ايران وامريكا: ابرام الصفقة النووية ام المواجهة؟

مزهر جبر الساعدي

(ايران وامريكا: ابرام الصفقة النووية ام المواجهة؟) عندما كان الملف النووي جاهزاً للتوقيع عليه؛ اندلعت الحرب في أوكرانيا، هذه الحرب التي غيرت الكثير من قواعد الصراع والاشتباك في العالم وفي المنطقة العربية. إيران وعلى جري عادتها أو ديدنها في المناورة والمساومة والقدرة على استثمار تحولات وتغيرات البيئة السياسية والاقتصادية في المنطقة وفي العالم؛ سارعت وبقوة وإصرار على فرض شرط جديد هو؛ أن ترفع أمريكا الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، وإعادة المطالبة بالرفع الكامل للعقوبات الأمريكية قبل التوقيع على الصفقة الجاهزة حينها للتوقيع عليها؛ ما أدى إلى توقف المفاوضات في فيينا.
هنا يتبادر سؤال مهم؛ هل أن الولايات المتحدة الأمريكية في أجندتها، وبالذات هذه الإدارة، التنصل، أو عدم متابعة مفاوضات الملف النووي مع إيران والذهاب إلى الحلول والمعالجات الأخرى، وربما أهمها المعالجة المخابراتية والاقتصادية وحرب الوكلاء؟ وهل القيادة الإيرانية التي عرف عنها ليس المناورة فقط، بل القدرة الفائقة على التحول البراغماتي في لحظة الاستحقاق لهذا التحول، والجنوح لمواصلة التصلب في المواقف على ما فيه من مخاطر، ربما ليس في قدرتها مواجهته إلى أمد ربما يكون غير معلوم، وأقصد هنا، تشديد العقوبات الاقتصادية مع الضغط على دول الجوار الأقرب، أو الأبعد؛ بالكف عن التعامل مع إيران، ودفع إسرائيل لاستفزاز لبنان، في مسألة النفط والغاز في المياه الاقتصادية اللبنانية؛ لإجبار حزب الله على إطلاق الطلقة الأولى حتى يتسنى لها كحجة شن حرب شرسة على لبنان؟
وزيارة بايدن لفلسطين المحتلة، والكيان الإسرائيلي، والسعودية، بناء على دعوة الملك السعودي، لحضور قمة تضم أمريكا ودول الخليج العربي، ومصر والأردن والعراق؛ هذا التحرك؛ هل يقع في خانة المساعي الأمريكية الاستباقية لمواجهة إيران في المنطقة بحرب الإنابة (من الطبيعي النفط يقع في هذه الخانة). إن أي وقفة متأنية وفاحصة بحيادية إلى موقفي أمريكا وإسرائيل ومن معهما، وموقف إيران من الملف النووي، أو من إبرام الصفقة النووية مع أمريكا والدول الأخرى المشاركة في اتفاق عام 2015؛ تقود إلى التالي وباختصار:
أولا: صحيح أن إيران أصبحت لديها القدرة، وكمية اليورانيوم المخصب، سواء كان بنسبة 20% أو 60%، إضافة إلى قدرتها على صناعة الصاعق وبدن القنبلة النووية، وإخفاء عملية التصنيع عن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية؛ وعلى صناعة السلاح النووي في زمن قياسي. هذا الأمر مقلق سواء لأمريكا أو للدول الاخرى الكبرى من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي؛ لأنه يهدد إسرائيل وبقية دول المنطقة، ويدفع إلى الانتشار النووي في المنطقة. إيران ليس في وارد خططها صناعة القنبلة النووية، على العكس مما يروج له؛ من أنها تخطط لصناعة سلاح نووي.. لأنه لا يخدمها في الوقت الحاضر وحتى في الأمد المنظور والمتوسط؛ لأنها لا تحتاج إليه في المحافظة على أمنها وحدودها، من أي اعتداء خارجي؛ وليس هناك دولة في جوارها لها القدرة والقوة على اجتياح الأراضي الايرانية، إضافة إلى عدم توفر النية والأهداف لمثل هذا العمل العدواني، لا الآن ولا في المستقبل. الأمر الآخر؛ أن إيران بقدراتها العسكرية الحالية وآفاق تطورها، كما ونوعا، مستقبلا، وسعة جغرافيتها، ووعورتها كافية لصد أي اجتياح. المسؤولون الإيرانيون ليسوا من الغباء بحيث يقدمون على هذه الخطوة في الوقت الحاضر. في المقابل؛ سيصرون على الاحتفاظ بقدراتهم على درجة التخصيب، أي الوقوف على آخر حافة من العتبة النووية..

لو توفرت في دولنا العربية حرية وتبادل سلمي للسلطة وعدالة، ما كان لإيران أن تشكل هاجسا مخيفا لها

ثانيا: المسؤولون الإسرائيليون في الأيام الأخيرة؛ تحدثوا كثيرا، عن انهم لن يسمحوا لإيران بامتلاك السلاح النووي، وهم يدركون أكثر من غيرهم أن إيران ليس في وارد برنامجها صناعة السلاح النووي؛ هذه التصريحات ما هي إلا مغازلة الجانب العربي، وتجييش الأنظمة العربية ضد إيران؛ بتحويلها إلى بعبع نووي يهدد دولهم وشعوبهم. إنها مخالفة للواقع الإيراني على الأرض في الوقت الحاضر، فإيران تعاني صعوبة اقتصادية جمة، كما أن الداخل الإيراني هش بدرجة كبيرة جدا. رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أيام؛ قال إن زمن الحصانة الإيرانية ولى، وحان الآن الوقت لضرب رأس الاخطبوط وليس الأذرع، وهو هنا يقصد ضرب إيران. لا إسرائيل ولا أمريكا؛ ستهاجم الجغرافية الإيرانية بطريقة مباشرة، لا الآن ولا في المستقبل، حتى ولو بطلقة مسدس، تحت مختلف الظروف والأحوال؛ لأسباب، سآتي عليها لاحقا. لكنها من الجهة الثانية؛ سوف تُفَعل مفاعيل الموساد، التي بدأت قبل سنوات؛ لجهة القوة والسعة، في الداخل الإيراني وفي أي مكان يمكن للموساد الوصول إليه. على غرار ما حدث مؤخرا وما سيحدث لاحقا.
ثالثا: لا إسرائيل ولا أمريكا ستهاجمان إيران للتالي: إيران حاجة استراتيجية أمريكية وإسرائيلية، والذي أقصده الدولة لا النظام الايراني، فكلا الدولتين تعملان على إزحة النظام الإيراني. وهما تعتقدان حسب قراءتهما للمشهد السياسي والاقتصادي والأيديولوجي، ومرتكزات النظام الايراني؛ أنهما قادرتان على إسقاطه، من خلال، أو بواسطة الأعمال المخابراتية، والحرب الاقتصادية، وحرب الوكلاء، وتحطيم أعمدة النظام داخليا. هنا تأتي الحاجة إلى تجييش دول الجوار ضد إيران على مختلف الصعد.
رابعا: مؤخرا اشتد الضغط الأمريكي على الجانب الإيراني؛ سواء بقرار الإدانة الذي صدر مؤخرا من مجلس محافظي الوكالة الدولة للطاقة النووية، أو بالتهديد الإسرائيلي باستخدام القوة العسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني، مرورا بزيادة الضغط الاقتصادي على إيران من قبل الإدارة الأمريكية، والتلويح بالحرب في مناطق النفوذ الإيراني. مقابل زيادة التصلب الإيراني في مواقفها من المفاوضات المتوقفة، مرورا بتنفيذ قرار البرلمان الإيراني في عدم استمرار الالتزام بمقتضيات اتفاق 2015: بزيادة عمليات التخصيب، وإيقاف كاميرات المراقبة، وزيادة أجهزة الطرد المركزي في نطنز، من الجيل السادس المتطور. الجانبان الأمريكي والايراني يقومان بعملية الضغط والضغط المقابل؛ لإجبار الخصم على التحرك إلى منطقة بين المنطقتين في نهاية المطاف. أمريكا إذا ما استمرت في تعنتها ستقود إيران إلى العمل على امتلاك ليس الحافة النهاية من العتبة النووية، بل ستعمل على امتلاك حتى هذه الحافة أو الوصول علميا وعمليا إليها من غير أن تقدم على صناعة السلاح النووي، الذي سيكون في متناول يدها لحظة تريد، أو تقرر أن تصنعها. هذا التطور يقود حكما إلى الانتشار النووي في المنطقة. أما إيران فمن جانبها تستخدم هذه الاستراتيجية؛ لدفع أمريكا للقبول بالحلول الوسط لبرنامجها النووي. وربما هذا ما سيحصل ولو بعد حين.
خامسا: الكيان الإسرائيلي لا يخشى إيران النووية، ولا إيران العتبة النووية؛ ما تتوجس منه، خوفا ورعبا؛ هو الانتشار النووي في المنطقة، وعلى وجه التحديد؛ الدول العربية في الجوار الإيراني، وأيضا الجوار الإسرائيلي، ما يشكل خطرا وجوديا على كيانها المسخ؛ عندما تتغير أحوال دول المنطقة العربية وهو تغيير تفرضه حتمية تطور التاريخ وضرورات ومرتكزات هذا التطور. عليه فإن الكيان الإسرائيلي يعمل بجد وقوة وفاعلية على عدم امتلاك إيران السلاح النووي ولو بعد زمن. وأيضا يعمل وأمريكا ولو من خلف ستار على استمرار عملية التطبيع، حتى الوصول بها إلى نهايتها؛ وتصبح معترفاً بها من جميع الدول العربية مستقبلا. عملية التطبيع هذه مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، ولو جزئيا، أي في جانب منها وليس جميع جوانبها وأهدافها المستقبلية، لذا نلاحظ أن أمريكا والكيان الإسرائيلي؛ يعملان بكل قوة وإعلام وإقناع؛ على جعل إيران «البعبع» الذي يهدد دول الخليج العربي وبقية دول المنطقة العربية؛ وإن من مصلحة الدول العربية؛ أن تصطف مع الكيان الإسرائيلي للحصول على دعم هذا الكيان الذي يحتل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ويقتل بوحشية الفلسطينيين، إن لم نقل يحتل كل فلسطين وتلك هي الحقيقة. إيران في أوضاعها الحالية لا تشكل تهديدا وجوديا على دول الخليج العربي، أو بقية دول المنطقة العربية. لكن المهم، القول، إن إيران لها ما لها وعليها ما عليها، وهي تبحث عن مصالحها بكل الطرق والوسائل. ولو توفرت في دولنا العربية حرية وتبادل سلمي للسلطة وعدالة، ما كان لإيران أن تشكل هاجسا مخيفا لها.. كما أن الأنظمة العربية لو تصالحت مع شعوبها، وترجمت إرادتها في سياستها على جميع الصعد، ومن أهمها الموقف من الكيان الإسرائيلي؛ ما كانت لتحتاج الدعم الإسرائيلي والتطبيع المجاني معه، بالضد من رأي هذه الشعوب، التي ستنقلب عليها ولو بعد حين.
سادسا: هل الإيرانيون أخطأوا؛ عندما فرضوا شرطا جديدا في اللحظة الأخيرة، وهي اللحظة التي سبقت التوقيع على الصفقة النووية، أو هكذا تناقل الإعلام والمسؤولون في إيران والدول الكبرى؟ من وجهة نظري: الإيرانيون اخطأوا على غير ما عرفوا به من حنكة وذكاء في إدارة الأزمات والصراع بينهم وبين أمريكا وإسرائيل، بسبب أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست حرة تماما في الذي يخص مفاوضات فيينا بينها وبين إيران؛ في الاستمرار في المرونة الذليلة في التعامل مع إيران الحافة الأخيرة من العتبة النووية؛ فهناك معارضة شديدة وقوية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في إبرام الصفقة النووية بالشكل الذي يريده الإيرانيون، بضغط من إسرائيل العميقة في الداخل الأمريكي، وتحديدا في أروقة صنع القرار الأمريكي، إذ هناك تيار قوي في غرف صناعة السياسة الأمريكية فيما يخص إيران؛ يضغط باتجاه عدم إبرام الصفقة النووية، والعمل في مسار تشديد العقوبات الاقتصادية وعزل إيران، وتثوير الداخل الإيراني الذي سينتهي إلى إسقاط النظام الإيراني؛ حسب قراءة القوى الأمريكية لتحولات الداخل الإيراني.
سابعا: السياسة الأمريكية الأخيرة، اتجاه إيران، أو مسار التعامل معها في الظروف الإقليمية والدولية التي خلقتها الحرب في أوكرانيا؛ هي الأخرى خاطئة للتالي: إيران لا يمكن عزلها؛ فروسيا والصين ودول أخرى في جوار ايران وفي محيطها الأقرب والأبعد؛ لا يمكن لها إلا أن تستمر في التعامل معها سياسيا واقتصاديا وتجاريا، بفعل أو بتأثير الضرورة والحاجة، إيران لديها أوراق ضغط؛ تربك خطط وحسابات أمريكا في هذا الجوار.
في النهاية أقول ربما، ربما كبيرة جدا؛ إن الدولتين في خضم هذا الصراع بينهما أو بين إيران وأمريكا وإسرائيل، على الرغم من التعقيد والاشتباك والتداخل والالتباس؛ سيصلان إلى منطقة حرجة جدا؛ تستوجب منهما اتخاذ القرار حسب مصلحتيهما في الذي يخص إحياء مفاوضات فيينا لإبرام الصفقة النووية بينهما.. وليس العمل على موت الصفقة..المقال نُشر قبل ايام في القدس العربي. تفضلكم بالنشر. دمتم بالغ خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى