أحوال عربية

شرعية المقاومة والتباس ممارستها

إبراهيم ابراش

شرعية المقاومة والتباس ممارستها

(أحداث مخيمات الضفة نموذجا)

كم يحز في النفس ويُوجع القلب أن تنتقد أو تشكك في نوايا جماعة تقاتل الاحتلال، خصوصاً في ظل حرب الإبادة الحالية وجرائم الاحتلال غير المسبوقة تاريخياً.

مثلاً في حالة نقدك لممارسات حماس وبقية الفصائل في القطاع وادارتها للحرب وما تتسبب به من خراب ودمار، أو انتقادك للجماعات المسلحة في مخيمات الضفة ستجد من يقول لك ما هو بديل المقاومة المسلحة عندك وعند المنظمة والسلطة التي تتصدى للمقاومين في مخيمات الضفة؟

حتى مع افتراض عدم وجود استراتيجية وطنية أو أي عمل منظم لمواجهة الاحتلال ،مع أن العمل على صمود الشعب وثباته على أرضه هو بحد ذاته استراتيجية وطنية في هذه المرحلة، فهذا لا يعني أن كل من يحمل سلاحا ويقول إنه يقاتل الاحتلال على صواب ومنزه عن الخطأ ويجب الوقوف معه، دون البحث والتدقيق في مصدر تسليحه وتمويله وكيف وصل له السلاح وهدف من جنده، والجدوى والمصلحة الوطنية من وراء تفرده بمقاومة الاحتلال؟

فليس كل من حمل سلاحا وقال عن نفسه إنه مقاتل من أجل فلسطين هو كذلك، نفس الأمر لمن حمل سلاحاَ وقال إنه يجاهد طلباً للشهادة، فهذه لها سياقات وحسابات أخرى؟ ولنا في تجربة الجماعات المسلحة في العالم وما يجري في وقتنا الحالي في العالم العربي خير دليل.

أحيانا قد تُسيء مقاومة (المقاومين) و(المجاهدين) لمبدأ المقاومة وشرعيتها، وتقطع الطريق على أشكال أخرى من المقاومة قد تكون أكثر جدوى من المقاومة المسلحة في هذا الوقت.

مثلا نلاحظ أن المواجهات والتوتر الأمني بين المجموعات المسلحة وقوى الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية تتركز في المخيمات كما يجري في مخيم جنين، والسؤال لماذا الجهات التي تقف وراء هذه المجموعات المسلحة سواء كانوا قادة حماس والجهاد أو الجهات الخارجية يجندون شباب المخيمات تحديدا؟ ولماذا تستهدف إسرائيل المخيمات أكثر من غيرها؟

هل السبب يكمن في تفشي البطالة والفقر في المخيمات أكثر من القرى والمدن؟! أو لأن سكان المخيمات أكثر وطنية من بقية سكان الضفة؟! أم أن هناك علاقة بين ما يجري في المخيمات وخطة سموترتش والحكومة اليمينية بضم الضفة الغربية مما يتطلب تصفية قضية اللاجئين وتهجير سكان الضفة للأردن؟

أيضا يمكن أن نتساءل لماذا تُصعد حماس والجهاد عسكرياً في الضفة بعد ما تسببوا فيه من موت ودمار في قطاع غزة وفشلهم في معركة الطوفان؟ وهل من علاقة بين التصعيد في الضفة وموافقة حماس على صفقة هدنة ومطالبتها بوقف الحرب على جبهة قطاع غزة؟

ولنفترض أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية سكتت عن المسلحين فهل ستسكت عنهم إسرائيل؟ وماذا يريد المسلحون في نهاية المطاف وهل يستطيعون تحرير فلسطين أو منع الاستيطان وتعديات المستوطنين؟ أم سيكون مصير الضفة وخصوصا المخيمات نفس مصير قطاع غزة؟

حتى لا تتكرر تجربة غزة في الضفة

حركتا حماس والجهاد قادتا المقاومة المسلحة في قطاع غزة معتمدتين على ما يُسمى محور المقاومة ووحدة الساحات بدون استراتيجية وطنية للمقاومة وبعيداً عن الإجماع الوطني، وكانت النتيجة ما لحق بالقطاع من دمار شامل وموت بعشرات آلاف المواطنين وشبح التهجير وإعادة الاستيطان يحوم فوق الرؤوس.

فهل ستكرر هاتان الحركتان التجربة في الضفة بعد انهيار محور المقاومة وانكشاف مخططات العدو في الضفة؟ وما الهدف أو النصر الذي يسعى لتحقيقه حَملة السلاح في الضفة سوى أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه في القطاع؟

هذا الالتباس في مفهوم المقاومة وممارستها والموقف من الجماعات المسلحة والمقاومة المسلحة عموما نجده أيضا عند

منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح وبقية الفصائل المنضوية في المنظمة أيضا عند الشخصيات المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات الشعبية، حيث لا يوجد موقف واضح.

هذه الميوعة في المواقف تجاه قضية خطيرة تمس حاضر ومستقبل القضية الوطنية تجعل الشعب حائرا وغير متأكد ما إن كانت هذه المجموعات المسلحة جماعات مقاومة مشروعة تقاتل الاحتلال وتحمي الوطن أم أشخاص خارجين على القانون؟

أين حركة فتح مما يجري في مخيمات الضفة الغربية؟

وإن كنت أميل لرواية السلطة عما يجري في مخيمات الضفة بأنها حملة ضد الخارجين عن القانون ومع تأييدي لشعار سلطة واحدة وسلاح واحد حتى لا تنزلق الأمور في الضفة الى ما آلت له في قطاع غزة إلا أن هناك كثيراً من التساؤلات تدور في ذهني وقد يشاركني فيها كثيرون ذلك أن أحداث مخيمات الضفة ووجود مسلحين يقولون إنهم جماعات مقاومة وخصوصاً في مخيم جنين ومخيم نابلس ليست وليدة اليوم وكلنا نتذكر أن أكبر مواجهة حدثت عند الاجتياح الإسرائيلي للضفة في مارس ٢٠٠٢ كانت في مخيم جنين وقادها البطل الشهيد فتحاوي الأصل يوسف ريحان المُلقب أبو جندل، كما تواصل وجود هذه الجماعات طوال سنوات وأحياناً كان لحركة فتح وكتائب شهداء الأقصى حضورا في هذه المجموعات. فكيف نمت وترعرعت هذه المجموعات المسلحة والتي كان لها جولات من المواجهة مع الاحتلال واستشهد منها وأُسر كثيرون؟ وهل يستقيم القول بأن قوات الأمن تطارد أشخاصاً مطلوبين للقانون فيما عدد هؤلاء يصل للمئات ويملكون أسلحة متنوعة غير موجود مثلها عند الأجهزة الأمنية ولهم حاضنة شعبية لا يمكن إنكارها؟ وكيف لِحملة ضد خارجين عن القانون تستمر لأيام وأسابيع؟

واذا كان الأمر يتعلق بمواجهة بين قوات السلطة وخارجين عن القانون فأين فصائل منظمة التحرير وخصوصاً حركة فتح مما يجري وخصوصا أن نشأة حركة فتح الأولى كانت في المخيمات وغالبية قادتها من اللاجئين، والسلطة محسوبة على حركة فتح وتلفزيون فلسطين وكل المنظومة الإعلامية أيضا محسوبة على حركة فتح، ولو تواجد في كل مخيم قائد فتحاوي بكل ما تحمله كلمة قائد من معنى ربما أختلف المشهد؟ وإذا خسرت حركة فتح حضورها وشعبيتها في المخيمات فلا نعتقد أن شعبيتها وحضورها خارج المخيمات أفضل حالا.

يجب الاعتراف بوجود خلل كبير في علاقة السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح مع سكان المخيمات ومع الشعب بشكل عام، قد يكون خللاً في التثقيف السياسي وفي وسائل إعلام السلطة وفي الخطاب الرسمي، وقد يكون خللاً في النهج السياسي وفي الطبقة السياسية.

المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي فحتى لو تم القضاء على هذه المجموعات الموجودة اليوم فقد تعود مجددا وربما بقوة أكبر إن لم يتم معالجة المسائل الأخرى التي أشرنا لها.

نعم الضفة والقدس وحتى كل فلسطين أراضي محتلة وحرب غزة كشفت أن دولة إسرائيل هي الأكثر إرهابا وجيشها الأكثر قذارة واجراما في العالم وبالتالي المقاومة حق مشروع لشعب فلسطين ولكن المقاومة دون استراتيجية وطنية وتوافق وطني على شكل ممارستها وتوقيته يحولها لعمل ارتجالي يسمح للعدو التفرد بأي مجموعة مقاومة وتصفيتها بل واستغلال أعمالها لتنفيذ مخططات تضر بكل الشعب، وبعد ما جرى في قطاع غزة وانكشاف مخططات العدو في ضم الضفة أو اجزاءَ منها يصبح تعزيز صمود الناس في مدنهم وقراهم ومخيماتهم أرقى وأسمى أشكال المقاومة تحديدا في هذا الوقت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى