ضريبة الخروج عن الجماعة والارتماء في أحضان الغير

——-
*
رشيد مصباح(فوزي)
الجزائر
*
الرب هو من خلق الاختلاف، ولو شاء لجعل الناس كلهم على شاكلة واحدة وشجيّة واحدة. [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ]. وكذلك هو الشأن بالنسبة لمسألة الأذواق، فلكلٍّ ذوقه الخاص، يتميّز به عن غيره؛ في الملبس و المأكل والشّراب، ومنّا من يفضّل رشيقة القوام، ومن يبجّل الضخمة البدينة.. وكذلك الرّأي بالنسبة للأنثى.
من هنا بدأ الاختلاف، وهذا أمر طبيعي. ولكن المشكلة لا تكمن في الاختلاف بحد ذاته، بل في فئة معيّنة من النّاس لا يتقبّلون الرّأي إذا كان صاحبه مخالفا لهم. والأدهى و الأمر من كل ذلك، إن من بين هؤلاء المتشدّدين أشخاص متعلّمين، وآخرين محسوبين على الطبقة المثقّفة التي لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يغيب عنهم مثل هذا. ومع ذلك، يتعنّتون ويتعصّبون ويتمنّعون… حتى وإن كانوا مخطئين.
كما وقد أدّى بهؤلاء المعاندين المكابرين في بعض الأحيان، إلى التطاول على كل من يخالفهم الرّأي؛ خاصّة في المسائل الإيمانية والدّينيّة: وكأنّهم (يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) -الآية- لكن الشيء الذي لا يمكن استساغته هو استخدام أنواع الكلام ”الخادش“ و”الجارح“ بالاضافة إلى التّخوين… وعبارات لا ترقى إلى مستوى النّقاش.
وهذا يعيدنا إلى زمن القرون الوسطى: ”الكنيسة وصكوك الغفران“؛ والشعوب الأوروبية التي لم تتحرّر من ربقة الجهل والعبودية إلّـا بعد تخلّصها من الذهنية المتمثّلة في ”الولاء الأعمى“، الذي ظلّ مسيطرا على العقول طيلة عقود.
فتوى الحرب أو الجهاد ليست مجرّد كلمة بإمكان أيّ من كان التفوّه بها لما يترتّب عنها من آثار وخيمة. وقد تجد من يستخف بالعدو وهو أقوى منه عدّة وعتاد، وهو ما يستوجب عدم التسرّع في اتّخاذ قرار الحرب، ودراسة العواقب بكل حيطة وحذر. وصاحب هذا القرار قد لا يُلام على قراره ذلك لأنّنا لا نعلم عن طبيعة الظروف التي هو فيها، بل اللّوم كل اللّوم يقع على الذي يجلس في منبره العاجي، أو في قاعة من القاعات المكيّفة وهو يدخّن سيجارة باهظة الثّمن.. ويمنع النّاس من الكلام، ويُكيلهم أنواع الشتائم والتّهم.
لقد حدث ما حدث في غزّة، ونرى الآن حجم الدّمار الذي خلّفته الحرب، ولنكن صريحين مع أنفسنا و لنطرح السؤال الذي، لا مناص من طرحه ولا مفر، بكل صدق وإخلاص، إذا كان قد تبقّى شيء من الصدق و الإخلاص في هذه الحياة: – هل أدرك الآن المؤيّدون لما قامت به فصائل المقاومة في غزّة خطورة الخروج عن الجماعة والارتماء في أحضان الغير، خاصّة إذا كان هذا الغير يستخدم ”التقيّة“ كقناع للتآمر؟
وأعلم أن مثل هذا الكلام مزعج للمتزمّتين الظلاميين، كما أنّه قد لا يروق لبعض السذّج المغفّلين الذين يتفاعلون مع الأحداث بعواطف عمياء. بينما في السياسة الأمور لا تسير على هذا النحو. وللدين رأي آخر كذلك؛ وهناك قاعدة تقول: ”درء المفاسد أولى من جلب المصالح“. و القضايا الخطيرة مثل مسألة الحرب أو الجهاد ليست مجرّد كلام يصدر من شخص بعينه، مهما كانت درجة إيمانه وكفاءته. لأن الأمر يتعلّق بشعب، ودين، وأمّة.
لقد تركتْ هذه الحرب أضرارا وخيمة؛ منها الماديّة، كدمار البُنى التحتية.. وإزهاق الأرواح البريئة. ومنها المعنوية؛ المتمثّلة في انقسام الصفوف الذي لا يمكن رأبَه. وهذا منتهى الغاية بالنسبة للصّهاينة من اليهود و ”الفرس المجوس“ حلفائهم وأعدائنا التّاريخيين.