الجالية الإسلامية تحيي ليلة القدر بمختلف مساجد بستراسبورغ
طقوس إحتفالية خاصة وأجواء روحانية لإحياء ليلة القدر بستراسبورغ:
تحتفي الجالية الإسلامة والعربية المغاربية بليلة القدر والتي تصادف الأيام الوترية، في العشر الأواخر من شهر رمضان، وخصوصا ليلة الـ27 من الشهر المبارك، بطقوس وعادات وتقاليد مميزة متوارثة عن الأجداد، لم تستطع مظاهر الحداثة في البلاد أن تقصيها جانبا ولا توقفها ولا تمنعها ففي كل سنة تزادا تمسكا وترابطا بفضل الله.
وتحظى ليلة القدر بمكانة خاصة لدى المجتمع الإسلامي، حيث تعمر فيها المساجد وتصدح فيها الحناجر بالقرآن والتلاوة العطرة لمختلف القراءات، فيما تنظم فيها فقرات خاصة بالأمداح النبوية، والأناشيد الدينية وتحتفل الأسر في هذا اليوم بالصيام الأول لأبنائها الصغار. إضافة إلى جانب الطابع الديني والروحاني المميز لهذه المناسبة، يتمسّك المجتمع الإسلامي والمغربي خاصة بعادات إجتماعية وإستهلاكية متفردة في ليلة القدر.
ليلة خير من ألف شهر :
على غرار باقي دول الأمة الإسلامية والعربية في أنحاء العالم, أحيا آلاف المسلمين من الجاليات المقيمة بمختلف جنسياتها وبلدانها شعائر ليلة القدر بمساجد ستراسبورغ وضواحيها في وسط فرحة عارمة ونكهة روحانية إيمانية إستشعارا بمكانة هاته الليلة المميزة, ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر التي عاشتها الجالية الإسلامية في مشهد إيماني يصعب وصفه من حيث المشاعر والأحاسيس من بداية المغرب وكامل الليلة حتى نهايتها مطلع الفجر وختامها بصلاة الصبح.
مباشرة بعد صلاة المغرب بتناول وجبة الإفطار الجماعي. إنطلقت عبر مساجد ستراسبورغ فعاليات إحياء ليلة القدر حسب البرامج المعدة من قبل لِجان المساجد المترامية الأطراف هنا وهناك بستراسبورغ والمشرفين القائمين عليها.
برامج واحدة موحدة وجامعة:
إجتمعت كل المساجد في غالبيتها تقريبا على نفس البرامج. بتغيرات وإضافات طفيفة بعضها يتميز عن الأخر. بحيث عرفت سهرة ليلة القدر دروس ومواعظ وتلاوات عطرة لصلاة التراويح أئمها كوكبة المشايخ وأدعية, أثلجت الصدور وأراحت النفوس التائهة وهدأت من روعها بإعادتها إلى جنانها الإيمانية وضخها بالجرعة الشافية والمنتظرة في هذه الليلة المباركة التي طالما تهيأت لها الجالية وأستعدت لها بكل الإستعدادات الإيمانية الروحانية والجسدية والنفسية والمادية المالية, الإجتماعية والإنسانية .
ليلة القدر خير من ألف شهر. كما أنزلها رب العالمين بالحق، صدحت فيها حناجر الأئمة المقرئين والمشايخ الحفظة بالتلاوة العطرة بالقراءة العشرة وبمختلف المقامات الوافدين من عدة دول سواء المشرقية أو المغاربية, رفقة الأئمة والمقرئين من أبناء الجاليات المسلمة التي تحتضنها مدينة ستراسبورغ بالدعاء والتضرع للمولى عز و جل.
حدث ليلة القدر خير من ألف شهر:
وعلى غرار باقي مساجد العالم في هذا الإطار أحيت مساجد ستراسبورغ برمتها ليلة القدر لرمضان هذا العام 1444/ 2023 , ببرامج ثرية متنوعة كل وإمكانياته و قدراته, فكانت البداية بحضورنا من مسجد روبرتسو بحي الجزيرة, بدعوة من الأستاذ شوكري الحاج شعيب رئيس لجنته, أين وجدنا في إستقبالنا العم حلوش حفظه الله وفي مرافقتنا الأخ عبدالرحمن سعدون. للعلم بات مسجد روبرتسو, يحتل مكانة خاصة في إستقطاب كبير للمصلين, لاسيما لفئة الشباب ولكافة الفئات العمرية الذي أكتظ عن أخره وأمتلأت أماكنه بساحته وبحديقته عن أخرها. المسجد الصغير الجد المتواضع الذي يستع قانونيا ل499 مصلي لا غير لكن بفضل الله ورواده سجل رقما قياسا هاته السنة بحيث تجاوز عدد الحضور لأكثر من 2000 ألفين مصلي ومصلية, المسجد الذي سجل بصمة منقوشة هاته السنة وإلتفاتة طيبة حسنة, المسجد الذي سرق بها الأضواء وأستقطب أعدادا كبيرة من المصلين بقيامه بتكريم المشايخ أئمة التراويح طيلة الشهر سواء الوافدين من خارج فرسا أو المقيمين بها والساهرين على خدمته والحرصين على سلامته وسلامة الجميع منهم العم حلوس سكستيني والسيدة حمامة الأدريسي الساهرة على حديقته وبستان أزهاره و زهوره لأريحية المصلين عند دخلوهم ساحة المسجد.
بعد الإفطار الجماعي المعدة لضيوف المسجد ليلة والوافدين من جهة أخرى بعيدة, أفتتحت الليلة بكلمة ترحبيبة للرئيس وتقديم فقرات برنامج الليلة, وبعد صلاة العشاء تم تقديم العرضي الإداري من طرف الأستاذ شعيب والعرض الديني من طرف فضيلة الدكتور نورالدين العيدي, وفقرة التكريم وبها إنطلقت صلاة التراويح التي تنفس فيها الصعداء بتلك الأصوات الندية التي تعاقب عليها كل من المقرئين الحفظة كل من د. الحسين الحمومي و د. ياسين العربيي, وبفقرة إستراحة بوصلات إنشادية دينية مختارات من السماع الصوفي منتقات خصيصا لهاته الليلة المباركة وعظمتها من طرف بلابل الإنشاد بستراسبورغ كل من الشيخ أيوب والأستاذ بلال محمد. وأستناف التراويح وعشاء الليلة مع إستئناف التراويح لغاية صلاة الفجر والسحور والفطور وختم القرآن والدعاء وصلاة الصبح.
ويأتي المسجد الكبير, المركز الإستراتيجي الأم, الكائن بضواحي قلب ستراسبورغ عاصمة الألزاس بشرق فرنسا,عاصمة الإتحاد الأوروبي, القلب النابض لفعاليات شعائر ليلة القدر وإستشعار عظمتها. كباقي المساجد بعد الإفطار الجماعي في فضاء باحة المسجد لأربعة 400 مائة صايم. والذي سبق له أن نظم منذ يومين إفطار المواطنة الجماعي لهذا العام لألف 1200مائتين مدعو حضرته السلطات المحلية والجهوية من رئيس البلدية والمقاطعة وغيرهم. أستهلت الأمسية بصلاة العشاء أين فاضت أركان المساجد بالمصلين الذين حرصوا على إحياء ليلة القدر في أكبر جوامع المدينة وأشهرها. وبعد مداخلة للأستاذ سعيد علا رئيس لجنة المسجد, ثم ختم القرآن وصلاة التراويح لكوكبة الإئمة القراء الحفظة منهم الشيخ محمد بن محمد ناجد, وفقرة قراءة صحيح البخاري لأخر حديث من طرف الدكتور حسام سباط رفقة الشيخ خليلو سيلا إمام المسجد. ثم تتمة صلاة التراويح لمنتصف الليل ثم فقرة موعظة حول القرآن وإستراحة تخللتها وصلات إنشادية دينية للسماع الصوفي من أمداح وأذكار شنفت مسامع الحاضرين.
وأهم فقرات المداخلات سواء بمسجد روبرتسو أو بالمسجد الكبير وبمسجد الرحمة بهوت بيار وبجل المساجد صبت كلها في مجملها لتطرق لجانب الإنفاق الشرعي المأمور به وفقا لتعاليم دينينا والذي تناول موضوع الزكاة وأحكامها والتبرعات والمساعدات للمسجد.
وكذلك أحيا مسجد الرحمة بهوت بيار, هو الأخر إحياء ليلة القدر, الذي يعتبر ثاني أكبر مسجد بستراسبورغ والذي كان له نشاطه هو الأخر بمناسبة شهر رمضان. ومسجد الناصر بمعهد الأندلس بشليتغايم المسجد العامر برواده ومصليه عن أخره والذي أكتظت أركانه هو الأخر عن أخرها. والذي سجل هو الأخر بصمة معلومة بإستقبال مجموعات الأطفال الوافدين رفقة أهاليهم لحضور ليلة القدر وتخصيص جناح خاص بهم وإستقبال حار يليق بعظمة كبار الشخصيات. إلتفاتة عززت رصيده الشعبي ومكانته بالمجتمع حسب أخبرنا به وأطلعنا عليه عن كتب.
وقام مسجد الأخوة بلامينو هو الأخر بإشراف فضيلة الشيخين صالح صاليو فاي والأستاذ خليد بوزوبع حفظه الله ببرنامج الثري كبقية المسجد لاسيما الجانب الروحاني و الإجتماعي الإنساني الذي لقي إستحسان كبير من عموم الحاضرين.
ليلة رائعة سجلت بأحرف من ذهب في سجلات التاريخ:
كانت ليلة مشعة بأنوار إيمانية, ليلة جامعة شاملة لعديد العائلات من أهالي وأسر من مختلف الجاليات الإسلامية وجنسياتها المتعددة والمتنوعة بلغاتها وبثقافتها, في جو مفعم بنفحات شعائر ليلة القدر الإيمانية وعظمتها وإستذكار ملامح حنين الأوطان الرمضانية من خارج الديار بأرض المهجر والتي قلما من أمسك دموعه وتحكم فيها.
الإحتفال بالأطفال:
وبما أن ليلة القدر مميزة جدا، تحرص الأسر في هذا اليوم على الإحتفال بالصوم الأول لأبنائها الصغار لتحبيبهم بالصيام وربطهم بهذا الركن الديني. ففي هذه الليلة، والتي ينتظرها أفراد المجتمع الإسلامي بشغف كبير لما لها من مكانة عظيمة, يتم الإحتفال فيها بالأطفال في أجواء شبيهة بالعرس التقليدي. وخلال اليوم يتم إشراك الأطفال في إعداد وجبة الفطور، وتنظيف البيت، وأداء جل الصلوات جماعة, وذلك لجعلهم يشعرون بالمسؤولية من جهة، ولترسيخ هذه العادات المتوارثة في أذهانهم من جهة أخرى.
عادات عائلية ضرورية:
وخلال يوم ليلة الـ27 من رمضان، تتبادل العائلات الزيارات، كما تحرص كثير من الأسر على الإجتماع حول مائدة الإفطار في بيت الجد أو العم أو الخال بإعتباره كبير الأسرة في أجواء حميمية.
تعددت فقرات برنامج الإحتفال الثري بعظمة هاته الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، من تنشيط إئمة المساجد و رؤسائه و رموز الشخصيات الفاعلة في تسيرها وإدارتها.
الصدقات المتنوعة لأطباق التقليدية والشعبية:
فككل سنة ألتف الحضور من المصلين الساهرين لإحياء ليلة القدر حول موائد هاته الصدقات لتناول ما لذا وطاب المعدة من عائلات الجالية والمتنوعة والمتعددة الأطباق التي لا توصف ولا تعد منها المملحات الكسريات والحلويات المختلفة أشكال وأنواع.
طبق الكسكسي صانع الفرحة ومزين الموائد جامع الجالية:
كل الأطباق والمأكولات يمكن الأستغتاء عنها والتفريط فيها بمناسبة ليلة القدر كموروث أسري شعبي, تاريخي, ثقافي. ومن بين هاته الأطباق المميزة التي لقيت إستحسان الجميع بدون منازع ولا منافس والذي ذاع صيته ووصل نجمه العالمية ودخل ضمن الأرقام القياسية. طبق الكسكسي المزين الذي لا يمكن الإستغناء عنه ولا التفريط فيه ولا نسيانه, الطبق الذي أدخل البهجة والفرحة والسرور على قلوب الجميع لاسيما العائلات المغاربية التي يمكنها الإستغناء عنه في هاته الليلة المباركة تقليدا بخطى السلف رحمهم الله وإحياءا لموروثنا التاريخي الديني الثقافي.
أما باقي مساجد ستراسبورغ هي الأخرى منها مسجد السلام بالجبل الأخضر بستراسبورغ فقد شهد هو الأخر نشاطات متنوعة. ونفس برامج المساجد السالفة الذكر.
ليلة عطرة مشعة:
كانت ليلة عطرة إستمتع بها المصلون بروائع التلاوة العطرة وبالأصوات الندية لخيرة كوكبة المشايخ والأئمة سواء من الوافدين أو المحليين المقيمين. تلاوة إرتاح لها الجميع ولحناجر أصحابها الصادحة المدوية بكل أرجاء المساجد، أئمة ذوو كفاءات عالية متحصلون على درجات علمية جامعية وأكاديمية مختصة, متكونون في المذهب المالكي عموما وفقهاء مشهود لهم، وبحكم تجربتهم وتدريباتهم وبرصيدهم المعرفي.
جمع زكاة الفطر و التبرعات:
كانت ليلة القدر فرصة سائحة ومنتظرة لغالبية لمسلمي الجالية هم وذويهم وأبناءهم لأداء زكاة الفطر والقيام بالواجب الديني سواء بوضعها بالصناديق المرصودة أو تسليمها إلى القائمين عليها من أعضاء لجان المؤسسات بالمساجد أو تسليها مباشرة لمستحقيها من الفقراء والمحتاجين المعروفين سواء بمحيطهم أو حيهم.
كما فتحت أبواب التبرعات عبر المساجد لتقديم الدعم والمساعدة المالية سواء لبناء المساجد كما هو الحال لمسجد الأخوة بلامينو أو التوسعات سواء للمركز العلمي الثقافي الصرح الكبير للمسجد الكبير بمكان مسجده السابق في بداية تأسيسه, مسجد السلام , روبرتسو, الأندلس وكينكوسفون, وغيرهم.
أستمرت فعاليات ليلة القدر إلى مطلع الفجر أين أختتمت بتلاوة القرآن والأدعية والسحور ,وإسدال الستار عليها لهذا العام بصلاة الصبح على أمل حضورها العام القادم إن شاء الله.
قالو عن ليلة القدر 1444/2023 وأشادوا بها:
هذا وأشاد المصلون بروائع ليلة القدر ومميزاتها وما لها من خيرات وقد جمعنا لكم منها بضع شهادات التي أجمعت كلها على يما يلي:
تقول السيدة أم عمر من مصر, شافية من الجزائر , سميرة من المغرب, رعد تونس, مليزا من الشيشان و فاطمة من البوسنة.
ويقول السادة: أحمد علي من الصومال , عمر من السودان, أمير من أفغانستان و خليتوش من مقدونيا, ياسر من ليبيا و وعلي من سوريا وغيرهم.
بانها كانت ليلة جامعة للشمل العائلي والأسري والأهل بحيث سمحت لهم بالتواجد عن قرب من أغلب أفراد العائلة والإستمتاع بهذا الجو الروحاني وإعداد عديد الأطباق التقليدية, ليلة مميزة أتيحت فيها الفرصة فيها للقاء الأحبة والأصدقاء والدعاء للعالم الإسلامي .وتضرع أبناء الجاليات السورية, السودانية, الأفغانية, الصومالية بالتضرع بالدعاء لله، بأن تتوقف الحروب في بلادهم، وأن يعيش الشعب حر مرتاحا في بلاده رفقة أهله.
ومن آراء غير المسلمين يقول كلود أوكراني, بولوا إيطالي, ومارغريت صراحة إنبهرنا بهذه الليلة التي دعينا إليها من كرف أصدقائنا المسلمين. كانت ليلة مميزة وستبقى منقوشة في ذاكرتنا لاتنسى ، دعينا لتناول وجبة الإفطار الجماعي مع أصدقائنا المسلمين وبعدها استفدنا من مشاهدة تلك الطقوس والعادات ولا سيما صلاة التراويح الكثيرة طول الليل والدعاء بشهيق ودموع جارفة. وتعلمت كثيرا من الأشياء عن الإسلام شكرا للجميع.
الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ