أخبارإقتصادالجزائر من الداخل

تسيير البنوك المركزية في الدول في ظل الأزمات الحالية والمستقبلية

واجهت المصارف المركزية في مختلف أنحاء العالم، خلال الأعوام الثلاث الماضية،
تحديات ومخاطر متعددة، بدأت بتداعيات جائحة كورونا، ومن ثم تحول تركيز إهتمام
صانعي السياسات الاقتصادية تدريجياً نحو تداعيات التطورات في القارة الأوروبية، وكذلك
التعامل مع حالة عدم اليقين وإحتواء الضغوط التضخمية التي فرضت عليها إتباع سياسة
نقدية متشددة، وما رافق ذلك من ارتفاع في كلف الإقراض وتراجع الدخل المتاح لقطاعي
الأسر والشركات، إضافةً إلى ارتفاع أسعار الفائدة في أسواق السندات الذي إنعكس على
قيمة الأصول السائلة عالية الجودة التي بحوزة البنوك، مما تسبب بحدوث بعض التداعيات
في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي سرعان ما تم احتواؤها.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن النظام المصرفي يعد اليوم أكثر استعداداً لإستيعاب
الصدمات المالية والإقتصادية والمخاطر والتي من الممكن أن يتعرض لها، وذلك ناشئ عن

يعتبر القطاع المصرفي في الدول العربية، المصدر الرئيس لتوفير السيولة
في الإقتصاد، فقد بيّن تقرير الإستقرار المالي في الدول العربية لعام 2023 الصادر عن
صندوق النقد العربي، أن القطاع المصرفي العربي، الذي يبلغ حجم موجوداته حوالي 4.1
تريليون دولار أمريكي ما يُعادل 124 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية،
كان مستقراً وقادراً بشكل عام على تحمل الصدمات، ذلك في ضوء ما حققه القطاع من
مستويات جيدة لرأس المال وجودة الأصول والربحية، وهو ما يعكس جهود المصارف
المركزية ومؤسسات النقد العربية في المحافظة على الاستقرار المالي.
فيما يخص القطاع المصرفي السعودي، فقد استأثر بنحو 23.5 في المائة من موجودات
القطاع المصرفي العربي محققاً بذلك المرتبة الثانية على مستوى الدول العربية، علماً أن
أصول القطاع المصرفي السعودي نمت بنسبة 10.5 في المائة في نهاية عام 2022 مقارنةً

بالعام السابق مدفوعاً بزيادة الإئتمان لقطاع الشركات، الأمر الذي يُعطي دلالة على التعافي
الإقتصادي للقطاع الخاص.

على صعيد الملاءة المالية، فقد تميّز القطاع المصرفي العربي بملاءة مرتفعة، إذ وصل
متوسط معدل كفاية رأس المال إلى ما نسبته 17.4 في المائة في نهاية عام 2022، وهي
نسبة أعلى من تلك المستهدفة دولياً حسب معيار بازل Ⅲ البالغة 10.5 في المائة. وقد حقق
القطاع المصرفي السعودي مرتبة متقدمة بين الدول العربية من حيث نسبة كفاية رأس المال،
إذ بلغت 19.9 في المائة، مما يُشير إلى قدرة القطاع على استيعاب الصدمات.
في المقابل، لا زالت نسبة التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات في القطاع
المصرفي السعودي منخفضة مقارنةً بالمتوسط في الدول العربية، بالرغم من التحديات التي
أفرزتها جائحة كورونا، التي نجم عنها ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة في معظم الدول، إذ
بلغت النسبة حوالي 1.8 في المائة في نهاية عام 2022، مقابل متوسط بلغ 8.0 في المائة
للقطاع المصرفي العربي.

أما عن أداء القطاع المصرفي في الدول العربية، فبعد تراجع معدل العائد على الموجودات
ومعدل العائد على حقوق المساهمين خلال أزمة جائحة كورونا، فقد عاودا الارتفاع في نهاية
عام 2022 ليبلغا 1.35 في المائة و12.84 في المائة على التوالي. ووصلت هذه النسب في
القطاع المصرفي السعودي، إلى حوالي 2.80 في المائة و12.50 في المائة على التوالي.
مما يعكس الأداء الجيد للبنوك وكفاءتها في توظيف موجوداتها، وفاعليتها في استخدام
رأسمالها وقدرتها على مواجهة الخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها مستقبلاً.

كشفت أزمة جائحة كورونا أهمية التقنيات المالية الحديثة في استمرارية توفير المنتجات
والخدمات المصرفية التي تقدمها البنوك، بالتالي يبرز الاهتمام بتعزيز البنية التحتية الرقمية
للقطاع المالي، وتشجيع التحول المالي الرقمي، وإيجاد فرص تطويرية واستثمارية في
مجالات التقنيات المالية. إلا أنه وفي الوقت نفسه، لا بد من التنبه إلى ضرورة تعزيز القواعد
التنظيمية الداعمة لجهود تطوير الأداء التقني ووسائل التواصل والعمل عن بعد، وأهمية
التأكد من وجود إجراءات وتدابير وأطر واضحة لتعزيز الأمن السيبراني وأمن المعلومات،
وتوفير البنية التحتية الملاءمة، وتوفير الدعم التقني المناسب. كما من الأهمية بمكان مواصلة
تعزيز منظومة الامتثال وإدارة المخاطر لدى القطاع المالي وتطوير منهجياتها لمواجهة
التحديات المرتبطة بمخاطر التقنيات المالية الحديثة في تنفيذ العمليات المصرفية والمالية،
والحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وكما سبقت الاشارة تُشكل مواجهة مخاطر تغيرات المناخ والكوارث الطبيعية تحدياً وعبئاً
إضافياً على الحكومات العربية بشكل عام، والمصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية
بشكل خاص، حيث واصلت الدول العربية تطوير ووضع إستراتيجيات وطنية وخطط للحد
من مخاطر تغيرات المناخ والكوارث الطبيعية، وبرامج دعم للمشروعات صديقة البيئة، من
خلال التمويل بأسعار فائدة وآجال مناسبين، وتعزيز التمويل المستدام والمسؤول، وتقديم
الحوافز للبنوك التجارية وأصحاب المشاريع الصديقة للبيئة بشكل مدروس. إضافةً إلى
التنسيق والتعاون بين المصرف المركزي ووزارة المالية والجهات الأخرى ذات العلاقة
لتعزيز دور السياسة المالية في دعم التحول البيئي نحو المشاريع منخفضة “غاز الكربون”،
وتعزيز أمن الطاقة، ودعم الاستثمارات الخضراء، وإصدار السندات والصكوك الخضراء،
كما تبذل الدول العربية جهوداً معتبرة في مجال الاقتصاد الدائري للكربون وتعزيز
الاستدامة، حيث قطعت أشواطاً هامّة في الحد من مخاطر التغيرات المناخية، وتحقيق تنمية
اقتصادية مستدامة، مع الاستمرار في تعزيز أمن الطاقة، وتحويل الانبعاثات الكربونية إلى
سلع ذات قيمة مضافة اقتصادياً من خلال تقنيات تخزين واستخدام ثاني أكسيد الكربون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى