكننا أن نجمل بعضها فضلاً عما تقدم :

1-      هل تعلم أن أغلب سلاح المقاومة جاء لهم سوقاً ورزقاً من الله تعالى؟! فقد جاد لهم بحر غزة بحطام سفينتين بريطانيتين غارقتين قبالة سواحلهم من زمن الحرب العالمية الثانية تم اكتشاف ما فيهما من كنوز مليئة بالذخيرة والقنابل والمعدات الحربية اكتشفت منذ العام 2015م وقام أبطال الضفادع البشرية في المقاومة باستنقاذها جميعا رغم ثقل أحمالها واستمرت العملية أشهر عديدة ثم تم تحويلها للصيانة وإعادة التصنيع ليتم الاستفادة من البارود فيها وكذلك المعادن في تصنيع أغلب الأسلحة المقاومة التي استخدمت وتستخدم لغاية اليوم. هذا الأمر عرضته قناة الجزيرة في تقرير لها عام 2016م.. ثم ألا ترى كيف أن الكثير من القنابل الضخمة التي تلقى على غزة لم تنفجر ويستفيد منها المقاومون بإعادة توجيهها نحو قطعات العدو؟! فهل تتوقع من رزقهم هذا الرزق سوف يتخلى عنهم؟! بالتأكيد لا.

2-      ثمة صور وحوادث قد يجدها البعض تافهة لكنها في الحقيقة رسائل من الله تعالى لقرب زوال هذا الكيان المسخ، ومن ذلك ما شاهدناه من تمزيق لعلم الكيان من قبل مجموعة من الغربان وفي مناسابات عديدة ومناطق مختلفة، وكذلك الحال مع قطط وكلاب في الشوارع قامت بتمزيق العلم الصهيوني في أماكن مختلفة. تلك الإشارات رسائل ربانية أن أمرهم قد انتهى وليست المسألة إلا مسألة وقت فقط فقد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وجاء أمر الله فلا تستعجلوه.

3-      خلال عملية طوفان الأقصى فطس إثنان من كبار حيتان الصهيونية، وهما كل من: كبير منظري وداعمي الصهيونية الصهيوني الأمريكي والأب الروحي لإسرائيل هنري كيسنجر ، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وأحد رموز الصقور الصهيونية في الإدارات الأمريكية ومنظر سياستها في العالم، وكذلك الحال مع جاكوب روتشيلد ، الأب الروحي للصهيونية والسبب الرئيس والممول الأكبر لقيام الكيان الصهيوني عام 1948م. ولعل هذه كذلك إشارات ربانية على قرب نهايتهم.

4-      الفضيحة العالمية الكبرى للسردية الصهيونية وبيان كذبها وضعفها وتهافتها وفشل كل عمالقة الإعلام الغربي المنحاز بتمريرها والتسويق لتبنيها أمام الشعوب الغربية وبقية العالم رغم صرف المليارات على ذلك. بل الفضيحة امتدت لتشمل انعدام الثقة بتلك المنصات والمحطات الإعلامية الغربية التي تسوق للرواية الصهيونية وتحث على القتل والتدمير ثم تنقل خبر المجازر لتبين أنها على درجة من الشفافية والموضوعية، فقد اتضح للعالم كله كيف أنهم كذبة مشاركون في الجريمة وأنهم يقتلون القتيل ثم يمشون في جنازته تماماً كما فعلوا في البوسنة وأفغانسان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وغيرها، فهم كما قال الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش ذات مرة عنهم في محاضرة عن جرائم  تسعينيات القرن الماضي: (كان الغرب ينتظر إبادة البوسنة، وكان مستعدا لإقامة سرادق يكثر فيه من الندب والنواح بعد ذلك)! لكن المؤسف حقاً أن سياسة النوح والندب في سرادق العزاء بعد ذبح الميت وقتله من قبل الإعلام الغربي تلك كانت وما تزال تغري المغفلين السذج والجهلة والمنبطحين والعملاء والمنافقين الذين يعجبون بالغرب ويحسبونه محطّ قيم حضارية وحرية رأي، ويظنون أنه يحاسب نفسه ويراجع تاريخه ويصحح مساره وأنه يمتلك من الشفافية والموضوعية ما لا يمتلكه المسلمون.

5-      إن مثول الكيان لأول مرة في التاريخ أمام محكمة العدل الدولية بعد رفع جنوب أفريقيا قضية الإبادة الجماعية عليه كان بحق نقلة فعلية في التاريخ المعاصر حيث أدينت إسرائيل بممارسة الإبادة والتطهير العرقي وأصبحت أمام العالم مجرمة حرب حقيقية بما يعني أن كل من يساندها بالسلاح والمال من دول وشركات ومؤسسات وهيئات يعد مشاركاً في تلك الجريمة ويجب معاملته على أنه مجرم مثلها. هذه الخطورة عرّت جميع محاولات الكيان ومسانديه من أن يلتفوا ويخدعوا العالم بسرديتهم السقيمة قديمها وجديدها.

6-      إن حادثة حرق الطيار الأمريكي آرون بوشنيل (Aaron Bushnell) يوم 25 فبراير2023 نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأمريكية واشنطن احتجاجاً على ممارسات الكيان وتبرئة لنفسه من جرائم دولته الحليف الأقوى للكيان وأن يكون شريكاً في تلك الوحشية والجرائم البشعة قائلاً ومردداً ومكرراً (فلسطين حرة) أدى إلى حصول نقلة حاسمة في وعي الشعوب سواء في داخل أمريكا أو خارجها ممن كان ولا يزال معتقد بصواب السردية الصهيونية أو تلك الأمريكية الرسمية المساندة لها، فحصل أن توجه آلاف مؤلفة من الأمريكان إلى المتاجر لشراء الأعلام الفلسطينية والكوفية الفلسطينية تعبيراً عن تأييدهم لحقوق الفلسطينيين وكذلك تعاطفاً مع فعله هذا الرجل الشجاع، كما قام محاربون قدامى أمريكيون بحرق زيهم العسكري وميدالياتهم في وقفة احتجاجية أمام السفارة الإسرائيلية بمدينة بورتلاند الأمريكية لتكريم الطيار آرون بوشنل ،الذي أحرق نفسه تنديدا بـ “الإبادة الجماعية” في غزة. وقد رافق حادثة حرق الطيار بوشنيل تلك أن قام أحد حراس السفارة الإسرائيلية برفع مسدسه على الشخص وهو يحترق وداخل النيران المستعرة بدل أن يقوم بمحاولة إنقاذه وهو ما استشاط له الأمريكان غضباً وزاد من حنقهم على الكيان ومن يمثله، فلقد صرح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن (Lloyd Austin) عقب ذلك وخلال مؤتمر صحفي بقوله: (إن هؤلاء الأشخاص يوجهون أسلحتهم على الجميع حتى أمام الموتى بما يدل بوضوح على الكراهية لكل ما هو ليس في صالحهم، ولقد أحزنني هذا الفعل، ولقد نسيت إسرائيل أنها بفضل أمريكا تقف أمام المقاومة الفلسطينية)، وقال في مناسبة لاحقة أن إسرائيل قتلت أكثر من 25000 امرأة وطفل في غزة. ومن جانبه صرح الرئيس الأمريكي السابق ومرشح الرئاسة المقبلة  دونالد ترامب (Donald Trump) يوم 26 فبراير : (هذا الطيار هو أيقونة أمريكا الإنسانية والقيم وعندما أصبح رئيساً سأكون رئيساً للأمريكيين جميعهم وليس لأولئك الذين يدعون إلى الجرمية في العالم. من الواضح أن هذا الطيار قاد الشعب الأمريكي نحو الطريق الصحيح.الليلة أمريكا كلها في حداد وأنا حزين جداً). كل ذلك يعكس مدى الخسران العالمي الواسع الذي مني به هذا الكيان والفكر الصهيوني المساند له على جميع الأصعدة ولن تنفعهم ملياراتهم أو أسلحتهم أو إعلامهم بكل إمكاناته من أن يصلح ما آلت له الأمور لدى الرأي العام العالمي والشعبي والرسمي. أعتقد جازماً أن تلك الحادثة ستزيد الشرخ بين المجتمع الأمريكي بل حتى داخل الجيش الأمريكي نفسه.

7-      خلال المعارك رأينا كيف أن الفايروسات والميكروبات والبكتيريا تنهش في جنود العدو، وكيف أن الكلاب السائبة تهاجم قواتهم، وكيف أن الأسلحة البسيطة في ثمنها وتفاصيلها تخترق معداتهم المتطورة جداً التي يتفاخرون بها أمما الناس والعالم وقد صرف عليها مليارات الدولارات حتى غدو مجالاً للتندر والتهكم والسخرية بما أذهلهم وأذهل مناصريهم حتى أنهم لم يعودوا بقادرين على سحب دباباتهم ومعداتهم المحترقة والمدمرة من ساحة المعركة لكثرتها فيقومون بتدميرها من الجو حتى لو كان فيها من جنودهم من بقي حياً. فإننا قد لا نشاهد الملائكة تقاتل مع المقاومين أو تعين المشردين أو تنتصر للمظلومين لكن حقيقة نصر الله تعالى يتجلى بصور شتى نسمع قصصه ونتلمس نتائجه ونشعر بفيوضه ونتحسس تجلياته ونشم رائحته.

س4: هذا ما يحدث حول العالم ، فما هو تقييمك للسكوت غير المبرر وشبه المطبق لبعض الانظمة العربية والاسلامية إزاء ما يحدث على مدار شهور طويلة ؟

ج : للأسف؛ الموقف المخزي لبعض دولنا الإسلامية تجاه ما يعانيه أخوتنا الفلسطينيين عموماً والغزيين خصوصاً لهو فعلاً ما يدمي القلب أكثر من مشاهد الدمار والتجويع والتشريد التي نراها، والحقيقة لم نكن نتوقع أبداً أن الهوان والضعف وصل بنا كل تلك المواصيل حتى لا نستطيع أن نوصل لقمة أو شربة ماء لهم  ،وإنني لأعجب لمسلمين يتقصدون عدم مقاطعة وعدم المشاركة في احتجاج وعدم الممانعة من نصرة الظالمين في حين تجد غربيين غير مسلمين أكثر حماساً وعمل كل ما يستطيعون من أجل إيقاف نزيف الدم والظلم الكبير على شعب أعزل مظلوم، بل وصل الحال أنك ترى طوابير على محلات ماكدونالدز وكنتاكي وستاربكس من قبل أناس هيئتهم توحي بالالتزام والهدي الظاهر وكأن الأمر لا يخصهم، وطبعاً هذا ينسحب على مدن كثيرة وبلدان إسلامية عديدة ، فياللعجب ألهذا الحد وصلت بنا البلادة وعدم المسؤولية، وربما يجيب أحدهم بالقول نعم فلقد أطعمونا لحم الخنزير دون علمنا فأصبحنا جثثاً هامدة وعقولا متبلدة ومشاعر جامدة. وإني لأخشى ما أخشاه أن يصيبنا الله تعالى بعذاب وعقاب أدهى وأمر لم يخطر لنا ببال أو خيال بسبب تقاعسنا عن نصرة المظلوم والمنكوب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

س5 :ماهي مخططات الكيان المسخ المستقبلية وما الذي يروم فعله في قابل الأيام من وجهة نظركم ؟

ج : اليوم نجد طريقة خبيثة جديدة يستخدمها الصهاينة لنيل أحلامهم بتشريد أهل غزة وإفراغها من أهلها، فبعد أن يئسوا من كل محاولاتهم بالتهجير القسري والضغط على الناس بالقتل والتشريد والتجويع والحرمان والتعذيب والاعتقالات الخسيسة لجأوا لطريقة شيطانية وهي أنهم أوعزوا للمنافقين من بني جلدتنا من المقيمين والمتجنسين في دول الغرب بأن يقوموا بحملات تبرع “إنسانية رحيمة” تجمع من أموالهم واموال متبرعين آخرين عن طريق مواقع وإعلانات ودعايات بعنوان (عائلتي تستحق حياة أفضل – My family deserves a better life -) كي يقنعوا أهل غزة والعوائل المنكوبة بأن يغادروا أرضهم مقابل دفع مبلغ مالي ضخم يتراوح بين 50-100 ألف دولار وحسب عدد أفراد العائلة، تدفع للسلطات الصهيونية في المعابر كي يدعوا تلك الأسر يغادروا غزة متجهين إلى بلدان غربية وشرقية متواطئة مع الصهاينة، وبذلك يكونون قد ضربوا عدة عصافير بحجر واحد: أولها أن يخرجوا الناس من أرضهم وهو الهدف الأكبر للكيان الغاصب الذي فشل في تحقيقه رغم كل ذلك الدمار والقتل الهمجي والضغط العسكري، وثانيها أن لا يقال أن إسرائيل هي من دفعتهم أو أجبرتهم أو ضغطت عليهم أو أرهبتهم للخروج بل إنهم خرجوا بملء إرادتهم وبمساعدة الطيبين حول العالم، وثالثها أن مبالغ ضخمة ستدفع لصالح الكيان كبدائل عن خسائره الاقتصادية ومن مال المسلمين أنفسهم.وهكذا يتم تنفيذ مخطط التهجير والتشريد والنكبة الجديدة لأهلنا في فلسطين وإنهاء القضية برمتها كما وعد الوغد المجرم نتنياهو وحكومته الفاشية النازية المجرمة. لكن الله تعالى لهم بالمرصاد وسيفشل مسعاهم الخائب كما فضحهم وأهانهم وأذلهم وجعلهم أحاديث ومزقهم كل ممزق أمام العالم بأسره. وهنا لا بد أن ننبه ونحذر للانتباه لتلك كالمحاولات ووأدها في مهدها من قبل الدعاة والعلماء والوعاظ والمفتين والمشايخ والمفكرين والمحللين.

إن أقدار الله غالبة فلله الأمر من قبل ومن بعد وهو غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فمن يتأمل قصص القرآن ومعها أحداث التاريخ يجد أن أقدار الله تعالى وإن تأخرت فإنها ستكون وفق وعد الله الذي لا يخلف. فمن يرى الحال اليوم قد ينتابه بعض الإحباط واليأس جراء عظم التضحيات ولكن الحقيقة أن أمر الله يأخذ مداه وزمنه بما فيها من تضحيات وخسائر مادية وبشرية ثم يكون الأمر قد حان أوانه ليصبح فعلاً حاصلاً أمام الناظرين. فالتاريخ يحدثنا أن نجم الدين أيوب ،خرج من العراق مطرودا فخرج من صلبه صلاح الدين الأيوبي الذى استعاد القدس من الصليبيين. والتاريخ ينبؤنا بأن سيف الدين قطز ،خرج مطاردا من أراضى الدولة الخوارزمية وبيع كعبد في سوق النخاسة وعلى يديه تحطمت أسطورة جيش المغول الذى لا يقهر. وخرجت قبيلة القايي التركمانية من أراضى التركمان أواسط آسيا وعلى تخوم بحر قزوين هاربة من بطش المغول وتنقلت في بلدان شتى حتى استقرت في الأناضول وخرج منها عثمان بن أرطغرل ( عثمان الأول ) وكان مولده في نفس العام الذي سقطت فيه بغداد على يد المغول وهو عام أسود على الإسلام والمسلمين سنة 656 هـجرية/  الموافق 1258 ميلادية فكانت تلك الولادة نقطة ضوء وسط ذلك الظلام الحالك وتلك الحقبة السوداء فقام بعد صبر ونضال طويل بتأسيس الخلافة العثمانية التى حكمت العالم وأعزت المسلمين قرونا .

فمن يستطيع أن يغير هذا الكتاب :{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)} [المجادلة] ؟! ومن يستطيع أن ينتزع هذا الإرث :{ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا….} [ الأعراف: من الآية 137]؟! ومن يستطيع أن يؤخر ” وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ “؟! ، فحين نشعر أن المنافذ كلها مغلقة سيصل إلينا لطف الله من المنفذ المستحيل عقلاً، فإن الله تكفل بحفظ ونصرة هذا الدين وهذه الأمة، ولطالما جاء عز الإسلام والمسلمين بعد الابتلاء والضيق، ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

وهنا نستذكر حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام عن الطائفة (القليلة) الظاهرة القاهرة وهي على الحق سائرة لا يضرها خذلان الكثرة حتى ياتيها نصر الله وأمره وقدره الغالب. ففي مسند أحمد ط الرسالة (36/ 657): عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ “. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: ” بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ “.. وفي صحيح مسلم (3/ 1523 / الحديث رقم: 1920) عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».

لقد قالت فلسطين بطوفان الأقصى كلمتها وثبتتها في سجلات التاريخ على أنها مقدمة للنصر الكامل والتحرير الشامل والتمكين الهائل طال الزمن أم قصر ومهما غلت التضحيات وتعاظمت المسافات، ومهما تكالب الأعداء في مكرهم وكيدهم ومؤامراتهم وتحالفاتهم حتى مع المنافقين والمخذلين والمنبطحين من أبناء جلدتنا للأسف الشديد، فالله تعالى يقول في محكم التنزيل : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [ الأنفال: 36]، وهذا الوعد الإلهي العام شامل لكل زمان ومكان ولن يخلف مهما تعاقبت الدهور والشهور. يتبع 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى