أحوال عربيةأمن وإستراتيجية

تجدد التحذيرات من مخاطر عدم الاستقرار

نهاد ابو غوش

انفراطُ عقد الحكومة الإسرائيلية السادسة والثلاثين المعروفة بحكومة التغيير برئاسة الثنائي نفتالي بينيت ويائير لابيد، بعد نحو عام من تشكيلها، والتوجّه إلى إجراء انتخابات خامسة خلال ثلاثة أعوام، أعاد إلى واجهة النقاش في إسرائيل موضوع عدم الاستقرار السياسي وتأثيره السلبي جدا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كما على الأوضاع الأمنية، وعلى ثقة الجمهور بمؤسساته السياسية، وخصوصا في ضوء غلبة الصراعات الشخصية وحسابات المصالح الذاتية والفئوية على البرامج السياسية للأحزاب وحتى على المصالح العليا للدولة والجمهور. وتشتد أزمة الثقة هذه بالمؤسسة السياسية وبقادة الأحزاب المتنافسة، مع ما تظهره معظم استطلاعات الرأي بأن أي انتخابات مقبلة لن تفعل سوى إعادة إنتاج الخريطة السياسية التي أفرزتها دورات الانتخابات الأربع الماضية في نيسان/ابريل 2019، وأيلول/سبتمبر 2019، وآذار/مارس 2020 ثم آذار .
فوفق هذه الاستطلاعات قد تطرأ تغيرات محدودة وانزياحات طفيفة على أحجام الأحزاب والقوائم وقد يفشل بعضها في اجتياز نسبة الحسم، وربما يتحالف بعضها مع بعض أملا في اجتياز نسبة الحسم بثقة أكبر أو تشكيل قوة مؤثرة، وقد تدخل على المشهد قوائم جديدة، لكن المشهد العام للنتائج لن يتغير كثيرا، وهو سينقسم كما هو معروف ليس بين يمين ويسار، ولا بين مؤيدي السلام والتسوية في مواجهة دعاة الحرب والاحتلال، ولكن بين معسكر مؤيدي بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء السابق الذي يضم ايضا الأحزاب الدينية وحزب الصهيونية الدينية، وبين معسكر معارضيه الممتد بين طرفي القوس السياسي في إسرائيل.
ومع انهيار حكومة بينيت – لابيد الذي كان متوقعا منذ بداية تشكيلها، خرجت أصوات عديدة من سياسيين ورجال أعمال ومحللين تحذر من مخاطر عدم الاستقرار السياسي وهو موضوع قديم متجدد، لكنه تفاقم وبات يمثل سمة طاغية للحياة السياسية في إسرائيل خلال السنوات الخمس الأخيرة.
مقدمات انهيار “حكومة التغيير” كانت واضحة لمعظم المسؤولين والمراقبين، مع تصدع كتلة حزب يمينا الذي يرأسه بينيت، وتصويت بعض النواب ضد توجهات الحكومة وانسحاب بعضهم الآخر، وكان واضحا أن كل ذلك سوف يقود إلى تفكك الحكومة ثم إلى دوامة حالة عدم الاستقرار السياسي التي قادت إلى أربع دورات انتخابية خلال عامين بين نيسان 2019 وآذار 2021، وقد نبّه رئيس الدولة اسحق هيرتسوغ إلى هذا المصير قبل شهرين بقوله في تصريحات لإذاعة “كان” بتاريخ 14/نيسان/2022 أن عدم الاستقرار السياسي يشكل خطرا كبيرا والجميع سوف يعانون من ذلك.
وأقر رئيس الوزراء نفتالي بينيت بأن الحالة التي تعيشها إسرائيل حاليا يشوبها عدم الاستقرار السياسي، ملمحا في تصريح وزعه مكتبه بعد جولة له على منطقة “غلاف غزة” إلى تأثير هذه الحالة على الاستقرار الأمني، وهو حذر الفصائل الفلسطينية من محاولة تحدي إسرائيل وخرق الهدوء الحالي.
أكثر التصريحات حدّة صدرت عن أفيغدور ليبرمان وزير المالية في حكومة التغيير ورئيس حزب “يسرائيل بيتينو” وحملت اتهاما مباشرا لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بالمسؤولية عن هذه الحالة، حيث قال ليبرمان خلال المؤتمر السنوي للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية الذي عقد في القدس بتاريخ 21/6 أن عدم الاستقرار السياسي يضر بالمجتمع والاقتصاد والأمن، ولم يتردد في اتهام رئيسه السابق قائلا ” فليكن واضحا أن الانتخابات الحالية هي نتيجة مؤامرات وأكاذيب ومكائد رجل واحد اسمه بنيامين نتنياهو، مثلها مثل كافة الجولات الأخيرة. ورأى ضرورة وحتمية تغيير نظام الحكم في إسرائيل على الرغم من صعوبة ذلك بسبب عدم وجود أغلبية في الكنيست، لكنه شدد على أهمية قطع الطريق على عودة نتنياهو للحكم من خلال تشريع قانون يمنع شخصا متهما جنائيا من الترشح لرئاسة الوزراء.


يلخص الكاتب أوري مسغاف في مقال له في صحيفة (هآرتس) بتاريخ 20/6/2022 الحالة الناشئة بسبب التوجه لإجراء انتخابات جديدة من دون أن يظهر دليل على أنها ستكون حاسمة بالقول ” في إسرائيل المشرذمة والمتعارضة، ومع غلاء معيشة مجنون وخطر، وتصعيد أمني دائم، ليس هناك يقين على الإطلاق، فانتخابات جديدة بعد ولاية حكومية لمدة سنة، هي كارثة واضحة من ناحية الاستقرار الديمقراطي.
حالة عدم الاستقرار السياسي هي حالة قديمة متجددة، سبق أن فحصها الكاتب أساف ينيف في دراسة نشرها موقع (شكوف) وموقع (نتون بروش) بتاريخ 11/8/2019، وجاء فيها أن حكومة واحدة فقط من بين 34 حكومة مرّت على إسرائيل حتى موعد الدراسة، أنهت مدة ولايتها الكاملة البالغة أربع سنوات، وهي الحكومة الخامسة عشرة برئاسة غولدا مائير التي تولّت السلطة في الفترة من 15/12/1969 وحتى 10/3/1974 وهي الفترة التي تخللتها حرب أوكتوبر، وفي المقابل فإن ست دورات فقط للكنيست أكملت ولايتها الكاملة البالغة أربع سنوات من بين 20 دورة حتى تاريخ الدراسة، وسيرتفع الرقم إلى ست دورات من اصل 24 دورة حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
ويرى الباحث أن جوهر المشكلة ينبع من تداخل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع الإشارة إلى أن القانون الأساسي يشترط كون رئيس الحكومة عضوا في الكنيست، كما أن الحكومة ومن خلال اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريعات تسيطر على عمل السلطة التشريعية (الكنيست).
وبحسب الدراسة بلغ المعدل الوسطي لعمر الحكومات الإسرائيلية 24 شهرا، بينما بلغ معدل ولاية الكنيست 42 شهرا. وحتى لو جرى استثناء حكومة شمعون بيرس المؤقتة التي تولت الحكم بعد اغتيال رابين لمدة ستة اشهر، يظل معدل أعمار الحكومات قصيرا إذ يصل إلى 28 شهرا فقط. ورأى الباحث أن السبب الأبرز لتقصير عمر الحكومات يتمثل في استقالة رئيس الوزراء (41% من الحالات) إلى جانب أسباب الأزمات الائتلافية وخروج أطراف من الائتلاف الحكومي وانتقالها للمعارضة، وحل الكنيست الذي يصبح لازما في حال الفشل في تشكيل حكومة أو تمرير الموازنة، وفي حالات استثنائية يمكن للكنيست أن تمدد ولايتها لفترة محدودة كما جرى للكنيست السابعة كما جرى للكنيست السابعة اثناء حرب أوكتوبر.
حالة مزمنة
رصد المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) في تقاريره الاستراتيجية السنوية عن المشهد الإسرائيلي العام أزمة نظام الحكم في إسرائيل وتاثيرات عدم الاستقرار على مختلف النواحي الأمنية والاقتصادية وعلى ثقة الجمهور بمؤسساته السياسية. ففي التقرير الصادر عام 2007 والذي يغطي العام 2006، من إعداد مسعود غنايم، يظهر التقرير أن أزمة القيادة السياسية في إسرائيل دلّت على “ضعف بنيوي وقِيَمي” حيث أن احد عشر قائدا سياسيا بارزا ومن بينهم رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزراء واجهوا اتهامات بالرشاوى والاختلاس ومخالفات أخلاقية، ما كشف عن وجود ازمة عميقة على مستوى القيادة والشعب، وعن وجود أزمة ثقة لا سابق لها بين الجمهور والقيادة السياسية. وهذا ما دفع ميني مزوز المستشار القضائي للحكومة حينئذ إلى القول ” هناك شعور أن الدولة انقلبت إلى دولة فاسدة”.
هذا التشخيص، وما كشفته حرب تموز 2006 مع المقاومة اللبنانية من ثغرات أدّى إلى ارتفاع وتيرة المطالبة بتغيير نظام الحكم في إسرائيل “لكبح الارتباك والفشل وزيادة الاستقرار” في ضوء انتهاء السنوات العشرين التي سبقت التقرير بأزمات حكومية، حيث كان هاجس المسؤولين البقاء في الحكم، في حين تفاقمت الأزمات في المجتمع، وأصبح الجيش في أزمة عميقة وتراجعت قدرة الردع.
تعددت الاجتهادات والاقتراحات لتغيير وإصلاح نظام الحكم ومن أبرز المحاولات في هذا المجال عمل “لجنة مجيدور” التي عينها الرئيس الأسبق موشي كاتساف وضمت 73 قانونيا وعالما سياسيا، وتضمنت توصياتها اقتراحا لرفع نسبة الحسم (وهذا ما جرى فعلا) وانتخاب نصف أعضاء الكنيست بواسطة انتخابات مناطقية إلى جانب القوائم العامة، واعتماد القانون النرويجي الذي يتيح حلول أعضاء برلمان جدد محل الوزراء، ودمج بعض الوزارات، ووضع سقف أعلى لا يزيد عن 18 لعدد الوزارات، ولكن من الواضح أن التطورات بعد توصيات اللجنة التي لم يؤخذ إلا بالنزر اليسير منها، ذهبت في اتجاه معاكس ادى إلى تفاقم ازمة نظام الحكم في إسرائيل، وتحوُّل حالة عدم الاستقرار إلى سمة عامة للحياة السياسية في إسرائيل وذلك ما يرصده أيضا تقرير مدار الاستراتيجي عن العام 2021، والذي أعده أنطوان شلحت، حيث نقل عن “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” أن هذا الوضع غير السويّ نتيجة وقوع معركة انتخابية تلو الأخرى تسبب بتراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي بمؤسسات الدولة الرسمية، وعلى وجه الخصوص تراجع الثقة بمؤسسات الحكم وأذرع السلطة المختلفة. وأظهر ااستطلاع أجراه المعهد لفحص مؤشرات هذه الظاهرة تراجع الثقة برئيس الدولة والمحكمة العليا والشرطة ووسائل الإعلام والحكومة والكنيست والأحزاب السياسية، حيث ظلت ثقة الجمهور اليهودي بجميع هذه المؤسسات والمراكز دون 50%، في حين ظلت مؤسسة الجيش هي الجهة الوحيدة التي تحظى بثقة الجمهور اليهودي بنسبة 90% ( مقابل 24% لدى الجمهور العربي).
سبق لرئيس جهاز الموساد السابق مائير داغان أن حذر في مقال نشرته صحيفة يديعوت احرونوت في شباط / فبراير 2012 من أن الخطر الحقيقي الذي يهدد وجود دولة إسرائيل ينبع من طريقة الحكم في إسرائيل والقوى التي تتصارع للفوز بالسلطة وليس من الخطر الإيراني أو اية تهديدات خارجية، وقال أن إسرائيل موجودة قرب نقطة اللاعودة في قدرتها على البقاء، جراء التحديات الوجودية الماثلة امامها.
وأنشأ داغان وقتها حركة أسماها “يوجد أمل” هدفها تغيير طريقة الحكم في إسرائيل، وهو ردد نفس المواقف خلال حوار مُطوّل مع الصحفي بن كاسبيت في (معريف)، وقال ان الأحزاب الصغيرة ومجموعات المصالح تمارس ضغوطا على رئيس الوزراء فتحدّ من قدرته على اتخاذ القرارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى