كلمات مدوية ومؤثرة، تلك هي التي ميزت حفل إفطار المواطنة بعبارة جياشة لجل المتدخلين الأخوة والتضامن والمحبة والمشاركة المواطانتية, الكلمات الرئيسية في هذا اليوم البهيج التاريخي الذي لا يمكن وصفه من زاوية واحدة.
تقديم :
من أهم ما ميز شهر رمضان المعظم هذه السنة 1444/2023 في ستراسبورغ بفرنسا, هو توافد أعدادا كبيرة من الجالية الإسلامية المقيمة في مدينة ستراسبورغ والمناطق المجاورة لها, لاسما المتواجدة على حدود ألمانيا مثل كال, وذلك لحضور الندوات العلمية والسلسلة الدروس الرمضانية والجلسات المبرمجة, ولأداء صلاة المغرب والتراويح والإستمتاع بالأصوات الشجية للقراءات العشرة لكوكبة المقرئين الوافدين من مختلف الدول لإمامة المصلين في مسجدها الكبير, الذي بات أسطورة التاريخ الإسلامي الثقافي الحضاري العمراني والمعماري لما يملكه من خصوصيات مميزة وبصمات منقوشة, المسجد الذي أفتتح أبواب في يوم الأثنين المبارك, لعامة المصلين لكل جنسيات الجالية الإسلامية المقيمة بستراسبورغ وضواحيها في غرة شهر رمضان الفضيل سنة 2012.
ذكريات لا تنسى .
مازال كبار الناس قدماء الجالية الإسلامية لاسيما المغاربية من ساكنة مدينة ستراسبورغ والمناطق المجاورة لها, يتذكرون الأيام الخوالي التي كانوا يجدون فيها صعوبة على إيجاد مكان لأداء الصلاة فيه جماعيا بكل أريحية خاصة في رمضان للتراويح والعيدين, مازلوا يذكرون السنوات التي كانوا يؤدون فيها الصلوات بالبيوت والدهاليز والمآرب وغيرهم و بالكنيسة البروتستانتية التي سخرت لهم بعض دهاليزها في بدايات سبعينيات القرن الماضي لإداء الصلاة فيها بشكل جماعي لاسيما في المناسبات الدينية الكبرى كما سلف.
المسجد الكبير بستراسبورغ, أصبح مفخرة وجزء من تراث المدينة المعماري, الأًثري والإجتماعي والسياحي ومعلم من المعالم الدينية كباقي الديانات المتواجدة بستراسبورغ. كما يعد اليوم مركز جد هام ووسيلة تربوية تعليمية إجتماعية لجميع أطياف المجتمع وأصبح يساعد غير المسلمين على التعرف على الديانة والحضارة الإسلاميتين.
الإفطار الجماعي في الإسلام :
الحمد لله عل نعمة الإسلام الذي أعزنا الله وأكرمنا به. الإسلام الذي يدعو إلى الألفة والمحبة والتعايش السلمي والتساكن في أمن وأمان، والحث على توثيق الصلات الوطيدة بين المسلمين وجيرانهم والعمل على حسن الجوار.
حيث وعملا بحديث المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه القائل أفشوا السلام و أطعموا الطعام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلون الجنة بسلام. ومن بين هاته المبادرات الخيرية الإنسانية الاجتماعية هو موائد الإفطار الجماعي التي أصبحت تعرف إنشار كبير وواسع عبر العالم سواء للدول الإسلامية العربية وحتى الغربية التي تقيم بها الجاليات الإسلامية.
الإفطار الجماعي بمسجد ستراسبورغ الكبير تاريخ ومسار حافل.
بات الإفطار الجماعي بمسجد ستراسبورغ الكبير, حدث سنوي لا يستغنى عنه ولا يفرط فيه ولا يمكن تركه بأي حال من الأحوال, بل أصبح عرس ديني ثقافي إنساني إجتماعي وتاريخ يحتقل ويحتفى في كل سنة من شهر رمضان والذي كان في بداية تاريخ المسجد سنة 1977 من طرف الطلبة يومها والذي تحول إلى إفطار جماعي رسمي لشهر رمضان بعد إنشاء المسجد وفتحه كما أخبرنا العم الحاج محمد حسيبوت أحد الركائز الداعمة للمسجد وأحد نواته الرئيسية من مؤسسي المسجد.
حدث إطار المواطنة لرمضان 1444/2023.
إفطار تضامن وتكافل إجتماعي، دعم ومساندة إنسانية، مرافقة وترويح نفسي.
نطرا لأهمية الحدث ومصداقية منظميه ومؤطيره لم يعود الإفطار الجماعي حكرا على المسلمين فيما بينهم فقط, بل أصبح موسع ويحمل إفطار المواطنة بدل إفطار الصايم فقط, ويدعوا جميع المواطنين للمشاركة في إقتسام وجبة الإفطار مع الصائمين المسلمين, وشيئا فشيئا أصبح لإفطار المواطنة حدث سنوي بطقوسه الخاصة ولا يقتصر فقط على المسلمين وضيوف المدعوين بل أصبح عرس تحضره السلطات المحلية والجهوية بمختلف رتبها ومكانتها ومناصبها رفقة فعاليات المجتمع المدني من جمعيات ومؤسسات ومراكز ناهيك عن باقي الإطارات الدينية من مشايخ وأئمة ومعلمين لباقي مساجد ستراسبورغ
وككل سنة من السنوات الأخير سطرا لإفطار المواطنة لهاته السنة 1444/2023 برنامج خاص ثري وغني من حيث فقراته.
بحيث أستهل بداية من الساعة العصر بإستقبال الجميع. إستهل بتلاوة عطرة لفضيلة الأستاذ باطية من الجالية السورية المقيمة بألمانيا. ثم كلمة ترحيبية إفتتاحية عقبتها فقرات ترفيهية لإستماع للفن الصوفي بداية مع فرقة دتيب التركية بستراسبورغ في أجمل الموشحات وطبوع المقامات المعروفة والتي يطلبها كثير من محبي السماع الصوفي. وحلت بعدها فرقة مجموعة الذاكرين الوافدة من الرباط بقيادة الأستاذ التامي الحراق بحيث لقيت ترحيب حار و إستقبال كبير من طرف محبيهم ومعجبيهم, أدت أروع الوصلات الإنشادية لعديد الطبوع ومختلف المقامات وسلمها من حيث الداء الذي تفاعل الجمهور الذي لم تمنعه زخات المطر وصبر لها وتحملها. لكي يستمتع بهاه اللحظات التاريخية الشيقة وخاصة أنهم في جو أسري عائلي. الذي ألهبته الإيقاعات وألحان الحناجر الصدحة من ركح المنصة من فضاء الهواء الطلق.
وبختامها حلت فقرة المدخلات بحضور السلطات المحلية كل من السيدة رئيسة البلدية والمقاطعة والمستشارة الجهوية وباقي الهيئات، بداية كانت الأستاذ سعيد علا رئيس لجنة المسجد مرحبا بالجميع وشاكرا إياهم على تلبية الدعوة وإقتسام فرحة هاته اللحظات الأخوية ومشاركة الجميع في هذا الحدث السنوي الذي أصبح مفخرة للجميع. وحلت بعد السيدة رئيسة البلدية التي أبدت إعجابها بالمبادرة شاكرة القائمين عليها مقدرة لجهودهم المبذولة في المجال وكلمة نائب رئيس المجموعة المحلية للأزاس, والسيدة المستشارة الجهوية, وختماها مع السيدة المحافظة. والذين أشادوا جميعا بأهمية الحدث التاريخي الديني الثقافي الذي يوحد المواطنين جميعا مسلمين وغير مسلمين, بحيث أن ستراسبورغ هي أرض المحبة والمودة والأخوة ولنكون كلنها سعداء فخورين بهاته المبادرات التي من شأنها لم الشمل والعسي إلى توحيد الصف بين المواطنين جميعا دون تفرقة ولا تميز, بحيث لنا مشاريع مشتركة إنسانية إجتماعية تاريخية وغيرها. أختتمت فقرة المداخلات بالصور التذكارية الملتقطة من منصة الحفل.
وبإقتراب مواعد الإفطار تفضل الأستاذ باطية بقراءة ما تيسر بتلاوة عطرة من حنجرته الذهبية الصادحة التي رددت الأشجار والأنهار المحيطة بالمسجد صداها, تلاوة شنفت مسامع الحاضرين وأثلجت صدورهم.
بعد صلاة المغرب ألتف الجميع على موائد الإفطار مختارين بين الخيم والفضاء الطلق كل ورغبته وذوقه فلا شيء منعه من التمتع والإستمتاع بهاته اللحظات التاريخية التي ستبقى بلا شك منقوشة في الآذهان.
بعد الإفطار وختامه بكؤوس الشاي وفناجين القهوة كل وذوقه تفرق الجميع على أمل العودة مستقبلا لحدث أخر, منهم من ألتحق بالمجسد لأداء الصلاة العشاء و روائع التراويح ومنهم من إلتحق بالمقهى الرمضاني المنشط من الثاني المرح كل من السادة سمير حاري و طاهري جمال لقضاء أوقات من الزمن الجميع من عادات وتقاليد رمضان المبارك بشوق وحنين لماضي رمضان بالبلاد.
بعد أداء صلتي العشاء والتراويح, أستأنف النشاط لفرقة مجموعة الذاكرين لتقديم أروع الطبوع والألحان والمقامات من روائع السماع الصوفي في التصلية والتسليم على الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه.
حضور مميز وبعدد فاق الألف:
بتغطيتنا للإفطار المواطنة وتحولنا بين الخيم وفضاء المسجد صعب علينا إحصاء الحضور. فكان لزواما الإتصال بالمسؤولين وشاءات الصدف أن نجد في طريقنا سيدة خلية النحل المشرفة على السهر شخصيا على السير الحسن وتوزيع كل شيء بحضورها وبيدها شخصيا إنها الطالبة السيدة شيماء شاكي أحدي كوادر المستقبل وإطارته فأخبرتنا بأن العدد الإجمالي للحضور هو ألف ومائتين 1.200 شخص.
التنظيم, التسيير, الإشراف إفطار المواطنة.
تنظيم جد محكم من فريق عمل شباني يافع في مقتبل العمر جلهم لا تتجاوز أعمارهم العشرون سنة فتيات وفتيان, شباب فخور بمسجد مدينته و زخمه التاريخي, تسير راشد وإشراف قل من تراه في مثل هاته المناسبات و التظاهرات الكبيرة التي يصعب التحكم فيها في وقت وجيز. كوكبة فتية في شكل أسراب نحل تعجها الساحة متنقلين هنا وهناك وكلهم حيوية ونشاط دؤوب مستقبلين الجميع بترحيب حار بابتسامة عريضة على تخلوا شفاههم حفظهم الله روعاهم الرحمن.
تمويل الإفطار:
وشد إنتباهنا عدد الحضور والسؤال الذي تبادر للأذهان عن تحمل مصاريف هدا الإفطار ونفقات تمويله فقربنا من راعي الخيمة الرمضانية منذ بداية الشهيد الأستاذ العم حسيبوت الحاج محمد رفقة الأستاذ ولقاضي مصطفى أحد كوكبة إطارات المسجد الكبير ومسير ونواته الأولى التأسيسية يومها بعد صلاة الفجر فأخبرونا بأن التمويل ومصاريف الإفطار كلها من المسجد برمتها جزاهم الله خير.
كما نظم صبر للأراء على هامش الإفطار وزعت إستمارات مطوياته على الحضور ولملئها والرد على الأسئلة بتقديم ملاحظاتهم واقتراحات ورأيهم بكل صراحة على تنظم الحفل، صبر أراء لقي إستحسان الجميع أين أشادوا بحسن الإستقبال بالتنظيم المحكم والسير والحسن والعيش هاته اللحظات السعيدة.
من يشكر الناس لا يشكر الله :
الشكر كل الشكر لكل القائمين على نجاح هذا الإفطار الجماعي للمواطنة التاريخي من تنظيم وخاصة لحراس الأمن والحراسة وعلى رأسهم الأخوة عمار و جمال الوردي وغيرهم ولكافة الإطعام محمد تونس, نبيل المغرب. علي الجزائر, ياسر سوريا وغيرهم حفظهم الرحمن وكل الشكر للأستاذ درويش حميد الخبير الإعلامي المرافق الناصح المرشد في تغطية هذ الحدث الكبير وتوثيقه تاريخا للأجيال القادمة مستقبلا.
الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ
