أمن وإستراتيجية

من هو العدو ؟؟

خسرو حميد عثمان
كاتب

“إن البصيرة لم تعثر على موضوع يجمع بين الضوء الساطع والظلام الدامس مثل أعماق الإنسان..ثمة مشهد آعظم من البحر والسماء هو أعماق الإنسان” فكتور هوغو.
قادتني قراءة مقال UMBERTO ECOالموسوم ” مقدمة إلى العصور الوسطى ـ البرابرة والمسيحيون والمسلمون”* الى الاهتمام بقراءة ترجمة كتابه الموسوم “إبتكار العدو Inventing the Enemy ” إلى الإنجليزية. يحتوي الكتاب بالاضافة إلى مقدمة المؤلف على العناوين التالية: إبتكار العدو، المطلق والنسبي، جمال اللهب، صيد الكنز، المسرات المخّمَرة، لا أجنة في الجنة، هوغو ـ هيلاس!: شاعرية الفائض، الرقابة والصمت، علم الفلك الخيالي، العيش بأقوال مأثورة، أنا ادموند دانتيس، يوليسيس: هذا كل ما نحتاجه…، لماذا لم يتم العثور على الجزيرة، أفكار حول وكيليكس، حول هوامش المؤلف.
يذكر الكاتب في المقدمة:
كان، من المفروض، عنوان هذه المجموعة: كتابات عَرَضِية لرُبما “من حين لأخر”. لكن الشاغل الوحيد للناشر كان: أن مثل هذا العنوان المتواضع المبهرج قد لا يجذب انتباه القارئ، في حين أن عنوان المقال الأول Inventing the Enemy قد يثير الفضول – هو الذي حدد الاختيار النهائي. ما هي الكتابات العَرَضِية وما هي فضائلها؟ باختصار: هي تمرين في الخطاب الباروكي، بشكل عام حول مواضيع لم يكن للمؤلف أي اهتمام محدد بها. لقد استحوذَتْ على اهتمام المؤلف وشجعته على التفكير في شيء كان من الممكن أن يتجاهله لولا ذلك – وغالبًا ما يتبين أن موضوعًا مفروضًا من الخارج أكثر فائدة من موضوع ناشئ عن نزوة داخلية. ميزة أخرى للكتابة العرضية هي أنها لا تتطلب الأصالة بأي ثمن، ولكنها تهدف إلى الترفيه عن المتحدث وكذلك المستمع.
يتكون الكتاب من مجموعة من المقالات كُتبت جميعها خلال العقد الماضي ،التاريخ والمناسبة مذكورة في نهاية كل مقالة مما يؤكد على طبيعتها العَرَضِية (من حين لأخر)
ابتكار العدو
[محاضرة ألقيت في جامعة بولونيا في 15 مايو 2008، كجزء من سلسلة أمسيات عن الكلاسيكيات، نُشرت في Elogio della politica، تحرير إيفانو دي ون جي 2009]وجدت نفسي في محادثة مع سائق سيارة أجرة قبل عدة سنوات، لا أتذكر اسمه، في نيويورك. أوضَحَ أنه باكستاني، سألني من أين أتيت؟ أجبته إيطاليا. سأل عن عددنا؟ فوجئ بقلة عددنا وأن لغتنا ليست الإنجليزية. ثم سألني من هم أعداؤنا؟ ردًا على “أعتذر؟” شرح بصبر، أنه يريد أن يعرف من هم الأشخاص الذين قاتلنا ضدهم عبر القرون من أجل مطالبات الأرض، والتنافس العرقي، و التوغلات على الحدود، وما إلى ذلك. أخبرته أننا لسنا في حالة حرب مع أحد. وأوضح أنه يريد أن يعرف من هم أعداؤنا التاريخيون ومن يقتلوننا ومن نَقْتُلْ. كررت أنه ليس لدينا أي شيء من ذلك، وأننا خضنا حربنا الأخيرة قبل أكثر من نصف قرن – بدأناها، مع عدو وانتهينا بآخر.
لم يكن راضيا! كيف لا تكون لدولة أعداء؟ أثناء خروجي من سيارة الأجرة، تركت إكرامية بقيمة دولارين لتعويضه عن البلادة الإيطالية المحبة للسلام. وعندها فقط خطر لي كيف كان ينبغي أن أجيب. ليس صحيحا أننا نحن الإيطاليين ليس لدينا أعداء.
ليس لدينا أعداء خارجيون، أو بالأحرى نحن غير قادرين على الاتفاق على من هم، لأننا في حالة حرب مستمرة مع بعضنا البعض – مثلاً بيزا (Pisa) ضد لوكا (Lucca)، وغلفس (Guelphs) ضد غيبلينس (Ghibellines)، شمال ضد الجنوب، فاشية ضد أنصار، مافيا ضد الدولة، حكومة برلسكوني ضد سلطة القضاء. ومن المؤسف لم تسقط الحكومتان برئاسة رومانو برودي خلال تلك الفترة؛ وإلا لكان بإمكاني أن أشرح لسائق التاكسي معنى خسارة الحرب بنيران صديقة.
بالتفكير أكثر في المحادثة، توصلت إلى استنتاج مفاده أن إحدى مصائب إيطاليا على مدار الستين عامًا الماضية كانت غياب الأعداء الحقيقيين. حيث تم توحيد إيطاليا بفضل وجود النمسا….
تمكن موسوليني من التمتع بالدعم الشعبي من خلال دعوة إيطاليا للانتقام لنفسها لانتصارها في حالة يرثى لها، وهزائمها المهينة في الحبشة في دوغالي وأدوا، وللديمقراطية اليهودية، التي ادعى أنها كانت تعاقبنا بشكل جائر. شاهد ما حدث في الولايات المتحدة عندما اختفت إمبراطورية الشر وتلاشى العدو السوفياتي العظيم. كانت الولايات المتحدة في خطر فقدان هويتها حتى جاء بن لادن ، ومد يده الرحيمة، امتنانًا للخدمات التي قدمها عندما كان يقاتل ضد الاتحاد السوفيتي.
وأعطى بوش الفرصة لخلق أعداء جدد، لتعزيز مشاعر الهوية الوطنية إلى جانب سلطة إدارته.
“لا تنحصر وجود عدو كأمر مهم لتحديد هويتنا بل لوضع عائق نقيس عليه نظام قيمنا، وفي السعي للتغلب عليه، لإظهار القيم الخاصة بنا ايضا. لذلك عندما لا يكون هناك عدو، علينا اختراعه.”
الأعداء يختلفون عنا ويمارسون العادات التي ليست لنا. الخلاصة: الاختلاف هو أجنبي. في النقوش الرومانية البارزة، يظهر البرابرة على أنهم ملتحون وأفطس الأنوف، وكما هو معروف جيدًا، تشير كلمة بربري نفسها في اللاتينية إلى عدم إجادة الكلام بالضرورة عدم إجادة التفكير (بار بار ، “يتلعثمون”).
ومع ذلك، فمنذ البداية، غالبًا ما يكون الأشخاص الذين يصبحون أعداء لنا ليسوا أولئك الذين يهددوننا بشكل مباشر (كما كان الحال مع البرابرة)، ولكن أولئك الذين يهتم شخص ما بتصويرهم على أنهم تهديد حقيقي حتى عندما لا يكونون، بدلاً من التهديد الحقيقي الذي يسلط الضوء على الطرق التي يختلف بها هؤلاء الأعداء عنا، يصبح الاختلاف بحد ذاته رمزًا نراه تهديدا.
انظر ماذا يقول السيناتور تاكيتوس عن اليهود: “كل ما هو مقدس بالنسبة لنا هو دنس بالنسبة لهم، وما هو نجس بالنسبة لنا فهو مشروع بالنسبة لهم” (وهو ما يذكّر كيف يصف الإنجليز الفرنسيين بأنهم أكلة للضفادع أو كيف الألمان يدينون الإيطاليين للإفراط في استخدام الثوم). اليهود “غريبون” لأنهم يمتنعون عن أكل لحم الخنزير، لا يضعون الخميرة في الخبز، يستريحون في اليوم السابع، يتزاوجون فيما بينهم فقط، يتم ختانهم – ليس (بالطبع) لأسباب صحية أو دينية ولكن لإثبات أنهم مختلفين عن الآخرين يدفنون موتاهم ولا يبجلون قيصرنا”.
“يُنظر إلى العدو أحيانًا على أنه مختلف وقبيح لأنه ينتمي إلى طبقة أدنى.”
(يتبع)
الهوامش

  • UMBERTO ECO مؤلف: مقبرة براغ The Prague Cemetery، إسم الوردة The Name of the Rose وبندول فوكو Foucault s Pendulum، من بين روايات أخرى، والعديد من مجموعات المقالات. سيميائي، فيلسوف، عالم حول العصور الوسطى، أستاذ في جامعة بولونيا لسنوات عديدة، شغل إيكو منصب رئيس Scuola Superiore di Studi Umanistici هناك. حصل على أعلى جائزة أدبية في إيطاليا Premio Strega، تم تسميته بـ فارس جوقة الشرف من قبل الحكومة الفرنسية، كان عضوا فخريا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب. عاش في ميلانو 5/1/1932-19/2/2016 .
    ** Introduction to the Middle Ages Umberto Eco- Barbarians, Christians, and Muslims”) الرابط: https://www.meer.com/en/1814-introduction-to-the-middle-ages-by-umberto-eco.

أولا: يتراءى لي عند التأمل في تأريخ: إلقاء UMBERTO ECO (عاش في ميلانو 5/1/1932-19/2/2016) محاضرته الموسومة ” ابتكار العدو”* في جامعة بولونيا ـ الإيطالية في 15 مايو 2008، كجزء من سلسلة أمسيات عن الكلاسيكيات، أراد، في نظري، أن يدحض ما جاء في كتاب العَالِمِ والفيلسوف السياسي الأميركي فرانسيس فوكوياما “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”** عام 1992، وعقيدة وولفويتز wolfowitz Doctrine حول السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة التي لم تكن مخصصا لنشرها لإطلاع الرأي العام، وتم تسريبها إلى صحيفة نيويورك تايمز في 7 مارس 1992، سبب في ظهور الاحتجاجات التي أدت إلى إعادة كتابة الوثيقة على عجل تحت إشراف دقيق‏‏ من وزير الدفاع الأمريكي‏‏ ديك تشيني ‏‏ورئيس هيئة الأركان المشتركة‏‏ كولن باول‏‏ قبل إصدارها رسميا في 16 أبريل 1992. عادت العديد من مبادئها إلى الظهور في‏‏ عقيدة بوش‏‏،‏‏ التي وصفها السيناتور ‏‏إدوارد كينيدي‏‏ بأنها “دعوة‏‏ للإمبريالية الأمريكية ‏‏في القرن الحادي والعشرين لا يمكن لأية دولة أخرى أن تقبلها”. من الويكيبيديا
نظرا للمؤهلات التي كان يتمتع بها أمبرتو إيكو باعتباره فيلسوفاً، وروائي، وكاتب مقالات، وتربوي، وكاتب سيناريو، ومترجم، وأستاذ جامعي وناقد أدبي، ومتخصص في الدراسات القروسطية، ومؤرخ، وهو أحد أهم النقاد اللادينيين في العام مكنته من وضع اليد على حقيقة حتمية “وجود عدو” في حياة الأفراد والأمم والامبراطوريات عندما يذكر بصراحة ووضوح: (إن وجود عدو أمر مهم ليس فقط لتحديد هويتنا ولكن أيضًا لتزويدنا بعائق نقيس نظام قيمنا عليه، وفي السعي للتغلب عليه، لإظهار قيمتنا الخاصة. لذلك عندما لا يكون هناك عدو، علينا اختراع واحد.)
يرى أمبرتو بأن زوال العدو، على حين غرة، يسبب إرباكا وحالة ضياع، عندما يذكر في محاضرته: (‏‏شاهد ما حدث في الولايات المتحدة عندما اختفت إمبراطورية الشر وتلاشى العدو السوفياتي الضخم. كانت الولايات المتحدة في خطر فقدان هويتها حتى قدم بن لادن رحمته بمد اليد الرحيم امتنانًا للفوائد التي حصل عليها عندما كان يقاتل ضد الاتحاد السوفيتي، وأعطى بوش الفرصة لخلق أعداء جدد، وتعزيز مشاعر الهوية الوطنية فضلا عن قوته.)
للإجابة على سؤال من هم الأعداء وما أدوارهم؟ يوضح أمبرتو: (يبدو أننا لا نستطيع تدبير الأمور بدون عدو. لا يمكن إلغاء شخصية العدو من سيرورات الحضارة. الحاجة طبيعية حتى لرجل سلام معتدل. في حالته، تتحول صورة العدو ببساطة من كائن بشري إلى قوة طبيعية أو اجتماعية تهددنا بطريقة ما ويجب هزيمتها، سواء كان ذلك استغلالًا رأسماليًا أو تلوثًا بيئيًا أو جوعًا في العالم الثالث. ولكن على الرغم من أن هذه قضايا “فاضلة”، إلا أن كراهية الظلم، كما يذكرنا بريشت، “تجعل الحاجب ينمو بشدة”. فهل يكون إحساسنا الأخلاقي عاجزًا عند مواجهة الحاجة القديمة للأعداء؟ أود أن أزعم أن الأخلاق لا تتدخل عندما نتظاهر بأنه ليس لدينا أعداء ولكن عندما نحاول فهمهم، لوضع أنفسنا في وضعهم.)
ويذكرأيضا:( يُنظر إلى العدو أحيانًا على أنه مختلف وقبيح لأنه ينتمي إلى طبقة أدنى …. ولذا نحن هنا لا نهتم كثيرًا بالظاهرة الطبيعية المتمثلة في تحديد العدو الذي يهددنا، ولكن مع عملية خلق العدو و شيطنته.)
يذكر أمبرتو بأن أسباب اعتبار طرف ما عدوا لاتعتمد فيما إذا يشكل تهديدا: (الأعداء يختلفون عنا ويراعون العادات التي ليست لنا….فمنذ البداية، غالبًا ما يكون الأشخاص الذين أصبحوا أعداءنا ليسوا أولئك الذين يهددوننا بشكل مباشر “كما كان الحال مع البرابرة”، ولكن أولئك الذين يهتم شخص ما بتصويرهم على أنهم تهديد حقيقي حتى عندما يكونون موجودون بيننا بدلاً من التهديد الحقيقي الذي يسلط الضوء على الطرق التي يختلف بها هؤلاء الأعداء عنا، يصبح الاختلاف بحد ذاته رمزًا لما نجده مهددًا.)
نستطيع أن نورد بعض الامثلة خلال التاريخ العراقي المعاصر على غرار ما حدث للبرابرة في أوروبا : ما حدث لليهود والمسيحيين وما حدث للعائلة الهاشمية في العراق تموز1958 بدون مبرر، عبد الكريم قاسم الذي تكالب عليه جميع الأطراف دون أن يكون له عداوة مع أحد، عبدالرجمن عارف لعدم ميله لسفك الدماء والعنف، عبدالرحمن البزاز الذي أراد إبعاد العسكريين عن الاستمرار بالإستئثار بالحكم، الأكراد الفيليين الشيعة، عبد الخالق إبراهيم السامرائي لعدم ميله للعدوانية وتواضعه وسعيه للارتقاء بحزب البعث كحزب مدني وإبعاده عن الفكر القومي الضيق في بلد متعدد الأقوام والمذاهب، حميد عثمان عندما شيطنته مجموعة حسين أحمد الموسوي ـ كريم أحمد الداود وتوابعهما، الخورشيديون المسالمون، ضحايا عمليات الانفال و الكيمياوي في حلبجة، المغيبين وضحايا الصراع الطائفي، و المتظاهرين الشباب الذين قتلوا أو اغتيلوا بالجملة في ساحة التحرير وفي مناطق سكناهم، خزائن الشعب العراقي وثرواته و ممتلكاته….. والحبل على الجرار كما يقولون.
بعد أن يذكر امبرتو أمثلة كثيرة موثقة في محاضرته حول موضوع ابتكار العدو منذ العصور الغابرة مرورا بالعصور الوسطى متنقلا في نهاية محاضرته إلى موضوع له علاقة بمستقبل البشرية جمعاء عندما يقول:
(لكن دعونا نكون واقعيين. هذه الطرق لفهم العدو هي من اختصاص الشعراء أو القديسين أو الخونة. إن دوافعنا العميقة من نوع آخر تمامًا. في عام 1967 نُشر تقرير من آيرون ماونتن حول إمكانية السلام واستحسانه في أمريكا من قبل “جون دو”، أشار أحدهم إلى أنه غالبريث. ومن الواضح كان كتيبا ضد الحرب، أو على الأقل رثاءً متشائما بشأن حتميتها. ولكن بما أننا، من أجل شن الحرب، نحتاج إلى عدو للقتال، فإن حتمية الحرب مرتبطة بحتمية تحديد العدو وخَلْقِه. وهكذا، في الكتيب تحذير بجدية بالغة، كون إعادة تحول المجتمع الأمريكي بأسره إلى حالة سلام ستكون كارثية، لأن الحرب وحدها هي التي توفر الأساس للتطور المتناغم للمجتمعات البشرية. توفر الهدر المنظم صمامًا ينظم الإدارة الفعالة للمجتمع. تَحُل مشكلة الإمدادات. إنها قوة دافعة. الحرب تُمَكِنْ المجتمع من التعرف على نفسه على أنه “أمة”؛ لا تستطيع الحكومة أن تؤسس حتى مجال شرعيتها الخاصة دون وجود حرب؛ فقط الحرب تضمن التوازن بين الطبقات، وتجعل من الممكن تحديد واستغلال العناصر المعادية للمجتمع. السلام ينتج عدم الاستقرار والانحراف بين الشباب. قنوات الحرب تجمع جميع القوى التخريبية بأفضل طريقة ممكنة، مما تمنحها “مكانة”. الجيش هو الأمل الأخير للمنبوذين وغير الأسوياء. إن نظام الحرب وحده، بسلطته على الحياة والموت، يدفع الناس إلى دفع ثمن الدم للمؤسسات الأقل مركزية في التنظيم الاجتماعي من الحرب، مثل السيارات. من وجهة النظر البيئية، توفر الحرب صمام لتحرير الأرواح الزائدة؛ ومع ذلك، حتى القرن التاسع عشر، قُتل في الحروب أفراد المجتمع الأكثر شجاعة (الجنود) فقط بينما نجا أعضاء لا قيمة لهم، جعلت التكنولوجيا الحالية من الممكن التغلب على هذه المشكلة بقصف المراكز الحضرية. يحد القصف من الازدهار السكاني بشكل أفضل من طقوس قتل الأطفال، والرهبنة، والتشويه الجنسي، والاستخدام المكثف لعقوبة الإعدام. . . تتيح الحرب، أخيرًا، تطوير فن “إنساني” حقيقي تسود فيه المواقف المتضاربة. إذا كان الأمر كذلك، فإن تربية العدو يجب أن تكون مكثفة ومتواصلة.)
كما وينقلنا أمبرتو إلى جانب أخر للموضوع عندما يقول: (نحن نشهد الخوف الذي يمكن أن ينجم عن التدفقات الجديدة للمهاجرين. في إيطاليا اليوم، يُصوَّر الرومانيون على أنهم أعداء من خلال توسيع ثقافة عرقية كاملة لخصائص عدد قليل من أعضائها المهمشين، وبالتالي توفير كبش فداء مثالي لمجتمع محاصر في التغيير – بما في ذلك التغيير العرقي – لم يعد قادرة على التعرف على نفسها.
يقدم سارتر الرؤية الأكثر تشاؤماً في هذا الصدد في No Exit. لا يمكننا التعرف على أنفسنا إلا في وجود الآخر، وعلى هذا تستند قواعد التعايش والخضوع. لكن من الأرجح أننا نجد هذا الآخر غير محتمل لأنه إلى حد ما ليس نحن. بهذه الطريقة، من خلال اختزاله إلى عدو، نخلق جحيمنا على الأرض. عندما حبس سارتر ثلاثة أشخاص ماتوا، ولم يعرفوا بعضهم البعض في الحياة، في غرفة نوم بالفندق، أدرك أحدهم الحقيقة المروعة: “انتظر! سترى كم هو بسيط. بسيط بشكل طفولي. من الواضح أنه لا توجد أي عذابات جسدية. أنت توافق، أليس كذلك؟ ومع ذلك، نحن في الجحيم. ولن يأتي أي شخص آخر إلى هنا. سنبقى في هذه الغرفة، نحن الثلاثة، إلى الأبد وإلى الأبد. . .
باختصار، هناك شخص غائب هنا، الجلاد الرسمي. . . من الواضح ما يسعون إليه – هو اقتصاد القوى العاملة. . . كل واحد منا سيعذب الاثنين الآخرين “)
(يتبع)
الهوامش:

  • يمكن قراءة ترجمة المحاضرة من الإنجليزية إلى العربية على الرابط:
    https://docs.google.com/document/d/15cckX8cCZotYw5vuzTnls63YKc_fZg0i5ok_wrXBHvs/edit
    ** نهاية التاريخ والإنسان الأخير، هو كتابٌ فَلسَفيٌّ اِجْتماعيِّ، غيرُ روائيِّ، من تأليف العَالِمِ والفيلسوف السياسي الأميركي فرانسيس فوكوياما. نَشَرت في صيف 1989 مجلة ناشيونال إنترست مقالاً بعنوان نهاية التاريخ؟ وأُطْروحَتهُ الأساسيَّة أن الديمقراطيَّة الليبراليَّة بقِيَمها عن الحرية الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، تُشَكِّلُ مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية. بِغَضِّ النَظَر عن كيفية تجلي هذه المبادئ في مجتمعاتٍ مختلفة. نهاية التاريخ لا تعني توقف الأحداث أو العَالَم عن الوجود، ولا تقترح تلقائية تبني كافة مجتمعات العالم للديمقراطية، المقصود وجود إجماع عند معظم الناس بصلاحية وشرعية الديمقراطية الليبرالية، أي انتصارها على صعيد الأفكار والمبادئ، لعدم وجود بديل يستطيع تحقيق نتائج أفضل. وعلى المدى البعيد، سوف تغلب هذه المبادئ وهناك أسبابٌ للإيمان بذلك. سائراً على خطى الفيلسوف الألماني جورج هيغل، استعمل فرانسيس الجدلية باعتبارها قوةً دافعة خلف حركة التاريخ البشري. هذا التاريخ ليس مُجرَّد سجلٍ للأحداث بل عمليةٌ ارتقاءٍ متواصلةٍ للفِكْرِ البشري. لهذا الارتقاء مُحركان: العلم الطبيعي الحديث، والنضال من أجل الاعتراف. وناقش كيفية تجلي هذا النضال في مجالات الثقافة، السياسة الدولية، الأخلاقيات، الدين، القومية، والعمل. الإنسان الأخير هو تحليل مرحلة ما بعد الاعتراف والانتهاء المفترض للجدلية، إنسان ما بعد الحداثة وما بعد الإنسانية.
    صدر الكتاب عام 1992 وأثار ضجة كبيرة، وكان سبباً لاستحقاق شهرة فوكوياما. تنوعت انطباعات النقاد بشأن محتواه، المحتفون رَأَوْا أنَّ فوكوياما لم يكتفي بتأكيد انتصار الليبرالية بل قدم المعنى خلف هذا النصر، بينما رأى آخرون أنه مُجرَّد انتصاريةٍ ليبرالية بعد الحرب الباردة، وما بين الموقفين مجالٌ واسعٌ من الآراء والمراجعات. (مقتبس من الويكيبيديا)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى