إقتصادفي الواجهة

النظام النقدي .. كيف تدير الدولة العُملة ؟

 
عمر قنديل
كاتب وباحث
تُعتبرُ القوّة المادية لجسم الإنسان مُكوّنةٌ من ما يملُكله من عضلاتٍ وما شابه ذلك؛ لكن امتلاك الشخص للقوّة الجسدية لا يعني أنّه سيرفع من الرقم اذا صعد على الميزان، وبعبارةٍ أوّضح فإن الميزان يقرأ الرقم ولا يقرأ القوّة ما يعني أنّ شخصاً سميناً يستطيع بسهولة تحقيق رقمٍ أعلى من شخصٍ قوّي.
ربّما تكوّن المقدمة بعيدةً؛ لكنها قريبةٌ لسعرِ العُملّة بشكل ما وخصوصاً لفهمِ العبارةِ الشائعة (الكويت تملكُ أقوى عُملة في العالم).
نصُّ المقال:
في العلوم الاقتصادية هناك الكثير من المؤشرات الحاكمة لمدى مُرونة أيِّ اقتصاد وبشكلٍ عام فإن تقييم الدول وفق مؤشرٍ واحد هو خطأ كبير فالاقتصادُ مكوّنٌ من عناصرٍ مُتداخلة، ولعلّ سعر صرّفِ العُملّة أحد دلائل القوّة الاقتصادية لكنه ليس المعيار الكامل، فالدولة يجب أن تكون مستقرةً بشكل عام ولديها قوّةُ عملٍ مُفيدة وميزانٌ تجاري مستقر إضافة لتكامل في سياسات الموازنة الاقتصادية وخطّة المصرِّف الرئيس للبلاد النقدية وفي ضوء التداخل الكبير بين هذه العناصر وغيرها تُحددُّ الدُّول سعر عُملتها ولا يُعيب الاقتصاد قرار تخفيض قيمة العُملّة، فمثلاً ورغم قدّرة الصين حالياً على رفع قيمة “اليوان” وهو وحدّة العملة الصينية “الرنمينبي” إلى مدى مساوٍ للدولار وربّما أعلى منه بكثير إلاّ أن الصين تحرّص على بقاء سعر عُملتها أقل من قيمة الدولار. هذه الخطة الصينية ليست دليل عجزٍ بل إن مروّنة الاقتصاد الصيني واعتماده على صادراتٍ غير مُحددّةِ السعر العالمي تجعل من بقاء العملة منخفضة في مصلحة الشعب والحكومة الصينين وقد يُتخذ قرار في أي وقت لخفض القيمة أكثر للاستفادة بأكبر قدر من الصادرات الصينية المُباعة بالدولار الأمريكي.
فإذا كانت الصين صاحبة النهضة الاقتصادية الأعظم تملك عُملةً قيمتها أقل من قيمة الدولار فهل يصح القول بأنّ الدينار الكويتي أقوّى من اليوان الصيني والدولار الأمريكي فدينارُ الكويت بتجاوز سعره الثلاثة دولارات!
في الواقع فإن هذا الكلام لا يصح فالدولار الأمريكي أقوّى بكثير من الدينار الكويتي وإن الجملّة الصحيحة في وصف عُملة الكويت هي أنّ الدينار الكويتي هو أغلى عُملّةٍ في العالم، فسعر كُلِّ دينارٍ كويتي يساوي 3.3 دولار تقريباً وهذا لا يعود لقوّة الاقتصاد الكويتي فاقتصادُ الكويت اقتصادٌ كلاسيكي، يعتمد بشكلٍ أساسي على صادرات النفط التي تُشكل 95% من اقتصاد البلاد، لكن الاستقرار المادي الكويتي نابعٌ من عدّة عوامها منها صغرُ حجم الدّولة وقلّةِ عدد سُكانها والعامل الأهم هو اعتماد الكويتت على سِّلعةٍ مُحددّة القيمة عالمياً وليست مثل الصين مُتنوّعة الاقتصاد والمُعتمدّة بشكلٍ أساسي على الصادارات التقنية مُتغيرة القيمة.
هذا النجاح الكبير لاقتصاد الكويت لا يخلو من المخاطر بل إن المخاطر كبيرة خلال العقود القادمة فقد انتهت “ذروة النفط” أو شارفت على نهايتها حسب أراء عديد الباحثين وإنّ العالم سيُقلل اعتماده تدريجياً ويتجه نحو أساليب الطاقة المُتجددّة الآمنة والصديقة للبيئة، ما يعني أنّ الكويت في طريقها لخسارة الكثير من الصادرات مُحددّة السعر العالمي وبالتالي فهي أمام حتمية تغيير الأسلوب النقدي أو إحداثِ ثورةٍ فيه فالاعتماد على النفط سينخفض بشكلٍ كبير والذهاب نحو تنوع مصادر الدخل لن يكون سلِساً وفق نظام النقد السائدِ اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى