أمن وإستراتيجيةفي الواجهة

الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد

الحرب ... لسه ... في أول السكة

 
خالد بطراوي
ثمة مجموعة من الحقائق يتوجب علينا أيها الأحبة أن نأخذها بعين الإعتبار عند تحليلنا للمعادلات السياسية والاقتصادية العالمية.
أولى هذه الحقائق يتعلق بأهمية القناعة بأن السياسة ما هي إلا تعبير مكثف عن اٌلاقتصاد، وهي مقولة لينينية، وأضيف عليها من عندي بالقول ” أن السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد وأن الحرب هي تعبير مكثف عن السياسة”.
ثاني هذه الحقائق أن الهدف من أي حرب هو بالأساس الجلوس في خضمها أو بعد خفة حدتها على طاولة للمفاوضات ولا تنتهي الحرب إلا من خلال إتفاقية أو تستمر كحرب إستنزاف، لكن – عند الجلوس على طاولة المفاوضات – يختلف موقع كل طرف على الطاولة وطريقة جلوسه، هل يجلس منتصرا أم مهزوما.
ثالث هذه الحقائق، أن نظام القطبين قد ولىّ منذ زمن بعيد ولا يوجد أية آفاق و/او ملامح تشير الى أنه عائد في القريب العاجل أو أن نظاما متعدد الاقطاب يلوح في الأفق، وبالتالي فإن نظام القطب الواحد راسخ الجذور عالميا حتى هذه اللحظة وفي الأفق القريب.
رابع هذه الحقائق أن جمهورية روسيا ليست الاتحاد السوفياتي وليست وريثته، فلا يتوجب إعتبار روسيا على أنها تشكل رأس حربة ضد الامبريالية والرأسمالية والرجعية، أو أن ينظر الى تاريخ الإتحاد السوفيتي على أنه حكر و”علامة مسجلة” لروسا وحدها إذ أنه تاريخ مشترك لكافة الجمهوريات التي كانت تنضوي تحت لواء الإتحاد السوفياتي وهي التي عبر شعوبها ومناضليها من دحرت النازية الهتلرية.
خامس هذه الحقائق أن الرئيس الروسي بوتين ليس يساريا ثوريا أو ماركسيا وهو ليس “لينين زمانو” ولا خليفة تشي جيفارا ولا لينكولن “محرر العبيد” وليس قائدا لحركة التحرر العالمية. الرئيس الروسي بوتين هو قومي روسي بامتياز يدافع عن مصالح وأمن جمهورية روسيا.
سادس هذه الحقائق، وإن كنا جميعا قد فرحنا للتحرك العسكري الروسي على الأرض الأوكرانية بغية وقف الغطرسة الأمبريالية، إلا أن ذلك لا يعني أن تغييرا جذريا سيطرأ على الخارطة الدولية أحادية القطب أو الإنتصار لحركات التحرر العالمية والشعوب التواقة للإنعتاق من الإمبريالية والرأسمالية وأن بوادر عودة القطب الإشتراكي باتت وشيكة.
سابع هذه الحقائق تتجلى في أننا كمبدأ عام ضد إحتلال أرض الغير وضد التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لأية دولة ومع حق تقرير المصير للشعوب.
أمام هذه الحقائق السبع وأمور أخرى ذات علاقة تتفرع عن هذه الحقائق، علينا أن نرصد كل ما يجري في منطقتنا العربية تحت المشروع الأكبر الذي بدأ بأكذوبة ” الربيع العربي” والذي عشنا تداعيته حتى يومنا هذا، وركبت المنطقة في ” قطار العولمة” من أقصى يمينها الى أقصى يسارها.
بداية، كان بإمكان روسيا أن تحسم الحرب على أوكرانيا “في يوم وليلة” كما تغني المطربة وردة الجزائرية، لكنها لم تفعل ولن تفعل للحسم العسكري السريع، فلها من الأستراتيجية العسكرية وخلفها السياسية ما تهدف إليه، ولو عملت الأقطاب الإمبريالية بنية الحسم الفوري، لهرب الجميع وأولهم الرئيس الأوكراني الهوليودي.
ولا يغرنكم على الإطلاق ظهور الرئيس الروسي بوتين بين الفينة والأخرى، حاملا بيده قرصا مدمجا ملمحا الى توفر معلومات لديه عن الجهة التي قصفت حقول النفط في السعودية أو الجهة التي تقف وراء المصانع البيولوجية في أوكرانيا أو غير ذلك من المعلومات، إذ أنها جميعها معروفة لدى الإستخبارات العسكرية الروسية وغيرها من الدوائر الإستخبارية العالمية منذ أن حدثت، ولكنه يلّوح بنشرها الان بغية التوصل الى تفاهمات لعدم نشرها مقابل مردود ما، ربما التغاضي مثلا عن تواجد روسي هنا او هناك أو تقسيم لمنطقة سيطرة على نحو جديد أو تقاسم وظيفي في هذا البلد أو ذاك أو غير ذلك.
فإذا ظن أحدكم أيها الأحبة أن روسيا ستشكل رأس حربة تتصدى للمشاريع الدائرة في منطقتنا العربية وتحد من الغطرسة الصهيونية مثلا فيؤسفني أن أقول له ومع الإحترام لشخصه الكريم أنه واهم.
على الأراضي السورية قاعدة عسكرية روسية “قاعدة حميم” … غضّت وتغض النظر عن الإعتداءات الصهيونية المتكررة والضربات العسكرية الصهيونية التي وجهت لسوريا، بل والى حد ما لم تتصدى أو تعترض الضربة التي وجهها الجيش الصهيوني وأسقط على إثرها الطائرة العسكرية الروسية على الأرض السورية قبل أعوام ونجم عنها مقتل عدد من خيرة المظليين العسكريين الروس.
وعلى الرغم من الموقف الواضح والصريح للكيان الصهيوني المؤيد لآوكرانيا والمناهض لروسيا وحربها وتواجدها العسكري على الأرض الأوكرانية، بل وإرسال خبراء عسكريين وكوادر عسكرية للتواجد الفعلي على الأرض وفي الميدان لمؤازرة أوكرنيا، إلا أن روسيا لم تتخذ أية إجراءات بحق دولة الإحتلال الصهيونية.
من دون أدنى شك، ستحصل ترتيبات في مراكز القوى العالمية في هذا البلد أو ذاك بغية إحكام سيطرة القطب الواحد على العالم ونهب مقدرات هذا البلد أو ذاك، لكن هذه الترتيبات وتلك المعادلات ستبقي على نظام القطب الواحد الإمبريالي الرأسمالي الكولونيالي الإحتلالي التوسعي، ولن تأتي بأي حال من الأحوال بما هو جديد جذري.
حروب الشعوب التواقة للتحرر مستمرة، وكما يغني الشيخ إمام ” الحرب لسه … في أول السكة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى