أحوال عربيةأخباردراسات و تحقيقات

سلسلة (أباطيل وخرافات حاخامات صهيون) الحلقة (5)

سلسلة (أباطيل وخرافات حاخامات صهيون) الحلقة (5)

حوار / احمد الحاج 

منذ أن قام الفلسطينيون بثورتهم الكبرى بين عامي 1936- 1939 ضد الانتداب البريطاني،وضد الهجرات الصهيونية المتعاقبة من الدول الاوربية، رفضا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين،واحتجاجا على اقصاء العرب،وتهجيرهم ، وتهميشهم،فضلا على مصادرة أملاكهم وأراضيهم ووقفياتهم وتجويعهم وحصارهم تماما كما حدث في “طوفان الاقصى”في اكتوبر /2023 ولنفس الأسباب السابقة، فالثورة الفلسطينية الكبرى التي تمر ذكراها السنوية في الثلث الأخير من شهر نيسان من كل عام امتدادا لسلسلة من الثورات المماثلة بين (1920-1948) وأبرزها ثورات 1920-1929-1935بحسب مركز الدراسات فلسطينية، قد بدأت باضراب عام بمدينة يافا في 19 نيسان/ 1936 قبل أن يتمدد ليعم أرجاء الاراضي الفلسطينية ومن ثمرات الثورة أنذاك تأسيس (اللجنة العربية العليا) ووضع قائمة بالمطالب الفلسطينية وفقا لمذكرات شيخ المناضلين الفلسطينيين (بهجت أبو غربية) بـ 2000 صفحة، اضافة الى “تحرير” البلدة القديمة من البريطانيين بين الثالث عشر والعشرين من أيلول/ 1938 ،وفقا لكتاب ( في خضم النضال العربي الفلسطيني ) الصادر عام 1992، أقول منذ اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى وحتى كتابة السطور والكل يسأل عن دور المنظمات الماسونية العالمية في دعم الكيان اللقيط منذ نشأته في قلب الأمتين العربية والاسلامية والى يومنا هذا وعن سر هذا الغزل والدعم اللامتناهي واللا محدود وعلى الصعد كافة أمريكيا وأوربيا ؟!

الأعجب أن أمريكا التي أمدت الكيان المسخ بأكثر من 100 شحنة من الأسلحة والذخائر المختلفة منذ السابع من أكتوبر 2023 تحركت فجأة وبعد شهور من القتل والتدمير والحصار والترويع الصهيوني ومن باب ذر الرماد في العيون لتلعب دور الاخ الاكبر الحنون لمساعدة الجياع بزعمها، إلا أنها وحتى في مسرحيتها الكوميدية تلك قد فشلت فشلا ذريعا حيث تسببت المساعدات الجوية الهزيلة التي اسقطتها من الجو وبكل رعونة فوق منازل المواطنين بدلا من الاماكن الخالية المفتوحة ، باستشهاد خمسة فلسطينيين وإصابة آخرين بجروح مختلفة وذلك بعد فشل المظلات في ايصال المساعدات الى الارض بدون مشاكل تذكر، تزامنا مع استهداف الصهاينة وللمرة الثانية لعشرات الفلسطينيين المحاصرين من منتظري المساعدات الانسانية في دوار النابلسي، وبالتزامن مع توقف مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات وعدم السماح لها بالمرور عبر معبر رفح،فيما تتحرك امريكا لانشاء ميناء امريكي مؤقت للمساعدات يُجمع المراقبون على أنه خطة جديدة مشؤومة لتهجير سكان غزة بحرا الى قبرص هذه المرة بدلا من الخطة السابقة التي تتضمن التهجير برا الى سيناء عبر معبر رفح .

وها نحن وفي الحلقة الخامسة من سلسلة ( خرافات وأباطيل حاخامات صهيون ) نواصل حوارنا مع الدكتور خالد العبيدي ليجيب عن أسئلتنا مشكورا .

س1: ماهي أبرز المنظمات الماسونية التي تدعم الصهيونية العالمية،وتنشر دعايتها المضللة،وتبرر جرائمها النكراء حول العالم ؟

ج : لقد بينت في سلسلة مقالاتي التي نشرتها على صفحتي في الفيسبوك (لا مساس وعصر الدجال) تفاصيل كثيرة حول هذا الموضوع لا يمكن في هذه العجالة أن أسردها بالكامل، ويمكن لمن يريد أن يتبحر فيها أن يعود لتلك السلسلة فهي متاحة للجميع.

لكن مع ذلك يمكننا القول أن أغلب المؤسسات الغربية في جميع المجالات والأنشطة الصناعية والزراعية والسياحية والغذائية والدوائية والعلمية والتقنية والعسكرية في كل دول الغرب والشرق، بل حتى في دولنا الإسلامية، هي تقريباً تحت سيطرة المال اليهودي كلياً أو جزئياً. فإنك لا ترى اليوم أية صناعة في أي مجال إلا ولليهود سيطرة شبه كاملة عليها لذلك تجدهم قد أخضعوا العالم بما يمتلكونه من أموال طائلة ونفوذ ضخم وهيمنة شبه مطلقة على جميع مفاصل حياتنا المعاصرة منذ إتمام هيمنتهم على العالم نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وصولاً لتشكيل هيكلهم العملاق في أمريكا بعد أن كان طيلة ما سبق في أوربا وتحديداً في بريطانيا وفرنسا.

تعتبر المنظمة اليهودية المسماة آيباك -AIPAC – (مختصرة من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية – American Israel Public Affairs Committee – ) من أقوى المنظمات الصهيونية المتحكمة في الولايات المتحدة والتي تتحكم بالقادة والسيناتورات في الكونغرس الأمريكي بل وحتى في اختيار الرئيس بسبب ما تمكله من نفوذ مالي وسياسي وما لها من أتباع قد يصل لأكثر من 100 مليون تابع فضلاً عن سيطرة أعضائها على أغلب منافذ صناعات المعادن والسلاح والأدوية والأغذية والسجائر وما شاكل.

الماسونية سيطرت على العالم عبر قرون من الفعل الظلامي السري الباطني وصولاً للسيطرة على كل مفاصل الحياة الدينية والدنيوية عن طريق المال والدم والجنس، فهي بذلك أدوات تنفيذية للمخطط الشيطاني التآمري على الجنس البشري كما أنبأنا القرآن الكريم تماماً. فالماسونية ترتبط بالشيطان والجن عن طريق التخاطب المباشر التي توارثوها منذ عهد نبي الله سليمان عليه السلام، الذي كان قد سخر له الجن والشياطين يعملون تحت أمرته، بعد أن حولوها من أفعال خير إلى أفعال شر وتدمير للعقول والنفوس والأبدان خدمة لأطماعهم الخسيسة متمثلة بأدوات السحر الأسود والكابالا وتقاليد الشعوذة اليهودية الدموية.

المؤرخ الألماني تيودور مومسن ( Theodor Mommsen)، صاحب المؤلف المعمق، بعنوان “الإمبراطورية الرومانية” وقد نال عن هذا العمل جائزة نوبل، وهي؛  «تاريخ روما» و«قانون دولة روما  – Römisches Staatsrecht – »  في ثلاثة مجلدات (1871-1888)؛  كتب يقول: “كان يوليوس قيصر، كما كان الاسكندر المقدوني، على صواب تماما عندما رأى ضرورة تسهيل تطور اليهودية. وإذا كان الاسكندر قد وضع أسس جاليتي الاسكندرية ويهودا، وقدم لهذه الأمة ما لا يقل عما قدمه ملكها داؤود بتشييده هيكل أورشليم، فإن يوليوس قيصر  بدوره ساعد اليهود، سواء في روما أم في الاسكندرية، وذلك بمنحهم شتى الأفضال والامتيازات، وبحماية عبادتهم من هجمات الكهنة الرومان والإغريق”.

وجاء في الموسوعة اليهودية: “أهدى بطليموس الثاني فيلادلفوس هيكلَ أورشليم طاولة ذهبية، وأواني ذهبية فاخرة. وسلوقس الرابع، كغيره من الحكام الهيلنيين، خصص أموالا لقرابين الهيكل. أما انطيوخوس الثالث فأهدى عشرين ألف شيكل لغرض الأضاحي، وكمية كبيرة من الطحين والحبوب. وحكام روما أيضا أرسلوا إلى الهيكل كل ما يمكن من هبات”.

س2: لماذا كل هذا التودد لليهود من طرف أبرز حكام العصر القديم وما الذي حصلوا عليه في المقابل وما هي انعكاسات النظام المالي الذي رسخه اليهود قديما على الاقتصاد العالمي الحالي؟ج : يجيب عن هذه الأسئلة الخبير المالي والمؤرخ الاقتصادي  البروفسور فالنتسين كاتاسونوف  (Профессор Валентин Катасонов) في بحوثه ومؤلفاته ولقاءاته المرئية. فيقول: لقد كانت المعابد القديمة في بابل ومصر واليونان وغيرها تقوم بمهام دينية واجتماعية ومالية باعتبارها المكان الأكثر تحصيناً وأماناً لما تتمتع به من منزلة لدى العامة والدولة، لكن هيكل المعبد اليهودي،   أو هيكل سليمان،  كانت له أدوار اخرى مضافة بعد فترة من إنشائه. ففي بداية تكوينه في عهد النبي والملك سليمان – عليه السلام- كانت مهامه روحية دينية وتعليمية، وأما القضايا المالية فكانت محدودة جداً، لكن بعد هدم الهيكل الأول في عهد ملك بابل نبوخذ نصر  وسبي اليهود إلى بابل،  وبعد ان غزا ملك فارس قورش الكبير بابل وحرقها أطلق سراح اليهود ومنحهم حريتهم، فذهب بعضهم معه إلى بلاد فارس وبعضهم عاد إلى أورشليم والبعض الآخر تفرق في جميع أرجاء  حوض البحر المتوسط في حين بقي آخرون في بابل. ولقد تم تشييد هيكل اورشليم الثاني مكان سابقه المدمر بعد عودة الشعب اليهودي من الأسر البابلي وتقديم المساعدات المالية لذلك من قبل جميع تلك  الطوائف اليهودية المنتشرة في العالم القديم ،  و في هذا العصر الثاني للهيكل صار العنصر المالي بيد كبار الكهنة اليهود وحاخاماتهم بشكل واضح حتى غدا هذا الهيكل مركز حياة اليهود الدينية الروحية والمالية الاقتصادية معاً.

ويذكر البروفيسور كاتاسونوف في كتبه أن أكثرية اليهود لم يعودوا إلى فلسطين ، بل اختاروا الشتات، واستقر جلهم في مدينة الإسكندرية  التي كانت أحد أهم  مدن  آنذاك  حيوية ومركزية حيث كانت متميزةً عن مدن العالم القديم فهي الأكثر  اكتظاظاً سكانياً وحركة تجارية ومالية وثقافية،  فضلاً عن انها كانت مرشحة لبناء هيكل ثان لليهود غير هيكل أورشليم،  فشكلوا بعد استقرارهم حوالي 40% من سكانها. وفي تلك الفترة استحدث نظام اسمة “الهالوكا – أو الحالوقا باللفظ العبري”  وهو صندوق مالي يفرض على كل يهودي في كل انحاء العالم  التصدق لصالح بناء هيكل أورشليم ومن ثم تطور لاحقاً ليكون صندوق تبرعات لأية أزمة تحصل لأي يهودي في أي مكان في العالم. فكان هذا الصندوق ونظامه المالي سر محافظة اليهودي على صفته اليهودية طالما كان يتبرع لذلك الصندوق،  أو لنقل هو بمثابة  الهوية لأي يهودي أو مناصر لليهود، فشكل هذا الصندوق البنك المركزي الأول لليهود خصوصاً بعد فرض نظام العشر وهو التبرع بعشر الأموال من جميع الفئات لصالح التبرع لإعادة بناء معبد أورشليم او ما عرف بـ “ضريبة المعبد” أو ” إتاوة المعبد”  أو “عشر المعبد” التي ورد  ذكرها في العهد الجديد أو الإنجيل.

ويؤكد البروفيسور فالنتسين بناء على ماذكره محققون ومستشرقون ومؤرخون من أمثال: ” المستشرق يوليوس فيلهاوزن -Orientalist Julius Wellhausen- (1844-1918)” في كتابه: ” الفريسيون والصدوقيون- The Pharisees and the Sadducees – “أن تلك الأموال من ضريبة المعبد أو عشر الأموال اليهود المجباة لصالح بناء المعبد لم يكن يذهب في واقع الحال لأغراض بناء المعبد بل يبقى جزء منه في نفس أماكن الجباية وبيد المسؤولين عن ذلك مثل “طبقة اللاويين” المسؤولين عن خدمة المعبد وهم من الكهنة والمعلمين والخدام باعتبارهم لا يملكون دخلاً يعتاشون منه سواء من غنائم الحروب أو التجارة أو الأجارة أو غير ذلك. وهذا الأمر  كان يحصل في يهودا القديمة وبقية مناطق تمركز اليهود في الشتات، وهو الأسلوب  المشابه لحد ما لنظام الضرائب الحديث التي تعتمد آلية بقاء بعض أموال الضريبة المجباة في المحافظة وإرسال الجزء الآخر إلى مركز الضريبة الرئيس في العاصمة.وبعدالانتهاء من  إنشاء معبد أورشليم الثاني  في القدس استمر الحال هكذا  جمعت أموال طائلة فازدادت الشهية للتملك من قبل الطبقة الدينية، وفعلاً صار الأمر ربحياً بحتاً فتحول المعبد لمكان جمع الأموال بعد أن كان مكاناً تعبدياً صرفاًً . 

بدوره يقول  المستشرق يوليوس فيلهاوزن -Orientalist Julius Wellhausen-  أنه عادت من الأسر البابلي طائفة لم تعد تعمل بشريعة موسى بل صارت لها قواعد خاصة ومعايير ومتطلبات ومحظورات مختلفة عما  هو موجود في التوراة، وهي بدايات تشكل جماعات محرفة للتوراة وتعاليمها مثل  الفريسيين والصدوقيين والآسينيين، وهؤلاء  الذين نزل نبي الله عيسى عليه السلام  ليعيدهم مع من ضل من بقية  الشعب اليهودي واتبع الشيطان والشهوات إلى جادة الصواب  بقوله: ” لا تظنوا أني جئت لأنقض  الناموس وشريعة الأنبياء وإنما جئت لأتممها”، بمعنى إعادة الشعب اليهودي إلى أصول  العهد القديم وهي الوصايا الشعر التي تلقاها موسى عليه السلام من ربه جل وعلا.

س3 : ماهي القواعد المتبعة للحصول على المال واكتنازه بأية وسيلة عندهم ؟

ج : لقد  حدد باحثو العهد القديم ودراسات التلمود واللاهوت في وقتنا الحالي أن عدد تلك القواعد الجديدة لتلك الطائفة بلغ 613 قاعدة وتسمى (ميتسفوت) منها 365 قاعدة تتحدث عما لا يجوز لليهودي أن يفعله والباقي تبين الواجبات الملزمة لفعلها، وكانت تلك التعاليم الموضوعة الأساس في تحول اليهود إلى شعب لا يكتفي بحل المال وكنزه وإنما إلى فعل أي شيء للحصول عليه حتى وإن كان محرماً في التعاليم الأصلية لموسى عليه السلام وعى رأس ذلك الربا والقروض الربوية. وهذا يعني أنه بعد حوالي 1000 عام من نزول التوراة على موسى وتحديداً بعد تداعيات   السبي البابلي تحول اليهود إلى طوائف متناحرة مشتتة، ومن ثم بعد ذلك بـ 1000 عام اخرى تحول المعبد الديني إلى مركز تكسب مالي بحت حيث أضحت الغلبة للعنصر المالي واندثرت التعاليم الدينية والروحية.

حاول الفريسيون إظهار أنهم الأتقياء الذين يعبدون الرب ملتزمين بجميع الوصايا مع إخفاء العامل المالي في نشاطات معابدهم. في الطرف الآخر كان الصدوقيون، وهم من علية القوم الحاكمة  في يهودا،  بخلاف  الفريسيين لا يؤمنون بخلود الروح  ويرون أن النعيم في هذه الدنيا  هو  أهم شيء بالنسبة لهم، وكانوا يريدون التملك و التمتع بجميع أنواع  المتع  الدنيوية والنفوذ وكل ذلك يعني وجوب الحصول على المال والثروات التي تمكنهم من ذلك، وبالتالي؛ فقد كانوا يتكسبون من المعبد بشكل علني وصريح لاعتقادهم بضرورة ذلك. وفي زمن نزول المسيح عليه السلام كانوا هم المشرفون على الهيكل، وهو ما موضح في الإنجيل (العهد الجديد ) في قصة طرد المسيح للباعة والصيارفة من هيكل أورشليم.

الباحث الاقتصادي والسياسي الألماني كارول كاوتسكي (German economic and political researcher Karl Kautsky) يقول: (كانت تبرعات الحج والمعبد تأتي بمبالغ ضخمة إلى اورشليم، وكانت تفض على احتياجات الكهنة والخدام والكتاب وغيرهم، حيث كان هناك باعة وصيارفة وحرفيون وتجار كانوا يستفيدون بشكل مباشر او غير مباشر من تلك الأموال الطائلة بطرق شتى على رأسها القروض الربوية، وكذا كان الحال في المعابد المصغرة  الممثلة للمعبد الرئيس في أورشليم، داخل المدن الكبيرة في ذلك الوقت كالاسكندرية  وغيرها.  والحقيقة أن ذلك كان يمثل البدايات الأولى  للمصارف الربوية، بل يمكن القول أن ذلك كان يشبه لحد كبير في عصرنا  الراهن: نظام الاحتياطي الفيدرالي مع المصارف المركزية التابعة له في مختلف الدول،  حيث أن  النظام العالمي للمصارف المركزية تنتخي وتصب في المركز الذي هو اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتحكم به كبريات العوائل المصرفية الربوية اليهودية ، وهؤلاء يوزعون الأموال الطائلة وفق اعتباراتهم وتوجهاتهم وأفكارهم الخاصة تماماً كما كان يفعل كبار الكهنة تلك الأيام، حيث كان أولئك الكهنة يعدون النموذج الأولي لحملة الأسهم في نظام الفيدرالي العالمي اليوم.

ويقول كارول  كاوتسكي في مكان آخر: ( بعد تحليل  نصوص تيودور مومسن المسهبة ووصف ما كان لليهود من حضوة عند يوليوس قيصر يمكن القول أن ما كان يقدمه الامبراطور الروماني من رعاية وحماية  لليهود لم تأت من فراغ، بل كان مستفيداً منهم بكل مباشر لأن لديهم الأموال  التي تساعده  في حروبه وشؤون إدارة دولته التي  صار المال القوة الحاسمة  فيها، فقد كانوا مافعين له).

ويبدو ان مملكة يهوذا بعد أن سيطر عليها الرومان كانت تتمتع بخصوصية أستطاعت ان تجعل  حكام روما يحاولون إرضاءها بكل الوسائل حيث كانت تنهال عليهم الهدايا والهبات  من الأباطرة بشكل ملفت قبل حصول الثورة اليهودية. ويبدو أن المسألة لم تكن تخلو من فائدة مشتركة للطرفين، وذلك من خلال لوبي يهودي متنفذ في روما وغيرها نجح خلال سنوات سابقة أن يتغلغل في جميع مرافق ومدن  الامبراطورية  الرومانية المترامية الأطراف مشكلين مجموعات ضغط مالية ربوية كبيرة أثرت على الاقتصاد المحلي لروما وبقية مدنها الرئيسة من خلال القروض الربوية للدولة والحكام من جهة،  وكذلك عن طريق التلاعب بالعملة المحلية المعتمدة  وقتذاك  وتصريفها أو صكها  بالذهب والفضة من جهة أخرى. والأعجب من ذلك أنه كانت لهم شبكة معلومات عبقرية مكنتهم من اختيار المعدن المناسب في الوقت المناسب لتجميعه واحتكاره والتلاعب به في وقت آخر يختارونه وفقاً لتلك المعلومات. وهكذا ترتب على كل ذلك النفوذ المالي المتحكم بحركة المجتمع والدولة تأثيرات كبير ة على القرار السياسي لتلك الامبراطورية  القوية لصالحهم،  تماماً كما هو حاصل اليوم.

وهكذا تفشى الفساد المالي والسياسي والظلم في مرافق يهودا ومعبدها  قبل أن يبعث الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام وحصول التداعيات الداخلية على تلك المدينة وكيف تحالف كهان معبد أورشليم المستفيدون مالياً مع الحكام والأباطرة  الرومان (الوثنيون) لغرض إجهاض دعوة المسيح والقضاء عليها، ومن بعد ذلك قيام الأباطرة  بالتضييق على النصارى الجدد  وتعذيبهم وسجنهم وقتلهم وانتهاء بحرق الهيكل أو  المعبد  في العاشر من أغسطس سنة 70 م. وهو حسب التقليد نفس اليوم الذي خرب فيه الهيكل قديما علي يد نبوخذ نصر ملك بابل ، ويقول يوسيفوس وهو شاهد عيان في وصفة لخراب الهيكل : (لا يمكن أن يتصور أحد أصوات أعلى وأكثر فزعاً مما حدث من كل ناحية أثناء احتراق الهيكل. صيحات الانتصار والفرح الصادرة من الجنود الرومان، تختلط بصيحات عويل الشعب المحاصر بالنار والسيف فوق الجبل وداخل المدينة. وكان الصدى الواصل من كل الجبال المحيطة يزيد هذا الزئير الذي يصم الآذان. ومع ذلك فالبؤس نفسه كان أفظع من هذا الاضطراب).

هذا الذي حصل لليهودية يشبه والى حد كبير ما حصل لاحقاً للمسيحية بعد 1000 سنة تقريباً من ظهورها إثر الانشقاق الكبير للنصارى بعد انفصال  الكنيستين الشرقية والغربية ومن ثم تحول الفاتيكان إلى مرجز مالي إلى جانب السلطة الروحية .فقد حصل خلال الألفية الأولى للمسيحية انعقاد 7 مجامع مسكونية كان آخرها  المجمع المسكوني السابع عام 787م ،  كانت فيها المسيحية جزءا ً واحداً  وكنيسة رسولية واحدة،  ولكن الحلافات دبت بعد ذلك وانتهت بالانشقاق الكامل للكنيستين الشرقية والغربية عام 1054م، وقد حصل  بعد الانفصال التام  في الكنيسة المسيحية تطورات كبيرة  في تاريخ المسيحية غيرت التاريخ المسيحي بالكامل

ورغم أن هيكل أورشليم قد تمت إزالته من الوجود من قبل الرومان عام 70م إثر تدميره، لكن الحال استمر على ما هو عليه من جني الثروات من قبل الطبقات الكهنوتية المتنفذة وكذلك التجار والمرابين الصيارفة في جميع مناطق ومدن الشتات حيث أنشاوا هياكل أورشليمية مصغرة تشبه المصارف المركزية الموجودة اليوم والتابعة للنظام العالمي، أي أنه صورة مصغرة  واولية للنظام  المالي العالمي  الموجود اليوم.وهذا النظام سمي عندهم بـ (نظام كحَّال)، وهو عبارة عن جهاز للإدارة الذاتية في الجالية اليهودية يعد وسيطاً بين افرادها والدولة التي يعيشون فيها وله هيئاته الضريبية ومحكمته ونظامه المالي تماماً كما هو حال  الأنظمة المصرفية العالمية اليوم وجميعها تتبع نفس السياقات.

س4: كيف سيطر اليهود على مقدرات العالم المالية والاقتصادية ؟

ج: ما نشهده اليوم  من سيطرة  مالية عالمية بين كبريات مدن المال الأمريكية والأوربية والإسرائيلية يشبه تماماً المثلث العالمي المالي القديم بين روما وأورشليم والاسكندرية التي كانت  تمثل المراكز التجارية العالمية حينها وهي في نفس الوقت مثلت مراكز التجكم المالي اليهودي. فتلك المدن المشكلة للمثلث تربط بين ثلاث قارات العالم القديم (أوربا وآسيا وأفريقيا)، حيث كانت  الاسكندرية  مركز تجارة  الذهب القادم من أفريقيا الغنية به، في حين ان روما وأوربا كانت مركز تجارة الفضة خصوصاً في إسبانيا القريبة من روما، في حين كانت أورشليم تقوم بدور الوسيط في مبادلة المعدنين وجني الأرباح من ذلك فضلاً عما تجنيه من جمع ضريبة الأتاوة  والعشر التي بيناها آنفاً. ففي حين كانت أوربا غنية بالفضة وفقيرة بالذهب حيث كان الذهب أغلى من الفضة، كان الأمر في أفريقيا على  العكس تماماً حيث الذهب أرخص من الفضة النادرة، ومن هنا كان التجار اليهود في كلا  المدينيتن وفي أورشليم  يجنون  أرباحاً هائلة من فرق السعر بين المعدنين الذي كان يبلغ الضعف تقريباً،  فقد كان الغرام الواحد من الذهب يباع مقابل نصف غرام من الفضة.

ولعل هذا النوع من التجارة  يعرف اليوم بعمليات المراجحة،  أي اللعب على فرق السعر، وبالتالي؛ استحوذ اليهود على سوق الذهب منذ حوالي 1000 عام قبل ظهور المسيحية واستمروا بذلك التحكم طيلة وجودهم في أورشليم وكذلك بعد الشتات، وحتى يومنا هذا حيث يسيطرعمالقة التجارة اليهودية مثل  آل روتشيلد واوبنهايمر على سوق الذهب والألماس في كبريات العواصم الأوربية والمدن الأمريكية فضلاً عن المدن الإسرائيلية استمراراً لتحكمهم نفسه بتلك الثروات التي كانوا عن طريقها يقرضون الطبقات الحاكمة في دول العالم  منذ ايام الحروب الصليبية وفتن وملاحم وحروب العصور الوسطى، مروراً بالحروب اللاحقة كالحرب  البروسية الفرنسية في عهد بسمارك،  وتوالياً  مع حروب نابليون وحروب الأوربيين مع العثمانيين  وما  بعدها  إلى الوقت الحاضر، حتى غدت تلك التجارة المربحة التي تدر عليهم بأرباح مهولة تتطلب صناعة خاصة سميت بـ (صناعة الحروب والأزمات) تعمل آلياتها على إثارة الأزمات العالمية وإشعالها وتأجيج نيرانها بين طرفين او أكثر لغرض إجبارها على الاقتراض منهم ربوياً وبفوائد عالية جداً كي تدير تلك الأطراف شؤون  تلك الأزمات والنزاعات والحروب كما حصل في الحربين الكونيتين وغيرها.

وهكذا؛ فأولئك الصيارفة والمقرضين والتجار والمحتكرين اليهود كانوا متمكنين،  بكل دهاء وحنكة، من فرض إراداتهم في جميع البلدان التي حلوا فيها عن طريق تلك التقنيات المالية التي توارثوها كابراً عن كابر وتلك التجارب الغنية عبر العصور، وكما حصل لاحقاً في بلدان أوربا الغربية في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والبرتغال وغيرها، وكذلك في روسيا وأوربا الشرقية،  بل حتى في أقاليم ومقاطعات ومراكز الدولة العثمانية. وقد تاتى لهم ذلك  من خلال الاستفادة من جني الأرباح عن طريق القرض الربوي للدولة والشعب خلال الأزمات والحروب والكوارث من جهة، وإجبار الدولة على اتباع نظام  ضرائبي وصيرفي حسب رغباتهم ووفق مخططاتهم يعود عليهم بأرباح مهولة من جهة ثانية، وعلاقاتهم المالية  المباشرة مع صناع القرار والملوك والإمراء والأباطرة والسلاطين في تلك الدول والمناطق من جهة ثالثة. وبذلك سيطر هؤلاء بشكل شبه كامل على جميع مرافق العمل والنشاط المالي والاقتصادي في تلك الدول منذ أيام الحروب الصليبية ما تلاها من حروب وأزمات وثورات وصراعات ونزاعات ونوازل أوربية داخلية. وقد كانت تجربتهم في بريطانيا مميزة جداً إذ مهدت لتشكل نواة النظام الاحتياطي الفيدرالي الحديث خصوصاً مع تصاعد نفوذهم السياسي والفكري  والإعلامي وتعاضده مع نفوذهم المالي، ومن ثم انتقلت تجاربهم إلى امريكا والعالم الجديد ولكن بشكل أكثر ضراوة وشراسة متمثلة بما حصل في القرن العشرين صعوداً.   يتبع 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى