تعاليق حرةتقاريرتقارير وأخبار

خواطر رمضانية (1) (الإلهام)

رشيد مصباح (فوزي)

في أوقات استثنائيّة وفريدة، مثلما هو الأمر في شهر الصيّام رمضان، يتنزّل على الإنسان فيها نوع من الإلهام وتأتيه خواطر تحفّز عقله فينظر إلى الأشياء بطريقة غير عادية، فيها نوع من الحكمة والذكاء. حتّى إنّه يغدو مستغربا ما يقع في نفسه من حكم وعبر وخواطر وأفكار. ولستُ أدري إن مثل هذا الأمر حكرا على فئة معيّنة من النّاس، ولكن ما أعلمه هو أن بعض القامات الفكرية والكتاب والأدباء الكبار من أمثال (همنغواي) و(بيير داكو) و(نجيب محفوظ) وغيرهم… كانوا يستغلّون هذه الفرصة في تدوين الأفكار التي تخطر على بالهم خلال تلك اللّحظات الفريدة.

الكاتب (ياسمين خضرة) حين سأله الصحفي عن سر نجاحه، أسرّ بإنّه كان يدوّن الأفكار التي تأتيه في العمل، حين كان في الخدمة وهو بالبدلة العسكرية.. وهو في السّرير، بعد نهاية فترة العمل.. ومن قطرة لقطرة.. ومن فكرة لفكرة.. وجد نفسه – كما يقول – أمام نصوص مفعمة بالحكم و بالمعاني.. بل أمام مؤلّفات تُوّج من خلالها بجوائز.

ولمّا كان لا بد من محفّز قد يتمثّل في مناسبة ما.. أو مشهد من المشاهد تترك في النفس انطباعا.. أو شخص ترتاح له… ففي هذا اليوم و بعد صلاة الجمعة، كان عليّ أن انتظر وقتا طويلا ريثما ينتهي الازدحام والتدافع؛ المشهد الذي تعوّدنا عليه في كل مناسبة رمضان، وليته يكون كذلك في غيره من الشهور والأوقات، وليس في هذا الشهر الكريم فحسب؛ وقد ذكّرني مشهد المصلين وهم يتدافعون بطريقة لا نراها إلّـا في الأسواق العشوائيّة، مظاهر تجسّد حالة المسلمين في هذا الزمان الأخير، وذكّرني المشهد كذلك بمقولة لرئيسة وزراء إسرائيل (جولدا مائير)، عندما حذّروها من حرب قادمة ينتصر فيها المسلمون على اليهود فردّت عليهم بقولها: ((أعرف ذلك، ولكن هؤلاء المسلمين ليسوا من نراهم الآن، ولن يتحقق ذلك إلا إذا رأينا المصلين في صلاة الفجر مثلما يكونون في صلاة الجمعة))..

واستحضرتُ المثل الفرنسي الذي يقول: [Rien ne sert de courir ; il faut partir à point]

وقلتُ أتريّثُ قليلا فلا فائدة من التسرّع على الرّغم من أن ذلك فيه تضييع لبعض المصالح سيّما ونحن في الزّوال. ولا أخفي عليكم إن قلتُ لكم إنّني قد وجدتُ في هذا الأنتظار فرصة للجلوس مع أحد المصلين وصديق خلوق وطموح جرى بيننا كلام، وسألته عن رسالة الدكتوراة التي لطالما شغلت باله، فقال والأسف يملأ قلبه إنّه أصبح أصبح صعب المنال. ولأسباب عديدة منها خاصّة قلّة المناصب ومعها الحاجة: قلّة ذات اليد .

ثم سألني بدوره عن صديق لنا لم نعد نراه؟

فكان ردّي له: إن صديقنا هذا صاحب الكاريزما الربّانية طال غيابه وقلّت أخباره وترك لنا من ورائه فراغا لا يملؤه أحد. وعن الفراغ الذي تركه صاحبنا هذا، استرسلتُ في الحديث، ولستُ أدري كيف جاءت الفكرة بطريقة عفوية فقلتُ له: كل فرد في المجتمع لديه كاريزما خاصّة تميّزه، وتجعله مهمّا في المكان الذي هو فيه، بكل العيوب والمساوئ التي فيه. فالمجتمع لا يُبنى بلون واحد ولكن بالتنوّع واختلاف الألوان. ولكل واحد منّا مكانته الخاصّة، و دوره الذي يؤدّيه، لا يعوّضه في ذلك أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى