التربية النفسية في الاسلام
الإسلام دين الفطرة السليمة
جاء الإسلام متجاوبا مع فطرة الإنسان، منسجما مع خصائص النفس البشرية ، منهج رباني متكامل شامل، منهج يراعي حاجيات الإنسان، يبدأ هذا الاهتمام بأدق تفاصيل حياته ، فيتناول الأسرة كخلية أولى للمجتمع ، فأكد على أن الزواج شرط أساسي لبناء هذا الكيان الحصين ، ثم سن له شروط حماية ، وحصنه بواجبات وحقوق، وجعل أساس هذا البناء الألفة و المودة ، ومعرفة الفضل.
ومن أهم الحاجيات التي أولاها عناية كبيرة ؛ التنشئة النفسية، لهذا كان الإنسان الهدف الأول في محطة الإعداد ، والتكوين والإرشاد والتوجيه ، وكان الزواج غاية سامية وفر لها كل أسباب النجاح .
وفي هذا الصدد سأحاول الإشارة إلى بعض أساليب التربية النفسية في الإسلام بشيء من الإيجاز والتبسيط .
تعميق عقيدة القضاء والقدر
انتهج الإسلام في التربية تعميق معاني الإيمان ؛ فربى أتباعه على عقيدة القضاء و القدر، لتكون للمسلم حياة يملأها الرضا ، رضا يبعث في نفسه الراحة النفسية ، ويدفع به الهواجس والقلق، والحاجة للناس ، كما يدفع به المصائب النازلة ، ويدفع به كل العوارض التي تقع في حياته ، يدفعها بالأسباب دفعا؛ يرافقه تسليم بالقضاء والقدر، يقبله في غير سخط أو قنوط . يكفي المسلم استرشادا بهذا الحديث النبوي التعليمي من كتاب الأربعين نووية . عَن أَبِي العبَّاسِ عبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- قالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، فَقَالَ: ((يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)). رواه التِّرمذيُّ، وقالَ: (حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ).
غرس قيم الصبر والاحتساب :
كما يربي الإسلام أتباعه على الصبر والاحتساب ، فالصبر مدرسة فيها يتعلم المسلم كيف يحبس النفس عن الجزع والحيرة والفزع، ومن خلاله يواجه الأحوال الضاغطة بقوة تحمل ، تحول النفس الضعيفة المستسلمة لنفس قوية، لها القدرة على مواجهة الضربات، و لأنه يعلم أن الأمور كلها بأمر الله تعالى . يقول الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأنعام:17). و العجيب أننا حين نقف عند آيات القرآن الكريم تسلي أرواحنا بتلك الومضات النورانية ترسم لنا ملامح المؤمن المستحق للجائزة الربانية يقول عز من قائل: ((وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً)) ((أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاماً)) ((سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)).
غرس ثقافة الأمل في النفوس
ويربي الإسلام أتباعه أيضا على عقيدة الأمل الذي به يتحرر المؤمن من القنوط و اليأس المنافي للإيمان، لأن حال المؤمن دائما بين يسر وضيق.، و بين حزن وفرج ، وبين مصيبة و فرج. والمسلم في تلك الأحوال يعلم أن الأمور كلما ضاقت حلقاتها، لاحت تباشير الفرج ، وكلما استحكم الضيق حل الاتساع
وإذا مرض أيقن أن “ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء” ولهذا قال إبراهيم عليه السلام : الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء:( 78- 80).
ولهذا وجدنا الأنبياء و الرسل عليهم السلام أكثر الناس استحضارا للأمل ، الأبعد عن اليأس و القنوط ، و قد أشار القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام إلى صور الأمراض النفسية المصاحبة لعوارض الحياة و همومها ، و كيفية علاجها يكفي القاري العودة إليها ليستخلص عبرها المفيدة قال يعقوب عليه السلام لأبنائه: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف:87).
قال الشاعر
: ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً
وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت
وكنت أظنها لا تفرج
التدرب العطاء والعمل :
ومن الأساليب التي يربي الإسلام بها أتباعه ؛ العطاء والعمل ، يربي أتباعه على الحركة و الدفع فالهموم والأحزان والمصائب النازلة يمكن صرفها بالإيمان و العمل، فمن خلالهما يتطلع المسلم للمستقبل بعيون الأمل ، فيبذل الجهد والوقت في النفع العام، يصرف نفسه عن بواعث القلق والضجر، يملأ القلب بالإيجابية ومشاعره بالطمأنينة، يصرف نفسه عن كل منغصات الحياة و هي كثيرة ، يصرف نفسه عن السلبية القاتلة ، يملأ فراغه بالأعمال النافعة وهي كثيرة، فيستغل كل لحظة من عمرنا القصير في الأعمال المنتجة ، يبذل الجهد في القيام بالواجبات كثيرة، فقد قيل في الأمثال: ( الهم مضيعة للوقت مدعاة للكسل) . فعلينا أن نعيش الواقع كما هو، بحلوه و مره ، نعيش حياتنا بالعطاء
وختاما فكلما كان المسلم ملتزما بدينه متحصنا بكتابه مستنا بسنة نبيه كان أكثر اطمئنانا وراحة يواجه الأقدار بالرضا، يدفع المصائب بالأسباب، يدفعها بالقرب من الله تعالى
الأستاذ حشاني زغيدي