
ما هو نظام Mercantilism
محمد رضا عباس
تكررت عبارة ميركانيتلية على لسان المحللين الاقتصادين كثيرا بعد دخول الرئيس دونالد ترامب المرة الثانية البيت الأبيض واعلانه عن فرض ضرائب جمركية على الاستيرادات القادمة من الدول الصديقة وغير الصديقة , فاين ظهر هذا النظام ومتى وما هي فلسفته , ولماذا لم يمت رغم طول عمره.
هذا النظام الاقتصادي يدعو الى تشجيع الصادرات و تقليص حجم الاستيرادات قدر الإمكان . أي يشجع المصدرين بتصدير بضاعتهم بالحد الأقصى وبنفس الوقت يضع العراقيل امام الاستيرادات , والغاية منه هو تعزيز الميزان التجاري حتى يكون في حالة فائض .
ولد هذا النظام في اروبا وبقى يعمل به بين القرن الخامس عشر والثامن عشر .
لماذا ظهر هذا النظام في أوروبا وفي ذلك الوقت ؟ من المعروف ان أوروبا كانت هي القوة العظمى في العالم , ولكن حتى تكون كذلك يجب ان تملك الثروة , وكان رمز الثروة هي امتلاك الذهب والفضة . من يملك هاذين المعدنيين يستطع ان يسود العالم .
ومن اجل الاستحواذ على اكبر قدر من المعدنين الثمنين كان الاعتماد على التجارة الخارجية , ولكن زيادة حجم الصادرات على حساب الاستيرادات , لدعم المزارعين والصناعيين والعمال المحليين على حساب غيرهم من الدول . تستطيع القول انها كانت سياسية قومية او شعبوية , الاهتمام بازدهار ورخاء مواطنيهم على حساب مواطنين اخرين من غير بناء بلدهم , وهي سياسة خلقت خلافات حادة بين دول أوروبا وحروب طمعا بالموارد الطبيعية.
اما الأسس الذي بنا عليه هذا النظام , فيمكن اختصاره بما يلي:
- كان هناك اعتقاد بان ثروة الأمم هي ما تملكه الامة من معادن ثمينة , وطالما وان أوروبا لا تملك المناجم لهذه المعادن الثمينة , فيجب جلبها من الخارج . لقد نظر الاوربيين على ان الثروة في بلدانهم لا يمكن نموها بدون إضافة ثروات أمم أخرى حتى تنعم شعوبهم بالرخاء و القوة لجيشهم .
- كما ذكرت ان الذهب والفضة كانا يعتبران عنوان الرخاء الاقتصادي والقوة , فمن يملك الذهب يستطع زيادة حجم جيوشه , تمويل حملات الاكتشافات عبر البحار وتوسيع الامبراطوريات , والاستحواذ على المواد الأولية في مناطق العالم . ومن لم يملك المعدن الثمين فان طريقه الانحدار والتلاشي.
- ان الفائض التجاري ( زيادة الصادرات على الواردات) يعني قدرة البلد على اكتناز الذهب والفضة , وان هذا الخزين من الذهب هو القوة القادرة على تمويل الجيوش و حماية الايدي العاملة من البطالة او الفقر.
- من نتائج هذا المبدئ كان الاستعمار والاستحواذ على ثروات الشعوب. اوروبا استولت على مناطق كثيرة في العالم من اجل السيطرة على خيراتها و استخدامها لدعم اقتصادها , و بناء قوة عسكرية كبيرة لحماية امنها القومي. لقد وصل الامر الى منع قادة المستعمرات التصرف في خيرات مناطقهم وعدم السماح تصديرها الى دول أخرى.
على سبيل المثال , بريطانيا لم تملك الموارد الطبيعية من اجل استخدامها في مصانعها , فما عليها الا اصدار قوانين بمنع الدول المستعمرة بالتصرف بثرواتها , ومنعها شراء غير البضائع الإنكليزية فقط . قانون السكر 1764 فرض ضرائب باهظة على استيراد المستعمرات السكر ودبس السكر , من اجل ان تعطي منتج السكر الإنكليزي فرصة المنافسة اما السكر المصنوع خارج بريطانيا. اما قانون الملاحة الصادر عام 1651 فقد منع المستعمرات باستخدام بواخر شحن أجنبية , غير الإنكليزية بنقل بضائعهم الى العالم الخارجي .
مات ولم يمت هذا النظام . لقد مات رسميا , حيث اصبح من غير المعقول ان تنادي دولة معينة بهذا النظام الجائر , إضافة الى ذلك اصبح رمز الثروة هو ليس الذهب ولا الفضة وانما القوة الاقتصادية والثقة بالاقتصاد , كما وان البنوك المركزية أصبحت لا تحتاج الى الذهب والفضة لإصدار عملاتها . لقد مات هذا النظام وأصبحت العملات المحلية لا تدعم بحجم الذهب في مخازن بنوكها المركزية .
ولكن , النظام ما زال يستخدم بين الحين والأخر بدعوة حماية انتاج البلد كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان بعد الحرب العالمية الثانية , او عرض البضائع بأسعار تنافسية من اجل الاستحواذ على الاسواق الخارجية, او حماية صناعة محلية معينة من المنافسة الخارجية كما فعلت إدارة ترامب الأولى مع الصلب والالمنيوم , وضد الصين والمكسيك و كندا في إدارة ترامب الثانية.