تغيير نمط التفكير والصور العقلية
معاذ الروبي
يمكن معايشة الأفكار والتعامل معها على أنها خيالات وصور عقلية والتي بدورها تتضمن صور داخلية وأصوات وكلمات. من خلال استكشافك لهذه الصور العقلية وتعديلها وتطويرها، يمكنك التأثير على طريقة تفكيرك وشعورك تجاه نفسك وحياتك. كي تشعر بمزيد من الإيجابية على المدى القصير، حاول تغيير محتوى صورك الذهنية وصنع صور إيجابية. مثلا إذا كنت تعمل في مكتب مرهق ومليء بالضغوط، تخيل مكتبك على شاطئ مشمس مهجور، كذلك حاول أن تصنع حاجزا يحميك من المشاكل المحيطة من خلال مثلاً أن تفكر في نفسك وكأنك محاطاً بفقاعة تحميك من هذه المشاكل. لن تحدث الأشياء التي تتخيلها في داخل عقلك تلقائيًا، ولكن تغيير نظرتك الداخلية للواقع سيجعلك تشعر بتحسن وهذا سيمكنك أكثر من القدرة على تحقيق نتائج جيدة.
هناك بعض التمارين المفيدة لتحسين حالتك المزاجية، مثل أن تحاول تغيير نمط الصور الداخلية العقلية. مثلا إذا كان شخص ما غاضبًا، قم بتصور وتخيّل وجهه بشكل أقل تركيزاً، فهذا قد يجعلك تشعر بأنك أقل تهديدًا وهكذا.. أيضاً،حاول أن تتدرب على استخدام التخيل للسماح للأفكار التي لم تعايشها سابقًا بالظهور. علاوة على ذلك، قد يمكنك محاولة تغيير المشهد برمّته، مثلاً عندما تشعر بالاندفاع في سوبر ماركت مزدحم، تخيل أنه فارغ من الناس والعربات ثم ستشعر بالهدوء. التخيل ينطوي على السماح لعقلك وللصور التي فيه أن تتحول إلى نوع من الأفلام الداخلية. هذه التقنية مفيدة إذا كنت تريد أن تتخذ قرارًا أو تتصور مقصدا أو تتخذ الخطوة الأولى نحو تحقيق هدف ما. التلاعب بالمواقف والأحداث في عقلك يمكن أن يزيد من إبداعك، أو يغير حالتك العاطفية، أو يساعدك على التركيز، أو يقلل من التوتر. قم بإنشاء صورة واضحة لما تريد استكشافه وتحقيقه، ثم قم بتشغيل فيلمك التخيلي العقلي الداخلي، ولاحظ ما سيحدث وكيف ستشعر.
من ناحية أخرى، يلعب استخدام لغة بناءة في حياتك اليومية دوراً مهماً في طريقة العيش بإيجابية. لغتك لا تعكس سلوكك فحسب، بل تؤثر عليه أيضًا. لذلك، لكي تنجح في عيش حياة إيجابية، يجب عليك اختيار واستخدام كلمات وعبارات إيجابية. لذا قم بفحص أو إذا لزم الأمر قم بتغيير الكلمات التي تستخدمها. كن على دراية بالكلمات والعبارات التي تستخدمها بشكل طبيعي وانتبه لانتقاء الكلمات دائماً. إذا لزم الأمر، اطلب من الآخرين إخبارك بالتعبيرات التي تستخدمها بكثرة. ثم حدد تلك التي تستخدمها عندما تكون منتقدًا للذات أو متشائمًا أو تتحدث عن مشكلة ما، ثم قم بإنشاء بديل إيجابي لكل منها. ومن ثم، عندما تسمع نفسك تستخدم عبارة متشائمة، توقف وحاول الصمت ثم انتقل إلى العبارة الأكثر تفاؤلاً. مع الوقت سوف تكتشف بسهولة حديثك السلبي، وتصحح تلقائيًا ما تقوله وتعدله ليكون إيجابياً. علاوة على ذلك، من الضروري أن تتحدث مع نفسك باستمرار، مثلاً إذا كانت لديك مشكلة في العمل، مثل الترقية التي تشعر بالتوتر حيالها، فحاول صياغة بعض العبارات التحفيزية والمتفائلة وكررها لنفسك بانتظام. مثل: “سأصل لذلك وسيكون هذا انعكاسًا لكيفية تقدير الناس لي”، “يمكنني إتقان المهارات والمسؤوليات الجديدة التي يتضمنها المنصب الجديد.”.الخ. لذلك من الحيوي لك إعادة صياغة لغتك وتعلُّم كيفية التعرف على كلماتك وعباراتك السلبية، والتعود على استبدالها بأخرى أكثر قوة وإيجابية. من الاقتراحات المفيدة لمساعدتك في الحفاظ على لغتك الإيجابية، هو أن تطلب من أصدقائك أن يقاطعوا كلامك كلما بدأت في التحدث بشكل سلبي. كذلك من النافع أن تضع قائمة بالكلمات الإيجابية واستخدام على الأقل كلمة واحدة منها في اليوم حتى تصبح جزءًا من مفرداتك العادية التي تستخدمها دوماً في حديثك.
بشكل عام عليك تجنب العبارات التي تبدأ بمعنى “ينبغي”، فربما تستخدم كثيرا عبارات مثل “يجب عليّ .. لا يجب عليّ …” وقتما تريد أن تفعل شيئًا مختلفًا. ولكن باستخدام هذه الكلمات، فإنك تشير ضمنًا إلى أن مسار عملك الحالي خاطئ أو سيئ تمامًا، ومن المرجح أن يجعلك ذلك تشعر بالإحباط أو القلق أو الاستياء. حلل من البداية لماذا تجد صعوبة في التغيير، فقد تجد أسبابًا وجيهة لسلوكك الحالي وتقرر الاستمرار كما كان من قبل. ولكن إذا كنت تريد التغيير، فحاول استخدام عبارات مثل “سأصل إلى أبعد من ذلك إذا …”، “أعتزم وأنوي أن …”، “أريد أن …”الخ. بدلاً من عبارات “ينبغي ويجب” السابقة.
من زاوية أخرى، قد يساعدك استخدام التأكيدات الإيجابية، وهي عبارات تلخص الجانب الجيد من الحياة مثل: “أنا سعيد” أو “الناس يحبونني”..الخ. تعمل التأكيدات على غرس بصمة للمعتقدات الإيجابية في الجانب اللاوعي الخاص بك، وبذلك يمكن أن تساعدك على تحقيق أهدافك. لإنشاء تأكيد، أولاً عليك أن تحدد ما هو هدفك. ثم تحدث عن ذلك بإيجاز حتى تتذكره بسهولة. وضع النص أو الجملة المعبرة عنه في الزمن الحاضر، حتى يدرك اللاوعي أنك تريد العمل الآن. ثم كرر التأكيد الخاص بك، مع رغبة وحماسة في فترات متكررة ومنتظمة إلى أن يتم ترسيخها وتفعيلها. مثال: إذا أردت الوصول إلى وضع أفضل في الحياة الأسرية، عليك أن تحدد هدفك في البداية، (مثلاً: قضاء المزيد من الوقت مع العائلة). ثم عليك التعبير عن هذا من خلال صياغة جملة توكيدية في بضع كلمات وتكرارها باستمرار، ثم ستجد أنك قد احتفظت بها في مقدمة ذهنك، ومن المحتمل جدا أن تصل إلى ذلك الهدف كون عقلك اللاواعي سيسخّر حواسك نحو تحقيق ذلك.
بالمختصر، علينا أن نفهم أنه لا يمكننا تغيير الواقع بالكامل، ولكن يمكننا تغيير تصورنا له، وذلك يساعدنا في تحسين الحالة المزاجية وتحقيق نتائج إيجابية. هذا يتم من خلال استخدام التخيل والتلاعب في الصور العقلية الداخلية مما يجعلنا نتحكم فيما نريد وما لا نريد أن نراه. من ناحية أخرى علينا الحفاظ دوماً على استخدام مفردات ولغة إيجابية لما لذلك من تأثير عميق على جودة وطبيعة حياتنا، في هذا السياق يقول الفيلسوف الصيني لاو تزو: “اللطف في الكلمات يخلق الثقة، واللطف في التفكير يحل كل صعوبة، واللطف في الإعطاء يخلق الحب”.
د. معاذ الروبي