تعاليقرأي

الكوارث نوعان: طبيعية، وأخرى مفتعلة يتسبّب فيها الإنسان

الكوارث نوعان: طبيعية، وأخرى مفتعلة يتسبّب فيها الإنسان.

والكارثة؛ ليست بالضّرورة تلك الصّورة الموحشة أو المرعبة التي نحملها في أذهاننا، والتي تأتي مقرونة في العموم بالخراب والدّمار نتيجة حريق أو مطر غزير تسبّب في فيضانات، أو زلزال او إعصار من الأعاصير كالتي نشاهدها في الفيديوهات وتدمّر كل شيء أمامها.

فقد تكون الكارثة في شكل إمرأة حسناء وجميلة تعشقها العيون قبل العقول، ويقع في شباكها الشبّان، والكهول، وحتى الشيوخ في بعض الأحيان، بسبب جمالها، فيتزوّجها، وهو لا يعرفها معرفة جيّدة، فيعبث الزّواج بحياته ويدمّره.

وقد تكون الكارثة كذلك في صورة شاب وسيم، أو غنيّ مرفّه لديه عمارة وسيارة جذّابتان، فتنجذب إليه الفتاة من حيث لاتحتسب ولا تدري وتقع في هواه وهي لا تعرف عنه شيئا؟

أليس هذا ما يحدث في المسلسلات المدبلجة؟

والكارثة حين تحدث في الواقع، فإنّها تتسبّب في أضرار بليغة لا يمكن ترقيعها؛ لذلك سُميّت بهذا الاسم.

ومن أضرار هذا النوع من الكوارث المفتعلة التي يتسبّب فيها الإنسان، أن الضّرر يتعدّى إلى الآخرين. ويسدّد ثمن هذا الضّرر إمّا الأصول أو الأبناء، أو الإثنان معا.

لقد تبيّن أن من بين أهم أسباب الكارثة المفتعلة يأتي الجهل في المرتبة الأولى، ثم يليه الفقر؛كان والدي ـ رحمه الله ـ صعب المراس بسبب الغنج والدّلال، والتحق بالمدرسة وتعلّم فيها القراءة والكتابة آنذاك، لأنّه ينتمي لعائلة ميسورة الحال. وأمّا والدتي ـ رحمها الله ـ فتزوّجت وهي لم تبلغ بعد سن الرشد، ولم تلتحق بالمدرسة بسبب الظروف؛ ظروف الفقر والاحتلال. رحمهما الله، وطيّب ثراهما.

وأمّا أنا فنشأتُ في ظروف تميّزت بالخصام والخلافات، فكنتُ أوّل من دفع ثمن تلك الخصومات والخلافات التي حدثت بينهما. وانعكس ذلك على بقيّة حياتي، بما في ذلك حياة أبنائي.

فاللّذان يقرّرا الارتباط ببعضهما وهما لا يعرفان بعضهما جيّدا ولا يدركان خطورة المسئولية، يكونا قد وضعا حياتهما على شفا جرفٍ هار. وغامرا بحياة الأبناء الأبرياء. قرارهما هذا اللّامسئول، يعبّر عن اللاّوعي بمخاطر المستقبل. لأن مسألة الزواج ليس مسخرة، أو مجرّد مسرحية تنتهي بانتهاء الأدوار… فكيف يكون حال الأصول الذين سهروا وتعبوا؟

وكيف حال الأبناء في ظلّ خلافات مستمرّة كالتي تقع بسبب سوء التفاهم ، وكثيرا ما تنتهي بالطّلاق؟

قد يتحجّج بعض الأولياء بالحديث الشّريف الذي يقول فيه الرّسول الأعظم الكريم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج…

وذلك قد يتطلّب شروطا عديدة من بينها: أن تكون الدولة هي الرّاعية لهذا الزّواج، وأن تسهر على حماية الأبناء وتتكفّل بهم، عند حدوث الخلافات والخصومات؛ كما يجري في المجتمعات الرّاقية. وهذا مجرّد رأي وليس فتوى يعمل بها، فالفتوى لها رجالها. والإنسان العادي قد يصيب وقد يخطأ. ولكن هل من الصواب أن نربط بين نقيضين مثلا؛ بين متعلّم وجاهل؟ أو بين مؤمن وملحد ليس في قلبه ذرّة من الأيمان؟

وبين جمال فاضح ومنظر قبيح؟ و بمعنى آخر:

هل يمكن أن تغرس الورد في زبالة؟ وكيف سيكون المنظر عندها؟

هذا النوع من الكوارث، والذي هو نتيجة لانعدام الوعي وغيّاب الشّعور بخطورة المسئولية، تتعدّى آثاره حدود الأسرة والمجتمع لتصل إلى الأمّة؛ فآثاره جد وخيمة، وأخطاره على الأمّة جد كبير.

لذا فإن الحديث عن أسباب سقوط الأمّة لا بد أن يأخذ في الحسبان هذا الاختلال، الذي بسببه يكثر الشقاق ويتشرّد الأبناء والأفراد، وتظهر الآفات داخل المجتمع وو.. وينعكس كل ذلك على الأمّة الواحدة، فيزيد عدد المتشرّدين ويكبر فلا تقدر على التكفّل بأفرادها.. فتغدو أمّة كبيرة،كثيفة بحجمها وبعدد أفرادها، لكنّها غثاء كغثاء السيل؛ كما ورد في الحديث الشريف بهذا المعنى.

وقد يتحجّج بعض الأولياء بالحديث الشريف:

” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ” ؛ فقليل من الأولياء من يتمسّك بشرط الأخلاق في هذا الزمان.

بل؛ ولسبب من الأسباب المعروفة ومنها مثلا الذهنية القديمة المتمثّلة في ازدراء الأنثى باعتبارها مصدر تلاعب بشرفها وشرف الأسرة والمجتمع، وقد يتسبّب بقاؤها في البيت في العديد من المشاكل. وبالتالي فهم يعجّلون برحيلها، وذلك خير وأفضل لها من العنوسة طبعا، ويتخلّصون منها ومن “شرّها” المحتمل بشتّى الطرق والأساليب. ثم حين تحدث الكارثة بنشوب الخصومات و الخلافات بين الزوجين، و التي تنتهي بالطلاق في معظم الأحيان، ويتشرّد الأبناء… فلا تسمع سوى عبارة مكرّرة من هؤلاء (الأولياء) هي: “واش تحب؟” أو “مكتوب ربّي”.

ولكن “مكتوب ربّي” هذا يستوجب القراءة الجيّدة للمستقبل، والتدبّر في معاني الأحاديث الشريفة والآيات الكريمات. و لكن الذهنيّة القديمة تغلّبت، وصرنا في هذا الزمان نعمل بشروط وأساليب: “ما أنزل الله بها من سلطان”. وتركنا السنّة و القرآن،

والمثل الشائع عندنا يقول: “دز بهيمك فالغرچة وچول يا سيدي عبيد”.

بالمناسبة سيدي عبيد هذا هو:

عبيد الله المهدي مؤسّسَ الدّولة الشيعيّة التي حكمت، وأَسّستْ حُكُمَ الفاطميين في كافة أنحاء شمال أفريقيا، قدم من العراق أو الشام، وتوطّن عندنا في الجزائر، وتوفي في مدينة المهدية بتونس. وأعتقد أنه هو المؤسّس الأوّل لـ”سلالة ” (أولاد عبيد)؛ الذين ينتشرون بكثرة وبصورة خاصة في جنوب كل من تونس وليبيا والجزائر، وبصورة أخف و أقل منهم في مصر(كما قيل لي).

——————

ـ “دز بهيمك فالغرچة وچول يا سيدي عبيد”:

دز( دز: أرمِ) بهيمك( دابّتك أو حمارك) في الغرچة (أو الغرق: وهو المكان الغارق) وچول(وقُلْ) يا سيدي(أو يا جدّي): استغاثة واستنجاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى