الديكتاتور العادل

محمد سعد عبداللطيف
عندما اندلعت الثورات. العربية، كانت جموع الثوار في الساحات تنتظر ظهور القائد المفدّى الذي يأتي من اللامكان مطلقاً وعوده السحرية بحلّ جميع المشاكل. انتظر الثوار المستحيل! كانوا ينتظرون انبثاق شخصية قيادية قادرة على السيطرة على كل مفاصل الحكم وفرض الأمن والبدء في تطبيق برنامج يحقق العدالة للجميع! صورة الزعيم كلّي القدرة هذه تعود إلى أنه، في ذاكرتهم، لم يشهدوا تغييراً إلا وكان صانعه عضواً في تنظيم سرّي يحرّك، في اللحظة المناسبة، جيش البلاد بعد الانقلاب على قائده القديم. الزعيم العربي يأتي على ظهر دبابة في مناخ أيديولوجي يعبق بالأفكار التغييرية. لا يحتاج حتى إلى صياغة برنامج. برنامجه معروف سلفاً. هو فقط يظهر ويقول: أنا هنا! عندما ظهرت قيادات ثورات في الخمسينات وما قبلها قالت: أنا الاشتراكية والعروبة. عندما ظهر أتاتورك في تركيا قال: أنا العلمانية والحداثة. عندما ظهر الإمام الخميني في إيران القريبة قال: أنا الإسلام. هذه هي صورة الزعيم في الذهن العربي!
تريد الجماهير العربية أن تنام على حكم ديكتاتوري ظالم لتستفيق على حكم ديكتاتوري عادل. الزعيم غير القادر على تحريك كل مواضع القوة باصبعه كساحر يصعب أن ينال إعجاب الناس! هذا ما انتظرته الجماهير: قائد كاريزمي يعد الناس بتحسين أوضاعهم الاقتصادية ولا يسمح بانفلات الأوضاع الأمنية. هكذا قائد عليه أن يستوفي شرطين: أولاً؛ أن ينسج علاقات مع المافيات الاقتصادية السابقة أو يؤسس علاقات ريعية مع إحدى الدول النفطية ذلك لأن إصلاح الاقتصادي لا يمكن أن يحقق نجاحات سريعة وثانياً؛ أن يأتي من رحم الجيش أو بالتنسيق مع بعض جنرالاته ليستطيع فرض الأمن بالقوة بعد عملية التغيير. لهذا نجح الفريق عبد الفتاح السيسي في كسب ودّ الجماهير المصرية فهو استوفى هذين الشرطين.
محمد سعد عبد اللطیف
کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى