أخبار هبنقةأمن وإستراتيجية

العبودية لـ فيسبوك

عبيدٌ لما صنعناهُ بعقولنا....مواقع التواصُل الاجتماعي

 
ازهر عبدالله طوالبه
” ما  حدُث مِن تعطُّل مواقِع التّواصُل الإجتماعي، هو أمرٌ لا أراهُ إلّا تواطؤ شرِس بحقِّ مليارات مِن البشَر، الذين يقضونَ وقتهُم على موائدِ هذه المواقِع”
هذا ما قالهُ لي أحَد الأصدِقاء، بعدَ أن أدركَ بأنَّ تبدُّل هواتفه، الذي كانَ المُراد منهُ، أن يكونَ أكثرَ قُدرة على تقصّي كُل ما يحدُث على تلكَ المواقِع، لَن يُغيِّر مِن حالهِ أبدا، وأنَّ كُثرَة السّاعات التي يقّضيها على هذه المواقِع، ما هي إلّا تأكيدًا على حالة فراغٍ نفسيّ يعيشها، وأنا هُنا، قد شبّهتهُ، برجلٍ تزوَّج العديدَ مِن النِّساء ؛ كي يُنجِب، ظنًّا مِنهُ أنّ كُلّ زوجةٍ كانَ يتزوّجها ؛ عاقِر، وأنّ عليهِ أن يتزوَّج واحِدة أُخرى ؛ كي يُثبِت هذا . لكن، بعد أن طلَّق ما طلَّق، وراكمَ فوقهُ ما راكمَ مِن النّساء، تأكَّد مِن أنّه هو “العقيم”، وأنَّ الله لَم يكتُب لهُ أن يكونَ أب . وهذا، هو حال صديقنا الذي نوَّعَ كثيرًا في عالَم الهواتِف، وجالَ وصالَ فيه، دونَ أيِّ نتيجةٍ تُذكَر.
لقَد كُنتُ قبل قول هذا الصّديق، أترنَّح بينَ نظرَتين ؛ نظرَة، أنظُر بها لعالَم التّواصُل الاجتماعيّ، على أنّهُ عالَم جعلَ البشَر أكثَر قُربًا مِن بعضهم، وأليَن وأحَن عاطفةً لبعضهم، ونظرَة، أنظُر لهُ بها، على أنَّهُ عالَم خلخَل المفاهيم النفسيّة لهذا البشَر، وأفقَدهُم توازنهم الذّاتي، فضلًا عن أنّهُ عمِل على تمييعِ مفاهيم كثير، مِن أهمّها (الدّيمقراطيّة، الحُريّة) . لكن، قول هذا الصّديق، قَد جعلني أقرُّ وأعتَرف بأنَّ النّظرة الثّانية، هي النّظرَة الأكثَر واقعيّة، وأنّها نظرَة عميقة، حيث أنّها تعمَّقت كثيرًا في تأثيراتِ هذا العالَم، وتوقَّفت كما لم تتوقَّف مِن قبل، عند آثار هذا العالَم .
أنَّ هذا العالَم، الذي تفوَّقَت بهِ السلبيّآت على الايجابيّات، كشفَ الغِطاء عن هشاشتنا الدّاخليّة، وأنّها -أي هشاشتنا الدّاخلية- تُسقى بماءِ المُراقبة/المتابعَة، التي تنبُع مِن ضُعفنا بذواتنا، وأنّنا بلا أيّ فائدة ؛ إن هُدِمَت هذه المواقِع، وأصبحَت كما لو أنَّها لَم تكُ بحياتنا، قط .
ولَم نكتفِ بالنّظَر لأنُفسنا بهذا فقَط، بل أصبحَ الواحِد منّا، لا يكُف عن الانتقاص مِن نفسهِ، إن لَم يكُ عُنصرًا مُتسلّقًا على جُدرانِ هذا العالَم، باحثًا عن وجودٍ افتراضيّ يتفوَّق بهِ على الوجود الواقعيّ، مُستندًا بهذا، إلى مقولةٍ تُردَّد كثيرًا بينَ البشَر، ألا وهي “الواقِع الافتراضيّ هو واقعنا الذي نعيش فيه” .
نعم، نحنُ ضُعفاء، ولا مفرَّ مِن ذلك، ومَن يُنكِر ذلك، فهو قد سقطَ في مُستنقعٍ مِن الجهلِ، يكاد لا يستطيع الخُروج منه . فبحثًا عن وجودٍ رمزيٍّ صنعّناهُ، نحنُ بأنفُسنا، باتَ كُلّ واحدٍ منَّا، يركُض عاريَ الفِكِر، فاقِد الثّقافَة، خالٍ مِن كُلّ اتّزانٍ نفسيّ، يضمَن لهُ الاستقرار والعيش على قمّة جبلٍ، تمكِّنهُ مِن مُصافحَة السّماء، ومِن مُعانقة الغَيم.
ولأنَّنا، ما عُدنا نُقيم وزنًا لأنفُسنا، إلّا بقدَر ما نحصُل عليهِ مِن “لايكات”، وبعدّ ما نحصُدهُ مِن تعليقات على منشوراتنا، التي يكون مُعظمها، منقولًا ممّن يُشاركنا الوجود في هذا العالَم ؛ قد جرَّدنا أنفُسنا مِن كُلّ واقعٍ يمُتُّ لنا بصِلة، أو نمتُّ لهُ نحنُ بصِلة، وقد قبِلنا أن نكونَ تحتَ رحمة العالَم الافتراضيّ، وسلّمنا رِقابنا، لكُلّ التقنيّات، لا سيّما، تقنيَّة ” الذكاء الاصطناعيّ” ، التي باتَت تلعَب دورًا مُهمًّا في حياتنا اليوميّة، بل حتى، في كثيرٍ مِن الأحيان، باتَ لها دور، لا يُجهَل، في مشاعِرنا .
الخُلاصة: ‏حين يفقد الإنسان النت، يعتقد أنَّ هناك أشياء تحدُث وهو بعيد عنها، يتوهَّم أنَّ أُمور مُهمّة ستفوته، وأنَّهُ سيتخلَّف عن ركبِ الحياة، فيما الحقيقة، لا وجود لشيء سيُغيِّر مصير البشرية أو حتى مصيرك. ما يفوت عنك هو حياتك الواقعيّة، تلك خسارتكَ الدائمة..ما تفقده هو ذاتك الحقيقة. وليس النت أو ما يحدث فيه.*
قبلَ سنتينِ تقريبًا، وفي جلسةٍ مع الأصدِقاء، ونحنُ نُقيِم بالعُمقِ مِن نقاشٍ واسعٍ حولَ ما توصَّلَ إليهِ العقِل البشريّ، مِن التكنولوجيا، كُنتُ قد قُلتُ مقولة جسّدتُ فيها حالة الضُعف التي نعيشها، حيث أنّني قُلت :”نحنُ ضُعفاء لدرجة أنُّه مُسيطر علينا بما صنعّناهُ بعقولنا” .
وبالفعِل، ها نحنُ، بعدَ تعطُّل مواقِع التواصُل، أمس، قد تمَّ التأكُّد، مِن أنَّنا أصبحنا عبيدًا لها، وبالكادِ نخّرُج خارج معابدها المُتعدّدة الأشكال، والمُتنوّعة في وظائفها .
*اقتباسٌ مِن أحَد التقارير الصحفيّة، التي سلَّطت الضّوء على الحدَث المُفزِع، الذي أصابَ العالَم، أمس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى