أحوال عربيةأمن وإستراتيجية

العلاقة بين حماس والجهاد… ما الذي تغير؟

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

السؤال الشائع الذي يتردد في العديد من الدوائر داخل فلسطين وخارجها، ولا يغيب عن مخيلة أحد من أبناء هذا الوطن: الى متى تبقى حماس بعيدة عن الجهاد؟ فهذا السؤال حول مستقبل المنطقة أصبح مطروحا بل وحاضرا في الأجندات الراهنة ومحددا ضمن مسارات الأحداث .

الذي يحدث في فلسطين ، ليس حلقة من حلقات الصراع مع الاحتلال فحسب، لكنه أيضاً معركة فاصلة بين مسار المقاومة ومسار التسوية والإستسلام، فبعد أن راهن فيها الكثير على سقوط محور المقاومة، ثبت أن مكونات هذا المحور خرجت أقوى مما كانت عليه، إذ فشلت القبة الحديدية الإسرائيلية من منع صواريخ “الكاتيوشا وغراد” على تل أبيب، هذا مما دفع الإسرائيليين إلى العيش في حالة خوف ورعب وتوترٍ،

على الجانب الآخر تركت حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي أكثر من مرة وحيدة في مواجهة مع إسرائيل، وهو تكتيك نجحت إسرائيل في فرضه على قطاع غزة مرتين، الأولى عام 2019 والثانية في عام 2022 ، والحرب التي ما تزال قائمة حتى الآن.

من أهم التحديات التي تواجه منظومة العلاقة السياسية بين حركة حماس والجهاد الإسلامي هو وحدة التنسيق السياسي او العسكري الغائبة، وهو التحدي الذي ظهر في الحرب الإسرائيلية الأخيرة عندما وقع ما يمكن وصفه بالتشابك الاستراتيجي بين الحركتين مع عدم تدخل حركة حماس بأي صورة في هذا العدوان للتصدي للضربات الإسرائيلية.

واليوم لم يعد توحيد الجبهات ضد الاحتلال شعاراً، بل أصبح استراتيجية واقعية يمكن أن تغير الخرائط ، في الآونة الأخيرة بات واضحا ان هناك تحركات واتصالات مكثفة بين حركتي حماس والجهاد، حيث دعت حركتا المقاومة الإسلامية “حماس” والجهاد الإسلامي، الفصائل الوطنية الفلسطينية إلى الاتفاق على خطة وطنية شاملة لمواجهة التحديات والمخاطر التي يتعرض لها الشعب والقضية، وعكس مستوى اللقاء بين الحركتين حجم قوة العلاقة بين التنظيمين وفشل محاولات الاحتلال الإسرائيلي الذي أراد إحداث شرخ في العلاقة خلال معركة وحدة الساحات.

في هذا السياق إن الاحتلال كان قد وضع هدفاً لنفسه بعزل حركة حماس عن الجهاد الإسلامي ولذلك فإن الاجتماع نسف كل الجهود الإسرائيلية لضرب هذه العلاقة التي تعتبر استراتيجية بالنسبة لكلا الحركتين، بالمقابل فإن عنوان اللقاء الأبرز كان إفشال الاحتلال الإسرائيلي وضرب كل جهوده، مع الإشارة إلى أن التباينات الداخلية ستبقى دون أن تمنع تطور العلاقة.

بمعنى أن حركات المقاومة لن يتركوا المدينة المقدسة ولن يتركوا هذه المقدسات المسيحية، الإسلامية والمسيحية، لتهدم وتدمر وتُبنى عليها بدائِل مزعومة، بل سيدافعون عنها، وبذلك شكل توحيد المواقف والدعم بين جميع جبهات المقاومة “الفلسطينية واللبنانية والسورية” معضلة كُبرى وتحدٍ كبير أمام “الاحتلال الإسرائيلي” كما أن عملية توحيد الجبهات تربك حسابات “إسرائيل” وتجعلها تفكر ألف مرة قبل أن تشن أي حرب ضد أي جبهة من جبهات المقاومة

وهنا يمكنني القول إن نتنياهو يلعب بالنار سواء في لبنان وفلسطين وسورية، ومن المؤكد انه سيدفع ومستوطنوه ثمناً غالياً في نهاية المطاف، ولا نستبعد ان نرى المقاومة اللبنانية والفلسطينية والسورية الوطنية تتوحد ضده بطريقة مباشرة او غير مباشرة في المرحلة القادمة، وبالتالي فإن مساعدة كل من إيران وسورية لحزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في فلسطين، بالإضافة إلى القوّة الصاروخية التي يمتلكها والقادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل، فضلاً عن قدراته الهجومية التي لا تزال في ارتفاع مستمر من ناحية الكم والكيف، ليس لمصلحة إسرائيل في فتح جبهة مع حزب الله، ليصل الأمر بالمقابل إلى إعتبار أن سيناريو الحرب القادمة مع حزب الله سيكون الأخطر في تاريخ إسرائيل.

إن المنطقة تدخل في مرحلة جديدة سيكون عنوانها التغيير، وسيتمخض عن المعركة الدائرة مع العدو ولادة شعب عربي متحرر من خوف الأعداء، وسينتج عنها استعادة المحور المقاوم لدوره، وتعزيز ثقافة المقاومة بين شعوب المنطقة، المستندة إلى برنامج وطني نضالي واحد هدفه تحرير الأراضي المحتلة، بالمقابل هناك توقعات بانفجار المنطقة برمتها التي أصبحت معرضه لمخاطر الحرب نتيجة المواقف المتعنتة للدول المتآمرة على لبنان وفلسطين وسورية، فالحقيقة التي يجب أن ندركها إننا الآن أمام تحدي كبير يتطلب منا التغيير في الاستراتيجيات والأدوات والعودة إلى الكفاح والمقاومة بكل أشكالهما، وكسر حال الصمت لمواجهة إسرائيل الحاقدة على العرب.

وأخيراً أستطيع القول إن حماس تجري مراجعة شاملة إستناداً إلى ما تشهده المنطقة من تغيرات، إنطلاقاً من حاجتها إلى محور المقاومة وبذلك تتهافت حالياً على تغيير موقفها من حركة الجهاد وحركات المقاومة الأخرى، فجميع الأطراف لهم مصلحة في هذه الشراكة التي يجب أن تعود لمسارها الطبيعي، وبالنتيجة فإن عودة هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي سيؤدي إلى إثارة غضب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، اللتان رحبتا سابقاً بضعف العلاقات بين الجهتين من أجل تحقيق مشروعهما في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى