أحوال عربيةأخبارأخبار العالمأمن وإستراتيجية

دلالات حصول إيران على طائرات “ياك 130” الروسية

الحائط العربي

أعلنت إيران، في 2 سبتمبر الجاري، تسلم طائرات “ياك 130” الروسية. وقد تباينت التقارير حول عدد الطائرات التي تسلمتها والتي تراوحت بين طائرتين ومجموعة من الطائرات. لكن ربما يمكن القول إن العدد هنا لا يحظى بأهمية كبيرة، باعتبار أن الغرض الأساسي من هذا التطور هو تدريب الطيارين الإيرانيين على استخدام المقاتلات الروسية من الجيل الرابع، وهي المهمة التي بدأت قبل ذلك عندما استضافت روسيا، حسب تقارير عديدة، مجموعة من الطيارين الإيرانيين للقيام بالمهمة نفسها.

وفي الواقع، فإن ذلك يُثير مزيداً من الجدل والتساؤلات، خاصةً من جانب الدول الغربية والعديد من دول المنطقة، حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه التعاون العسكري بين روسيا وإيران خلال المرحلة القادمة. هذا الجدل يعود في المقام الأول إلى تضارب الاتجاهات في هذا السياق. فرغم أن إيران أعلنت، في 11 مارس الماضي، أنها سوف تتسلم عدداً من مقاتلات “سوخوي 35” من روسيا، وكشفت قبل ذلك، وتحديداً في 7 فبراير الماضي، عن قاعدة عسكرية تم إنشاؤها تحت الأرض لاستقبال المقاتلات ومصممة لمقاومة هجمات قد تستخدم فيها قنابل خارقة للتحصينات، فإنها عادت، في 21 يوليو الماضي، وألمحت إلى أن الصفقة ربما تتعثر، بعد أن قال وزير الدفاع محمد رضا آشتياني: “أحياناً تتخذ قراراً بشراء شيء ما، ثم تتحسن قدراتك وتستطيع إنتاج ما كنت تريد شراءه، لكننا ما زلنا ندرس الأمر”.

دوافع عديدة

وكالة أنباء “فارس”: ياك 130 هي الطائرة الأكثر تطوراً في سلاح الجو الإيراني
أياً كان الأمر، فإن العدد المحدود لطائرة “ياك 130” الذي تسلمته إيران، سواء كان طائرتين أو عدة طائرات، يشير إلى أن المهمة الأساسية لهذه الطائرة هي التدريب وليس المشاركة في عمليات هجومية، رغم قدرتها على ذلك؛ حيث تشير تقارير عديدة إلى أن هذه الطائرة تستطيع القيام بعمليات هجومية خفيفة. ويطرح ذلك دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الإعداد لصفقة عسكرية كبيرة في قطاع القوات الجوية: ربما يُشير ذلك بوضوح إلى أن روسيا وإيران تحاولان تهيئة المجال أمام تنفيذ صفقة عسكرية كبيرة في قطاع القوات الجوية، وتحديداً ما يتعلق بشراء مقاتلات “سوخوي 35”. وهنا، فإن ذلك معناه أن طهران وموسكو تمضيان قدماً في تحدي الضغوط الدولية والإقليمية، والتي تصاعدت حدتها بعدما أعلنت إيران عن قرب تسلم هذه المقاتلات بالفعل. فقد مارست إسرائيل، على سبيل المثال، ضغوطاً على روسيا من أجل عدم تسليم إيران هذه المقاتلات، باعتبار أن ذلك سوف يمثل خللاً في توازنات القوى الاستراتيجية بين الطرفين، بل إنها هددت، على ما يبدو، بأن ذلك كفيل بدفعها إلى تقديم دعم عسكري نوعي إلى أوكرانيا، بعد أن كانت قد امتنعت عن ذلك طيلة الفترة الماضية تجنباً للتأثيرات السلبية التي يمكن أن يفرضها ذلك على التفاهمات مع روسيا في سوريا.

2- توسيع نطاق التعاون الدفاعي بين موسكو وطهران: ربما لا يقتصر التعاون العسكري بين روسيا وإيران على قطاع القوات الجوية، بل يمكن أن يشمل قطاعات أخرى تحتاج إلى تطوير في القوات المسلحة الإيرانية. وقد انعكس ذلك في الزيارة التي قام بها وفد عسكري إيراني رفيع المستوى برئاسة قائد القوات البرية العميد كيومرث حيدري، إلى موسكو، في 21 أغسطس الفائت. وقد أجرى الوفد محادثات مع وفد روسي برئاسة القائد العام للقوات البرية الروسية الجنرال أوليغ ساليوكوف، حول التعاون العسكري بهدف تحسين الجاهزية العسكرية للقوات المسلحة في البلدين. ويعني ذلك أن هناك اهتماماً من جانب إيران بعدم حصر التعاون العسكري مع روسيا في قطاع سلاح الجو، وإنما توسيع نطاق هذا التعاون ليشمل قطاعات أخرى في المرحلة القادمة.

3- استباق التفاهمات الإيرانية-الأوكرانية: ربما تحاول روسيا في المرحلة الحالية استباق التفاهمات التي يجري العمل عليها بين إيران وأوكرانيا. فقد عقدت جولات مباحثات بين وفدين عسكريين من البلدين في سلطنة عمان، وذلك بهدف التباحث حول الاتهامات التي وُجهت إلى إيران بتقديم دعم عسكري إلى روسيا ممثل في الطائرات من دون طيار التي تستخدمها الأخيرة في إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وتحديداً استهداف البنية التحتية الأوكرانية.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في 10 أغسطس الفائت: “عقدت قبل نحو سبعة أشهر محادثات عسكرية بين وفدين إيراني وأوكراني في سلطنة عُمان، دون أن يقدم الطرف الأوكراني أي وثيقة دامغة تثبت ادعاءاته بخصوص الدعم العسكري الإيراني لروسيا”.

هنا، فإنّ ما يمكن أن تخشى منه موسكو لا ينحصر في هذه التفاهمات الإيرانية-الأوكرانية، وإنما ما يمكن أن يتصل بها من تفاهمات إيرانية-أمريكية خاصة بالاتفاق النووي. إذ ترى روسيا أن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية بشكل عام، لن توافق على الوصول إلى اتفاق نووي جديد دون مناقشة اتجاهات الدعم العسكري الإيراني لروسيا. وقد كان لافتاً أن عبد اللهيان ربط بين الأمرين في حواره مع صحيفة “اطلاعات” في 3 سبتمبر الجاري، عندما أشار إلى وجود “وثيقة سبتمبر” الخاصة بالاتفاق النووي يمكن أن يتم البناء عليها للوصول إلى اتفاق جديد، بالتوازي مع تكرار نفي التدخل في الحرب الروسية-الأوكرانية لصالح موسكو.

4- احتواء الاستياء الإيراني في ملف الجزر الإماراتية: تصاعدت حدة التوتر بين روسيا وإيران في أعقاب البيان الذي صدر عن اجتماع وزراء خارجية روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في موسكو في 10 يوليو الماضي، والذي تضمن دعم موسكو للمقاربة الإماراتية في شأن الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران.

إذ لم ينحصر رد الفعل الإيراني في استدعاء السفير الروسي لإبلاغه احتجاج طهران على هذا البيان، بل صدرت ردود فعل إيرانية متشددة تجاه روسيا، وبدأت تتزايد التحذيرات من مغبة التعويل على روسيا في مواجهة الغرب، بالتوازي مع تصاعد الانتقادات ضد سياسة “التوجه شرقاً” التي تتبناها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي.

ومن هنا، اتخذت روسيا خطوات إيجابية عديدة تجاه إيران، منها استضافة الوفد العسكري الإيراني في موسكو في 21 أغسطس الماضي، ودعم عضوية إيران في مجموعة “بريكس” في 24 من الشهر نفسه، وأخيراً تسليم إيران طائرات “ياك 130”.

5- موازنة صفقة تبادل السجناء: ربما حاولت روسيا عبر هذه الخطوة موازنة الصفقة التي أعلنت عنها إيران والولايات المتحدة الأمريكية، في 10 أغسطس الفائت، والتي تقضي بإفراج إيران عن خمسة سجناء أمريكيين مقابل حصولها على 6 مليارات دولار من أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية، وإطلاق سراح سجناء إيرانيين في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعني ذلك أن روسيا تحاول أن تضبط حدود التفاهمات الإيرانية-الأمريكية التي يمكن أن تتطور في مرحلة ما بعد تنفيذ هذه الصفقة خلال الفترة القادمة.

استحقاق مرحلي

رغم أن تسليم إيران طائرات “ياك 130” يؤشر إلى أن الدولتين تستعدان للصفقة الأكبر والتي أثارت قلق الغرب وإسرائيل، والخاصة بمقاتلات “سوخوي 35″؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة متغيرات عديدة يمكن أن تتحكم في ضبط اتجاهات هذا المسار. وهنا، يمكن القول إن إيران وروسيا ربما تحاولان عبر هذه الخطوة الأخيرة تقييم ردود فعل الدول الغربية وإسرائيل وربما العديد من الدول العربية ولا سيما في منطقة الخليج العربي.

فروسيا من جانبها، يمكن أن تستغل هذا الملف في تعزيز موقعها في مواجهة الدول الغربية تحديداً التي تمارس ضغوطاً وتفرض عقوبات عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.

وإيران من جانبها تحاول أيضاً عبر هذا الملف الحصول على مزيد من أوراق الضغط التي يمكن أن تستخدمها في إطار مفاوضاتها مع الدول الغربية بشكل عام، والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل الخصوص، حول الاتفاق النووي. إذ لا يمكن تجاهل أن التعاون العسكري الروسي-الإيراني سوف يكون حاضراً بقوة في الاتصالات والمفاوضات التي تجري بين طهران وواشنطن، على الأقل للوصول إلى تهدئة على المستويين النووي والإقليمي تقضي، حسب ما تشير له بعض التقارير، بوقف زيادة كمية اليورانيوم المخصب بنسبة مختلفة، لا سيما نسبة الـ60%، مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وخاصة في مجال تصدير النفط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى