لماذا هُزمنا في قراءة تاريخنا
سليم النجار
تتعدد أشكال وأنماط أسئلة الهزيمة العربية ودراستها وتحليلها. وفي كل عصر عربي تبرز اتجاهات وتيارات تدَّعي، أو يسعى كل منها إلى إدّعاء، أنه أجدر بالاهتمام وأكفأ من غيره في البحث عن أجوبة أسئلة الهزيمة وتحليلها وقراءتها. ومع الزمان- قد يطول وقد يقصر- يتضح أن كل ما قيل عن كفاءة الأسئلة وصلاحية الأجوبة يؤول إلى التراجع، بهيمنة إبدالات أو تصوّرات جديدة تحل محل تلك القديمة، وتسيطر بدورها ردحاً من الزمان، حتى تظهر اتجاهات أخرى، وهكذا دواليك.
لكن البُعد السجالي الذي يدخل فيه الاتجاه الجديد تتجلى صورته بشكل قبيح، لماذا هُزمنا في قراءة تاريخنا بعيداً عن الهوى؟ نجد مستنده الأساس في كونه يريد فرض مسلماته وفرضياته على السائد، باحثاً له عن موقع يميّزه ويهبه الحصافة ويبوّئه المكانة التي ينشدها.
وهو لكي يعثر له على موطئ قدم يُثبِّت من خلالها مشروعيته؛ يبحث عن تاريخ قريب أو بعيد يدرج نفسه في نطاقه، ويسعى إلى تأكيد أنه جاء تطويراً له، واسهاماً في تشكيله بكيفية مغايرة.
عندما نتأمل جيدا، وقلما نفعل ذلك، وتأتينا الإجابة على السؤال الذي طرحناه قبل قليل: هل أخفقنا في قراءة تاريخنا المعاصر لأننا لم ندرك أننا كنا ضحايا الصراع بين الإمبرطورية العثمانية المتهالكة وأوروبا الصاعدة؟
وفق هذا التصور: هل أدركنا ان السياسة علم، ونشاط ثقافي ومعرفي ينشغل في الواقع الإجتماعي باعتباره نشاطا ثقافيا إنسانياً؟
وبهذه الرؤية أليس اختلاط علم السياسة عندنا في دهاليز الكذب والتفنن في صناعة منظومة اجتماعية ثقافية قائمة عليه؟
ومن المفارقات الساخرة، أنَّ السرديات الاجتماعية في عالمنا العربي عندما تحاكي أوضاعنا المزرية، تغفل عن قصد الصراعات المثقلة بأوهام الماضي والإضطرابات والتوترات بين الهويات الثقافية السياسية المنتشرة في عالمنا العربي- كالفطر- التي بدورها أرست فرضيات جديدة لقراءة هزائمنا المتكررة، أولها أن الزمن ينظرنا على أحرّ من الجمر، وأن استخدام العقل جريمة يحاسب عليها القانون، والمصبية إذا حاول هذا العقل أن يشتغل وهذا نادراً ما يحصل؛ يصبح عقل أرشيفي وانتقائي وتبعي، وعند أي محاولة للإجابة أو البحث في هذه العلّة المزمنة للعقل العربي، يبرز سؤال استعراضي: لماذا نحن متخلفون؟ قد تجد أراء مختلفة ومتناحرة للإجابة على هذا السؤال الاستعراضي، لكن يبقى السؤال المعلّق لماذا العقل العربي خامل؟ العقل القائم على وعي تأويلي وإختزالي وانتقائي. ونتناسى أننا في الألفية الثالثة، وما تطرحها من أسئلة معقدة تداهم حياة الإنسان العربي وتحشر مفهوم الانتماء في مضيق النسق الواحد، مما يهدد بضياع ما تبقّى من آداميتنا.