ثقافة

الشعر الشعبي

د. صادق السامرائي
الشعر الشعبي موروث معرفي حسي إنساني، ثري بالمشاعر والعواطف والإنفعالات، المنسكبة من أعماق النفس، والمتفاعلة مع التحديات والقاسيات المتواصلة، بجراحاتها ونزيفاتها الموجعة.

ففي الشعر الشعبي توثيق دقيق لأبجديات لغتنا الخفية الأخرى، الكامنة في قاع الأعماق، التي يتوطنها ما لا يستطيع السباحة والعوم على وجه الأيام.

فكم من الحسرات قد رَكست!

وكم من الآهات والخيبات والآلام قد غطست في بحر النفس البشرية!

ولا يمكننا أن نستدل عليها، إلا من خلال الشعر الشعبي الذي يعبّر عن أوجاعنا الجمعية.

ولهذا فعندما نستمع للشعر الشعبي، فأننا نغطس في دنيانا الخفية، ونبوح عمّا فينا بلسان العذوبة والألم والجراح، وبلغة الإنطلاق نحو إعادة تخليق الذات، المحرومة المكبوتة الممنوعة من الحياة.

فالقوة يمكنها أن تسحق الوجود البشري، لكنها لا تستطيع أن تقتل ما فيه، ولا تقدر على محق أبجديات الفكرة والإرادة والأمل والطموح.

وكلما إزدادت عناصر النفس إنسجاما، كلما إكتسبت تماسكا أعظم، وقدرة على التحقق في أجيال قادمة.

وهكذا فأن الشعر الشعبي يحمل رسالة ما فينا إلى الأجيال، بل أنه يوقد أنوار التبصر والإصرار والمواصلة على أننا نكون.

فاسحق الذات، ودمر ما تستطيع، لكن الشعر الشعبي هو الذي يساهم في إنبثاقها، من رماد العصور والويلات والحروب والكوارث والتداعيات.

الشعر الشعبي، قوة إستنهاض حضارية مدوية في رحاب المسيرة البشرية، ولا يمكن لأمة أو شعب أن ينقرض، ما دام يمتلك قدرات سبك الأفكار في قوالب إنسانية، مؤثرة في العقل والنفس والسلوك.

ووفقا لهذا، فأن الأمة حية ونابضة بالقدرات والتطلعات والتفاعلات الحضارية المشرقة المدونة في موروثها الشعبي، والمنطلقة نحو آفاق صيرورة إنسانية أفضل.

فالشعر الشعبي، حافظة ما فينا، ومدوّنَة حقيقة أيامنا، وصرخة إرادتنا المقيدة بأصفاد الممنوع، والمأسورة في زنزانة لا أكون.

وهو بريق وجودنا، ورعد صيرورتنا في بودقة التحدي والمواجهة، مع عوامل الصراع المتفاعلة حولنا وفينا.

وبهذا يكون للشاعر الشعبي دور مهم في صناعة الحاضر والمستقبل، وتحفيز الطاقات الجماهيرية والشعبية لتحقيق مشروع التفاعل الوطني المعطاء، الذي يصوغ سبيكة المجتمع المتآلف المبدع الخلاق.

فتحية للكلمة الصادقة المنسكبة من قلب العراق.

فكل الفنون ترسم صورتنا، وتشير إلى وجودنا المتفاعل مع نهر الحياة الصاخب.

ولنشدو جميعا بلسان العراق!!

د-صادق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى