أخبار هبنقة

الكرسي

خالد بطراوي

تاريخيا أيها الأحبة، أو على الأقل في إستذكار التاريخ الحديث لعالمنا العربي، هلاّ ذكرتم لنا كم هو عدد الزعماء والمسؤولين العرب الذين أحالوا أنفسهم على التقاعد أو أحيلوا على التقاعد بموجب قوانين بلدانهم؟
ألم يرصد التاريخ عمليات الأطاحة بالزعماء إما عبر الانقلابات العسكرية الأكثر حدوثا حيث كان يتم السيطرة على المطار والإذاعة، أو الإغتيال السياسي أو الانقلابات البيضاء داخل الأسرة الحاكمة أو ما إصطلح على تسميته “ثورات الربيع العربي” حتى أننا شهدنا كثيرا من الزعماء وقد تقدم بهم العمر وأصبحوا غير قادرين على الحركة ومع ذلك بقي “مترتحا” بالسلطة.
وحقيقة الأمر، أيها ألأحبة أنه لا يوجد لديهم أي خيار إلا “الترتحة بالكرسي”، لسبب بسيط جدا، ألا وهو أنهم ظلموا شعبهم وتفرعنوا وطغوا وسوف يكون من المستحيل تداول السلطة سلميا وبأمان وقضاء شيخوخة صالحة حيث سينقض خلفهم عليهم لتجريدهم و”بطانتهم الصالحة” من كل إمتيازاتهم وثروتهم إن لم يكن إرسالهم الى السجون والمعتقلات التي شيدوها بأنفسهم وجميعها تطلق عليها الشعوب العية ” قصر النهاية”.
ذلك حال رموز السلطة، ولكن ما حال قادة المعارضة والأحزاب؟
ببساطة لا يختلفون كثيرا عن رموز السلطة، وبعد ان أصبحت المعارضة والأحزاب في كثير من البلدان العربية علنية حتى الشيوعية منها بغض النظر عن مسمياتها، تشكل لديها زعامة تاريخية يلتف حولها أيضا ” بطانة صالحة” ترتبط مصالحهم بصورة مشتركة بعضهم ببعض ويشكلون القاعدة الحزبية الانتخابية يمسكون العصا من النصف عملا بمقولة ” ضربة ع الحافر وضربة ع المسمار” ويشكلون بطريقة أو بأخرى شكلا من النسيج السياسي في هذا البلد أو ذاك، إذ أصبح من المظاهر الحضارية أن يكون هناك في كل بلد … معارضة … وأن لا يفوز زعيم البلد بنسبة الـ (99.9%) في الانتخابات أو الاستفتاءات كما كان في السابق. لذلك تحولت المعارضة في معظم البلدان العربية الى متطلب و “ديكور” لتجميل صورة البلد والنظام. هذا ناهيكم عن البعد الشخصي للقائد السياسي، حيث لو لم يستمر في تقلده المنصب القيادي في حزبه، فماذا هو بفاعل وماذا سيعمل وكيف سيصرف على عائلته؟ إذا ليس له … هو الآخر … إلا أن ” يترتح بقيادة الفصيل المعارض”. بالطبع، نحن هنا نتحدث عن ظواهر عامة ليست مطلقة حيث يوجد إستثناءات في هذا البلد أو ذاك رغم محدوديتها.
وماذا عن مؤسسات المجتمع المدني في هذا البلد أو ذاك أو ما يسمى بالمؤسسات غير الحكومية، التي تنادي بالديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان وحقوق الفئات المهمشة وغيرها من المصطلحات الرنانة؟ ألا نلمس أن مجالس إداراتها في غالبيتها هي ذاتها على مدار السنوات مع إحداث تغييرات في التركيبة لا تمس في سيطرة أباطرة العمل غير الحكومي على هذه المؤسسات؟ ألا نلمس أن مدراء هذه المؤسسات لا يتغيرون إلا في حالات نادرة . قد يقول البعض أنهم موظفون .. وقد نقبل ذلك شأنهم شأن أي من الموظفين في القطاع العام أو الخاص وينطبق عليهم قانون العمل … لكن أليس كثير من هذه المؤسسات ما يعرف عنها بانها ” مؤسسات الفرد الواحد” كما لو أنها شركة مساهمة خاصة يمارسون شتى ضروب المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة الانسانية داخل مؤسساتهم التي تتغنى بحقوق الانسان؟ لماذا ” يترتحون” بالكرسي؟ ببساطة لآنه مصدر رزقهم أكثر من كون المنصب منصة لهم للدفاع الفعلي عن حقوق الانسان وكافة ما يتفرع عنها.
خلاصة القول …. الترتحة بالكرسي لا تقتصر على زعماء البلد، بل تشمل المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني … وذلك كله يشكل مقبرة لطاقات الجيل الجديد المتسلح بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى