رأي

هل عدو عدوي … صديقي ؟

خالد بطراوي

جيلا بعد جيل ترسخت لدينا جميعا مقولة ” عدو عدوي … صديقي”، وكما غيرها من الأمثال الشعبية أو المقولات المأثورة علمونا أن نرددها دون تمحيص، وهو نهج دأبت ع الأنظمة و ” بطانتها الصالحة” على توطيده في الذهن العربي بغية أولا وقف تفكيرنا وثانيا وبالتناوب، إحكام السيطرة علينا جميعا.
لكن، هل حقا … عدو عدوي … هو صديقي؟
ليس بالضرورة، فمن ناحية طالما أن ذهنية العداوة موجودة ومتأصلة في هذا العدو فسيبقى عدوا للانسانية وبالتالي لن يكون صديقي، ومن ناحية أخرى فقد ينقلب عليّ في أية لحظة وبالتالي فهو ليس حليفا إستراتيجيا يعتمد عليه أو يركن له أو يعتد به، إذ أن معادلاته لا تتسم بالديمومة ولا تنطلق من مبادىء وقناعات راسخة وإنما من مصالحه التي قد تختلف بين الفينة والاخرى وبالتالي يبلور مواقفه وفقا لها.
وببساطة شديدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فإن أمريكا وإسرائيل تعاديان إيران، وتعتبر بعض الدول العربية أن إيران عدوا لها، فهل هذا يعني ضمنا أن أمريكا وإسرائيل صديقان للشعوب العربية؟ ربما تكون كذلك للأنظمة العربية ولكنها بالقطع ليست صديقة للشعوب العربية ولن تكون. حتى ولو على الفرض الساقط أنهما صديقتان للانظمة العربية، فهذه الصداقة لا تتسم بالديمومة، وليس أسهل على أمريكا من أن تستبدل هذه الأنظمة بين عشية وضحاها، إما بإنقلاب عسكري أو بالإغتيال أو بتحرك جماهيري تمتصه الامبريالية وتستوعبه، وتطلب من جيش البلد التزام الحياد أو التدخل لصالح الحراك الجماهيري لتقوم باستبدال الحرس القديم بالحرس الجديد. فقد شهدنا إستبدالا لكل من مبارك وبن علي والقذافي وصدام حسين. وحاليا، وبعد أن تم إستبدال النظام الحاكم في السودان نراها تسير بخطى متسارعة في عملية تطبيع السودان للعلاقات مع الكيان الصهيوني وخير دليل على ذلك لقاء الرئيس السوداني المنحدر من أصول عسكرية عبد الفتاح البرهان بوصفه رئيسا للمجلس السيادي السوداني مع وزير الخارجية الإسرائيلي (إيلي كوهين) الذي أعلن عن تطبيع العلاقات مع السودان.
وبالمناسبة، وطالما أنه قد ورد إسم وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، ورغم أنه ربما لا يوجد صلة قرابة، فإننا لا ننسى الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي ولد في الإسكندرية بتاريخ 26/12/1924 حيث هاجرت أسرته إلى مصر من مدينة حلب السورية وأصبح عضوا في الحركة الصهيونية وجاسوسا إسرائيليا في مصر والتحق بالموساد بعد هجرته الى دولة الاحتلال وعاد الى سوريا عام 1962 على أنه سوري مسلم اسمه “كامل أمين ثابت” وبرز كرجل أعمال ذات توجه قومي سوري وأصبح من أصدقاء أمين الحافظ الذي أصبح رئيساً لسوريا ما مكنه من إقامة أوسع العلاقات وعلى أعلى مستويات السلطة في سوريا وكبار العسكريين وعالم المال والتجارة السوري وكان يسكن بجانب مقر قيادة الجيش السوري وزوّد إسرائيل بمعلومات وتقارير أمنية الى أن تم كشفه واعدامه شنقا وما زالت إسرائيل الى يومنا هذا تطالب بتسليم رفاته.
وعودة الى موضوعنا، إذ أنه ليس بالضرورة أن يكون عدو عدويّ … هو صديقي. فإن أساس العلاقات السليمة هو أولا عدم المعاداة وخلق الأعداء، وثانيا عدم الوثوق بهذا العدو الذي عادى من أعاديه فهو ليس بالقطع سيبقى صديقا لي وإنما تتغير إحداثيات صداقته وفقا لتغير مصالحه حيث أن منطلقاته ذاتية وشخصية.
وفي هذا السياق، ليس مفهوما كيف أن روسيا ولديها من الشواهد والأدلة والبراهين ما يؤكد تورط كيان الاحتلال الصهيوني بالتواجد الفعلي على الأرض الآوكرانية والمشاركة المباشرة في المعارك الدائرة هناك، وفي ذات الوقت لا تنتقدها بحدة وعلانية وتسكت على ضرباتها بالطيران الحربي لمواقع في سوريا ومن فوق قاعدتها العسكرية “حميم” على الأراضي السورية. إذ لا يعني ذلك كله أن روسيا تعادي كيان الإحتلال الذي هو عدو الشعوب العربية وبالتالي التوصل الى إستنتاج بأنها بمعاداة كيان الاحتلال صديق أستراتيجي للشعوب العربية، فالمعادلات الدولية وتجاذب المصالح هو الذي يطغى وكما يقول المثل ” اللي بيلاعب القط … بدو يصبر على خراميشو”.
لذا، آن الآوان أن نحرر أنفسنا من المقولات والمصطلحات والكليشيهات الجاهزة التي هدفها تغييب عقولنا وإعمال الفكر بغية إحكام السيطرة علينا وعلى مقدرات بلادنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى