رأي

“أمنيستي”.. أيُّ لعب تلعبونه في الجزائر؟!

زكرياء حبيبي

مثل مراسلون بلا حدود وغيرها من المنظمات غير الحكومية، منظمة العفو الدولية “أمنيستي”، هي أداة “حقوق الإنسان” للدعاية والتخريب، لتبرير أي حملة عدائية ضد أي بلد لا يرضخ لإملاءات وفتاوى القوى الاستعمارية.

محاولات ما يسمى بالدول ذات السيادة، التي تجعل استقلال قراراتها السياسية والاقتصادية عنوان معركتها الرئيسية والأساسية، غالبا ما يتم مهاجمتها وتشويه سمعتها على الفور من خلال بعض التقارير الخاطئة عن حقوق الإنسان، والتي يتم رسمها وإعدادها في مختبرات ذات أهداف معروفة مسبقا، خدمة لأجندات قوى الاستعمار الجديد، الإمبريالي والصهيوني.

لقد نشرت منظمة العفو الدولية بالفعل في عام 1990 ما يسمى بـ “كذبة الحضانات”، والتي أضفت الشرعية على حرب العراق الأولى.

في هذا السياق، من الضروري التأكيد على أن بلدنا لم يفلت من التقارير الكاذبة لمنظمة العفو الدولية منذ عقود من الزمن، هذه التقارير الكاذبة، التي أيّدت الإبادة الجماعية للشعب الجزائري، بواسطة “السديم” الإرهابي، ودعمتها منظمة العفو الدولية نفسها، عبر ما عُرف في التسعينيات من القرن الماضي ب”من يقتل من”.

واليوم، فإن الإجراءات التي دعت وتدعو إليها السلطات العليا في البلاد، لتعزيز اللحمة الاجتماعية من خلال تنفيذ قانون لتعزيز السلم الاجتماعي وتقوية الصلات بين أبناء البلد الواحد، باتت تُزعج مخابر “الفوضى الخلاقة” وقوى الشر، على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط ​، ولهذا السبب تخوض منظمة العفو الدولية معركة جديدة لتشويه سمعة الجزائر ومؤسساتها السيادية الشريفة.

المشاريع العملاقة التي أطلقتها الجزائر، للتكامل الإقليمي، مثل الطريق العابر للصحراء، وخط أنابيب الغاز TSGP، تهدف إلى استقرار شعوب بعض البلدان الشقيقة، المجاورة مثل مالي والنيجر وموريتانيا، وغيرها، مثل نيجيريا وتشاد، مصحوبة بمساعي حميدة لإحلال السلام في منطقة الساحل، من خلال تعزيز الحوار بين الماليين أنفسهم والليبيين كذلك، لإحباط المخططات الإرهابية والاستعمارية الجديدة، وهي الخطوات التي باتت تعكر مزاج منظمة العفو الدولية، التي تتغذى على مآسي ومصائب الشعوب المعرضة للإرهاب الدولي.

المقاربة الجزائرية تُدحّض مزاعم “أمنيستي”

إن المقاربة الجزائرية واضحة كل الوضوح، لمحاربة الإرهاب، ومحاربة التخلف في منابع الفقر والمرض والهجرة غير الشرعية.

فإن تنفيذ برامج التعليم والرعاية وخلق فرص العمل والظروف المعيشية اللائقة، الهادفة إلى استقرار الشعوب، في إطار خطة التكامل الإقليمي، يقطع الطريق أمام شبكات الاتجار بالبشر، والهجرة غير الشرعية، والاتجار بالمخدرات والإرهاب، مما يقلل من تأثير نفوذ منظمة العفو الدولية والتي تستفيد من مبالغ كبيرة من المال عبر هذه الملفات التي تجعل منه سجل تجاري كغيرها من المنظمات التي تتحكم فيها بعض مخابرات الدول التي تتربص بنا، ب”الريموت كنترول”.

منظمة العفو الدولية ومجزرة المهاجرين الأفارقة في مليلية

الصور ومقاطع الفيديو التي تم بثها على شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية حول العالم في يونيو الماضي حول مذبحة المهاجرين الأفارقة، الذين كانوا يستعدون للوصول إلى إسبانيا عبر جيب مليلية، لم تُحرك “ضمير” منظمة العفو الدولية، إن كان لها ضمير، من أجل الحفاظ على الأرواح البشرية من أيدي المجرمين والجلادين في نظام المخزن.

اكتفت منظمة العفو الدولية عن بيانها الصحفي غير المهم، بتاريخ 28 يونيو / حزيران 2022 ؛ أي بعد أربعة أيام من يوم الجمعة الدامي الذي راح ضحيته 37 شخصا.

البيان ما هو إلا ذر الرماد في العيون، في مواجهة السخط الكبير الذي أعرب عنه المجتمع الدولي، الذي صُدم بصور ومقاطع الفيديو، التي تُظهر القمع والمعاملة غير البشرية، التي يمارسها الجهاز القمعي للمخزن على المهاجرين الأفارقة، كما أشارت إدانات رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد أو كبار المسؤولين في الأمم المتحدة.

” “إنني أشعر بصدمة شديدة وقلق عميق إزاء المعاملة العنيفة والمهينة للمهاجرين الأفارقة الذين يحاولون عبور الحدود الدولية من المغرب إلى إسبانيا، مع ما أعقب ذلك من أعمال عنف أدت إلى مقتل 23 شخصًا على الأقل والعديد من الإصابات.” بيان صحفي منشور على موقع الاتحاد الأفريقي.

وأضاف: “أدعو إلى إجراء تحقيق فوري في الأمر، وأذكر جميع الدول بالتزاماتها بموجب القانون الدولي بمعاملة جميع المهاجرين بكرامة وإعطاء الأولوية لسلامتهم وحقوقهم الإنسانية، مع الامتناع عن استخدام القوة المفرطة”.

إعادة سيناريو اللاجئين السوريين

لم تعد “مجاملة” منظمة العفو الدولية مع نظام المخزن موضع شك، فعدم قدرتها على إدانة الرباط بخصوص مجزرة المهاجرين الأفارقة في مليلية، والمحاكاة الساخرة القانونية التي تستهدف المهاجرين الأفارقة، الذين فرّوا من الإعدام خارج نطاق القضاء، يوم الجمعة الأسود في 24 يونيو 2022، في أعقاب الاعتقالات القاسية التي نفذتها الآلة القمعية للمخزن، كلها تُسقط القناع عن الوجه القبيح ل”أمنيستي”.

قضت العدالة المغربية الشهر الماضي بسجن 33 مهاجرا إفريقيا، 11 شهرا لكل منهم بتهمة “الدخول غير الشرعي” إلى المغرب، بعد محاولة مُميتة لدخول جيب مليلية الإسباني نهاية يونيو، حسبما أشارت مجموعة الدفاع عن المهاجرين.

وصرح محاميهم خالد عميزة لوكالة فرانس برس، قائلا: “إن محكمة الناظور الابتدائية حكمت اليوم على جميع المهاجرين (33) بالسجن 11 شهرا لكل منهم”. وشدد المحامي على أنه “حكم شديد للغاية فيما يتعلق بعناصر الملف وملابسات الوقائع”، معربا عن نيته في الاستئناف. فأين اختفت منظمة العفو الدولية؟

وفي السياق ذاته، من الضروري أن نتذكر 41 لاجئًا سوريًا، بينهم أطفال ونساء حوامل، ألقاهم جيش الملك المغربي، في صحراء فجيج. مأساة كانت السلطات المغربية تعتزم تحميل مسؤوليتها تجاه الجزائر، عبر ترسانتها الإعلامية الدعائية، مستفيدة من “عدم كفاءة” منظمة العفو الدولية في هذا الملف!.

وكالعادة، ووفاء لمبادئ نوفمبر 1954 والقيم الراسخة لحضارتها الألفية، وافقت الجزائر على إعادة 41 لاجئًا سوريًا “على أساس إنساني” في 2 يونيو 2017. لفتة أشاد بها المجتمع الدولي، جعلت من الممكن فضح المناورات الخبيثة لنظام ضليع تمامًا في سوء الإدارة والأكاذيب والاندفاع وإنكار الحقوق.

قمة مراكش العالمية حول الهجرة

من الواضح أن مقاربة إنشاء مراكز احتجاز في المغرب العربي، لاستقبال المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، يناسب المنظمات غير الحكومية بما في ذلك منظمة العفو الدولية، وكذلك المغرب، الذي استخدم بطاقة المهاجرين كبطاقة ضغط ومزايدة فيما تجاه إسبانيا والاتحاد الأوروبي، لتبرير احتلاله لأراضي الصحراء الغربية ونهب الثروات الطبيعية للشعب الصحراوي.

إن إرسال 8000 مهاجر، بينهم أطفال، لمهاجمة شبه الجزيرة الأيبيرية، قد تغلب على مدريد وحكومتها الاشتراكية، التي أذعنت لإملاءات شبه الملك محمد السادس، لدعم خطتها للحكم الذاتي للأراضي الصحراوية المحتلة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة.

في المقابل، تفضل الجزائر خطة إنمائية لبلدان جنوب الصحراء الكبرى تسمح للأفارقة بالاستفادة من البنى التحتية وظروف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق الاستقرار للشعوب، وبالتالي تجنب الموت في عرض البحر الأبيض المتوسط.

خلال استضافة القمة العالمية للهجرة في مراكش، في ديسمبر 2018 ، قدم الملك البيدق، خدماته للمستوطنين الغربيين السابقين، لإنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين من جنوب الصحراء.

لم يتردد الملك المغربي، للحظة في القفز على فرصة المساومة على ظهر الأفارقة، الباحثين عن حياة كريمة، والذين ليسوا سوى ضحايا الاستعمار الذي فرضه رُعاة قمة مراكش هذه.

من الواضح أن الجزائر الوفية لمواقفها الراسخة ومبادئها الثابتة، عارضت بشدة اقتراح المستعمرين السابقين، مفضلة تطبيق مقاربة شاملة، قائمة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمناطق جنوب الصحراء، المتضررة من الجفاف والمجاعة والأمراض.، من أجل توفير ظروف معيشية مناسبة، والسماح للسكان بالبقاء في مناطقهم وبيئتهم.

ومن المفارقات أن المغرب، الذي استضاف قمة الهجرة في 2018، والتي أقرت الأمم المتحدة قراراتها في وقت لاحق، ينتهك الآن ما يسمى بميثاق مراكش. أين الكرة الآن في ملعب منظمة العفو الدولية، والحديث قياس.

“أمنيستي”.. أيُّ لعب تلعبونه في الجزائر؟!

لجوء المنظمات الدولية الحقوقية إلى تغيير أولوياتها، لا يمكن فهمه إلا في حال تفكيك إستراتيجية الصهاينة وحلفاؤهم، الهادفة إلى تدمير الدول الرافضة للخضوع إلى هيمنتهما، والتدقيق في كل جزئياتها، فمؤامرة الربيع العربي، ما كان لها أن تنجح في بعض البلدان، لولا الاختراقات التي لحقت بها، وأكبر دليل على ذلك ما وقع في مصر، وكشفته الصحافة المحلية والدولية، فالغرب وعلى رأسه أمريكا، قام بتدريب صحفيين وجمعيات مدنية، بهدف تحضيرهم لقلب الأوضاع في مصر، وهو ما تفطنت له السلطات المصرية، وقامت باعتقال العديد من المصريين وحتى الأمريكيين المنخرطين في الإستراتيجية الأمريكية لزرع “الفوضى الخلاقة” في مصر، ولا مجال للتفصيل في هذه القضية، لأن ما يهمنا في هذه الزاوية التحليلية، هو ربط تحامل “أمنيستي” على الجزائر، فالكل يعلم أن “أمنيستي” التي قادت حملة “من يقتل من في الجزائر”، لم تنجح هي وأخواتها في وقف مسار المصالحة الوطنية في الجزائر، وبالتالي فلعبها مجدّدا في الجزائر، لن يجديها نفعا، لأنّ الشعب الجزائري اقتنع اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأنّ ضريبة الدّم التي دفعها خلال العشرية الدموية، وصلت إلى حدّها الأقصى، وأنه لا مجال اليوم للنبش في مأساتنا الوطنية، لأنّ الشعب الجزائري بأسره دفع ثمنها غاليا، وبذلك فإن هذه المنظمات وعلى رأسها “أمنيستي” التي تسيّرها أجهزة الاستخبارات الفرنسية، شأنها شأن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وباقي المنظمات الدولية الأخرى، التي تسير هي الأخرى في فلك أجهزة المخابرات الصهيونية، لا يمكنها أن تُدافع عن حقوق الإنسان كيفما شاءت وأينما شاءت، إلا بإرادة مُشغليها، ولنا في الحالة الفلسطينية خير نموذج عن ذلك، فحتى رئيس اللجنة الأممية المُكلفة بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة، أرغمته الضغوط الصهيونية على تقديم استقالته في وقت مضى، لتعطيل عمل هذه اللجنة، وبالتالي تلميع الوجه الدموي للصهاينة، وهنا لم نرَ أي تحرّك لهذه المنظمات، للدفاع عن حق الفلسطينيين في الحياة لا غير، أمّا وأنها تلهث اليوم لإلحاق الضرر بالجزائر، فمن حقّنا أن نتساءل كجزائريين، عن سرّ كل هذا الاهتمام؟، والجواب برأينا هو أن التحامل هدفه تحقيق اختراقات عديدة عجزت مخابرات الدول المهندسة لمؤامرة الربيع العربي عن تحقيقها، بالوسائل الخارجية، في الجزائر، وهي بذلك تُوكل “أمنيستي” وأخواتها للقيام بما عجزت هي عن تحقيقه، وهنا أُشير إلى أنّ المجتمع الجزائري، برهن غير ما مرّة أنه قادر على إعلاء صوته والدفاع عن حقوقه دونما حاجة لجمعيات حقوقية، تركب مطالبه وتتاجر بها في بوصلة التآمر، فالعارفون بخبايا الصراع الذي حصل داخل إحدى الجمعيات الحقوقية الجزائرية التي انقسمت إلى شطرين منذ سنوات قليلة، يؤكدون أن الحساب المالي بالعملة الصعبة في الخارج، هو الذي أشعل فتيل الصراع بين مناضليها، ومن ثمة، وما دام المستور قد انكشف، يحق لنا أن نسأل المُبوّقين “لأمنيستي” وأخواتها، عن المبلغ الحقيقي الذي يتقاضوه مُقابل التّزمير لتقريرات “أمنيستي”، كما أسأل هؤلاء وأولئك، أليس بمقدور الجزائريين لوحدهم أن يُدافعوا عن حقوقهم، أو أنهم عديمو الإرادة، وهم بالتالي بحاجة إلى وصيّ للدفاع عنهم، وصيّ بحجم أمنيستي التي نشرت ديموقراطية القتل والإبادة في ليبيا الشقيقة، أمنيستي التي لم تكن ترى من ضحايا مدنيين في سوريا، إلا “ضحايا نظام الأسد”، ولا ترى من دماء تنزف إلا دماء المستوطنين الذين جُرحوا بشظايا صواريخ المقاومة الفلسطينية، أمّا أشلاء الفلسطينيين في غزّة فلا محلّ لها من الإعراب في قاموس أمنيستي وأخواتها، دونما الحديث عن آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين في كل من ليبيا وسورية وقبلهما العراق…، والفاهم يفهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى