قراءة في شريط عند النجاشي الذي لا يظلم عنده أحد

موسى عزوڨ
 
– قناة سي مخلوف غير ربحية –
أبدع السيناريست والمخرج والممثلين في فيلم الرسالة (1) في أشياء كثيرة ، منها هذا المقطع ( على الرغم من وجود روايات مختلفة لما وقع عند النجاشي (2).
في مشهد من حوالي 09 دقائق بعد اقل من دقيقة بموسيقى هادئة تجر حزنا يدخل ملك الحبشة وعمر بن العاص وصحبه على وعن الشمال وفد المسلمين بلباس ابيض و المطلوب إعادته مذلول إلى قريش ؟ يتقدم الملك الى كرسيه لينحني الجميع ساجدين ما عدا المسلمين , تحول الكاميرا الى عمر وهو ساجد ليخطط للفتنة ويتناجى وصحبه بذلك .
– وهنا تنقطع الموسيقى ليسأل الملك :” ألا تنحنون لنبيكم ؟”.
– ليجيب جعفر بن أبي طالب مع موسيقى منخفضة :” نحن لا نركع إلا لله , محمد علمنا انه عبد الله ورسوله ”
– وهنا يستغل عمر الموقف من آخر كلمة لينتقدها : ” رسول الله ؟ أين معجزاته يا جعفر ؟ هل ….
– ليصادق الملك على قوله :” هذا صحيح لابد للأنبياء من معجزات , ليعرف الناس أنهم مرسلون من عند الله ”
– ليرد جعفر : ” معجزة محمد هي القران ”
– وهنا يتدخل عمر : ” كلمات اكتتبها أمي وادعاها على الله . هل يرى لهم الملك حجة بعد ما سمع ؟”
– وتعقيب الملك كان ” يتحدث ويهيم بالجلوس في الدقيقة 1:35: ” ولكني اعلم أن الله أرسل من عليائه السنة نار على رؤوس الحواريين ليتسنى لهم التحدث بلغات العالم العديدة …ولكني أسال : ” هل يمكن أن تقع معجزة كهذه في أيامنا ؟ ” تظهر الكاميرا عمر وهو يترقب ومعجب ؟ لتعود فتظهر الملك وهو يلوح بوجهه يمينا وشمالا برمزية الرفض وينطق بما لا يتوقعه احد ؟ ويتذكر من جرب المحاكمات عندما يبدأ القاضي في التصعيد ليأمر بالحبس والسجن غير المتوقع :” سمعت ما يكفي , حجتكم ضعيفة ” وفي إشارة باليد الشمال إلى الزبانية أن قيدوهم تبدأ تلك الموسيقى الحزينة تظهر مجددا وترمى الأغلال بصوت الحديد المزعج في الأرض مع تقدم العسكر في زى مدني للاحتجاز .

*-* وهنا بالضبط تتجلى قوة المشهد ( الدقيقة 02:07 ) حيث ينطق المفوه جعفر كالمحامي المتمرس المدرك لكل ميول القاضي وحجة الخصم وحيله ليضربها في مقتل :
– قال جعفر : ” جئناك لاجئين من هول ما عانيناه ” ( يرتفع صوت فك الأغلال وسقوطها أرضا في رمزية قوية ) من الظلم والعذاب . ( وفي أحسن استغلال لنضج الفكرة أردف قائلا : ) قال لنا محمد ( لم ينتبه الجميع إلى عدم استعمال الصلاة والسلام عليهم ) : ” اذهبوا إلى الحبشة فان بها ملكا لا يظلم عنده احد ” ( هذه الرواية ثابتة في السيرة وتبين اطلاع النبي محمد صل الله عليه واله وسلم على ما حوله في العالم .)
– وهنا ينطق عمر ليوضح : ” أن ما يسمونه ظلم هو العقاب العادل لهؤلاء ” . ودون تعليق من الملك
– قال الملك : لماذا أرسلكم إلي محمد .
– فيرد جعفر : لأنك من أهل الكتاب , إيمانك بالله يلهمك حمايتنا
– يقاطعه عمر فيقول : أرأيت أيها الملك , حديثهم كسراب يحسبه الضمان ماء ( السيناريست استعمل نص اية ؟)
– فيرد الملك : لقد ألزموني الحجة , لا مناص من الإصغاء إليهم يا صديقي ؟ ( وسط ذهول الجميع وخصوصا عمر ” الدقيقة 02:41″ ) وبإشارة من نفس اليد أن يبعدوا الأغلال عنهم فتسقط أرضا وتجر محدثة صوتا بانفراج فينظر المسلمين بعضهم إلى بعض نظرة ارتياح مع نفس الموسيقى لكنها اقل حسنا ؟ ( د.2:55) ليتحدث جعفر :
– جعفر : “أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف , فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان.
– وهنا يتحرك عمر في حركة ( بهلوانية ؟ يقوم بها المحامي عادة ليوهم موكله انه دافع عليه ؟ وان كان قد تأكد من مال القضية ) فيقول : ” انتم تفترون على آلهتنا بالكذبة , قالها وهو يتنقل نحو جعفر , ليدور إلى الملك فيشرح له بتفلسيف :” نحن لا نعبد في آلهتنا الخشب ولا الحجارة ؟ ثم يردف :” نحن نعبد الروح التي تسكنها ونتقرب بها الى الله زلفى ؟ ” ( د. 3:44)
– رد الملك كان بصيغة حاول مرة أخرى ؟ وبطريقة دبلوماسية : ليس كل العابدين يفهمون ما تفهم يا عمر ( هاذي أعقبها ؟) ثم يرجع بالسؤال لجعفر : بماذا يأمركم دينكم ؟
– يرد جعفر بكل ثقة : يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وبالصلاة , وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف ( نطق ذ:ز؟ بالمصرية ؟) المحصنات. ليتدخل عمر مستهزئ بالمحصنات والنساء .. ليقحمه جعفر بالرد : ان المرأة هي الام والزوج والبنت , لهم ما لنا وعليهم ما علينا .وهنا يقول الملك : لماذا خرست الهتك العديدة يا عمر ؟ هل أفحمها الإله الواحد ؟
– وهنا يكمل جعفر : ربنا رب الناس جميعا . رب موسى وإبراهيم و زكريا ويحي والمسيح أوحى إليهم من قبل كما أوحى إلى محمد لا نفرق بين احد من رسله .
– ليسأل الملك وهو متأثر : ” من علمكم هذه الأسماء ؟”
– وبكل ابتسامة يرد جعفر :” القران ” الذي نزل على محمد
– يقاطعه عمر ويقول : ” محمد ؟ عرفناه يتيما يرعى الغنم
– ليرد الملك : والمسيح كان نجارا في ارض الجليل
*** الحق الحق أقول لكم : ” إن الذي جاء به محمد , والذي جاء به المسيح يصدر من سيراج واحد ” .
– وهنا ينطق عمر ( بأخبث الخبث ؟ ) فيستعمل اخر الدواء ” الكي ” وهي الفتنة والنميمة , والأسلحة المحضورة والتي تنمي على اطلاع بوثائق الخصم التي ربما استلهمها المحامي بمناسبة مهنته فيخون الأمانة ؟ ويفشي الأسرار المهنية .
*** الشاهد *** كثير من الذين اطلعوا على الدين الإسلامي والتدين في العالم ويعرفون أهم سلبيات وخلفيات كل مذهب وخصوصا الظاهري , ويصور المسلم عديم الرحمة؟ ولا طيبة فيه , أجلف ضيق الأفق أناني وانسب إليه ما شئت من تضيق الواسع ” ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا” ..ويحاولون التشكيك في المعلوم من الدين بالضرورة بطريقة فيها خبث ؟ كقولهم بان المسلم يعتبر المسيحي كافر ؟ مع خلط للمصطلحات وتصوير غير فني للمواطنة وكأن المسيحي يعتبر المسلم مسيحي ؟ وقد كانت تجربة معاكسة وفيها من لمنطق ما يدحض ذلك دحضا وقد اسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك بشكل كبير سواء في اثارة المواضيع أو في دحضها ؟
والجميل أن هناك شبه إجماع اليوم بتغليب منطق فيه نضج ” على الأقل حسب رأي ؟ فمقتل الفلسطينية الصحفية شيرين وهي تقوم بعملها على أرضها من قناص صوب رصاصه نحوها مباشرة فارداها قتيلة بغير نفس ؟ كان التوجه السليم المتوقع الإدانة والاستنكار وهو اضعف الإيمان والحسرة والتألم على ما آلت إليه , وهو شعور إنساني طبيعي فطري يحدث حتى عندما تشاهد حيوانا أصيب ؟ فما بالك بمن كرمه الله . كان تحويل النقاش من مجرد الاستنكار وهو الأصل إلى فرع من فروع الفقه حول طلب الرحمة ( والاستغفار ) لغير المسلم أو تسميته بالشهيد ولو على اعتبار ما هو معتبر ( شرعا ) وعند قومه , والحقيقة انه قد كان تطرف من الجانبين ؟ من المتطرفين المستغلين للتعفن حتى ظهر من لا يستهجن إقامة صلاة الجنازة عليها ؟ او ينهى عن من ضمنوا النار لغيرهم وبالمقابل يضمن هو الجنة لها ؟ والموازنة في هذه المواضيع دقيقة جدا وصعبة أكثر , الدين الإسلامي دين منزل ولا يجرمنكم بعض الردود من ” التدين المغشوش ” لتبشروا بالدين الشعبي ؟ وهو إلى الموروث الثقافي اقرب ” إنا وجدنا آبائنا..”
– يقول عمر في الدقيقة 5:33 وبصوت مرتفع : ( أنهم يقولون في المسيح قولا لا يرضيك ) .
– فيسأل الملك : ” ماذا يقولون في المسيح “؟
وقبل أن يرد جعفر
– اخذ عمر الكلمة وقال : ” يقولون انه عبد مثل باقي البشر ؟” ( عمر والعرب مطلعون أيضا على ما
عند الآخر )
– يمنح الملك الفرصة للمسلمين : ” تكلموا , ماذا تقولون في المسيح ؟”
– ترفع الموسيقى بخفة ليقول جعفر :” نقول فيه الذي جاء به نبينا محمد هو روح منه وكلمته القاها ( صورة الملك وهو متأثر ) الى مريم البتول .
– يرتفع صوت عمر اكثر ( قطع أصبعه ) : اسألهم من ولد المسيح وكيف ؟
– يقوم الملك من مقامه ثم يتحرك وهو يسأل : ” هل جاء في قرانكم عن مولد المسيح شيء ؟” موسيقى
– يجيب جعفر بكل ثقة : “نعم ” . فهل تأذن لي ان اتلوه ؟
– يتقدم الملك خطوتين ويقول :” اقترب ” . فيقترب جعفر ثلاث خطوات , ليقول له الملك :” هات ما عندك ”
– يبدأ جعفر في تلاوة الآيات من 01 الى 22 من سورة مريم , بطريقة جميلة . يظهر المصور في تلك الأثناء تأثر الملك ومن معه من الأساقفة .
– تسمع موسيقى لم ترفع من قبل , ويتقدم في هذه الأثناء الملك في نفس مستوى جعفر ليصرح بأخطر حملة في المشهد :” ليس بين ديننا ودينكم أكثر من هذا الخط ” ليرسم خطا في الأرض .
ثم يتوجه إلى عمر : ” يا عمر والله لا اسلم لكم هؤلاء بجبل من ذهب ” . ثم يبتسم في وجه جعفر ويقول له :” انطلق يا جعفر ومن معك , وعيشوا في ارضي بسلام , حتى يأذن لكم الرب بالعودة . وهنا يختم المشهد باحتضان المسلمين لبعضهم بعضا
كا ن فعلا مشهدا مكتملا اثبت الكاتب والمخرج والممثلين جدارتهم وقوتهم في استحضار الماضي وتجسيده وتجلى المشهد كأنما حضرنا ذلك اللقاء فعلا . وهناك من اصبح يعتبر هذا الفيلم مرجعا موثقا له , بل ان احدهم قال للمفتي انه شاهد في المنام بلالا بن رباح فرد عليه الشيخ لعلك شاهدت الممثل الليبي علي أحمد سالم الذي جسد الشخصية , وكان كذلك .
والى لقاء محبكم موسى عزوق
——— تهميش —————
(1) فيلم الرسالة سيرة ذاتية — دراما . تاريخ الصدور 9 مارس 1976. مدة العرض 3 ساعات و18 دقيقة (198 دقيقة)..المخرج والمنتج مصطفى العقاد. السيناريو هاري كريج -1-).لفيلم الرسالة عدة خفايا ؟
تقول الحكاية ان : ” المخرج مصطفى العقاد سوري/ امريكي ( 1930-2005) عندما قدم مشروع فيلم “الرسالة” للمنتجين في هوليوود 1973، رفضوه لعدة أسباب ولم يوافق أي استديو أميركي على ذلك .لكن ولأسباب ودوافع شخصية مختلفة يوافق أمير الكويت صباح الصباح ،ملك المغرب الحسن الثاني والعقيد معمّر القذافي، على تمويل النسختين، العربية والإنكليزية ؟ أراد العقاد إشراك الأزهر في كتابة الفيلم وإنتاجه، لتجنب الرقابة لاحقاً ( أو ربما العكس ؟ وقد ابعدت السعودية وايران بطريقة ذكية وغير مباشرة ؟ من بين الانتقادات اللاحقة للفيلم انه لم يذكر اليهود بسوء ؟ وعرف مصدرها ؟) ، و تذكر المصادر ظاهريا ان الذي كتبه (السيناريو) هاري كريج الايرلندي؟ (1921- 1978) وفي ذلك أكثر من سؤال ومنها انه قد نسب له ايضا كتابة سيناريو عمر المختار 1981 ؟ ولا يعرف له غيرهما , وهل هو مسلم او مطلع على السيرة ؟ – والراجح عندي انه مجرد واجهة ؟- وان ذكر انه قد تم تصحيح السيناريو من قبل علماء جامعة الأزهر، بالاشتراك مع كبار الكتّاب في ذلك الوقت : توفيق الحكيم أديب مصري ( 1889- 1987) وهو وكيل نيابة ؟ , عبد الحميد جودة السحار ( 1913-1974) , عبد الرحمن الشرقاوي ( 1920-1987), محمد علي ماهر ( 1917-1989) .
(2) من بين الرويات ” والتي تتم صياغتها بطريقة حديثة :” أن قريشا أرسلت وفداً إلى الحبشة بزعامة الداهية ” عمرو بن العاص” ( من المخابرات الخارجية ) ومعه عبد الله بن أبي ربيعة ، وبعد الرشوة العلنية والخفية لرجال الدين والوزراء والأكابر والمروجين النشطاء . دخل عمرو بن العاص على صديقه النجاشي وبدأ المرافعة : “أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدينٍ ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت”، وقد بعثَنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم… ومع تصفيقات ما يسمى البوم ” الذباب الالكتروني” من من استلموا الهدايا فصادقوا على كلامه “صدق أيها الملك، فأسلمهم إليه، فليردهم إلى قومهم وبلادهم”.
1- كان رد النجاشي كان في البداية #متوازنا : لا والله، لا أسلمهم إليهما، ولا يُكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوَهم فأسألهم مما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني .
2- وأحسن الوفد الإسلامي اختيار المتحدث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إذ قال :”أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف . فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً ….، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك”.
3- ودون ان يذكر أي مصدر ان عمر بن العاص هو من كان يدير الحوار والفتنة والتوجيه الاعلامي تذكر كل المصادر ان :النجاشي سأله: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال جعفر نعم ، وقرأ أمامه الآيات من 01 الى 22 من سورة مريم. وبكى النجاشي حتى ابتلت لحيته، وبكى الأساقفة، وقال:” إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة”. ثم التفت إلى عمرو وعبد الله بن أبي ربيعة وقال لهما: “انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا”.
عزوق موسى محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى