إقتصادفي الواجهة

التحكم في التضخم بقرارات البنك المركزي

محمد رضا عباس

الدراسات الحديثة تقول لا , ان رفع سعر الفائدة من قبل البنوك المركزية ليست أداة فعالة لمحاربة التضخم المالي . هذه الحقيقة كشفها الإحصاء , وهو احد الأدوات التي يستخدمها الاقتصاديون لدعم آرائهم و دحر اراء خصومهم . الرسومات البيانية لمتغيرات الاقتصاد الكلي تقول عندما تصل نسبة البطالة في البلد الى القعر (قليلة جدا) , بعدها يدخل الاقتصاد الوطني في مرحلة الركود , ومن خلال الركود الاقتصادي تتراجع الأسعار وليس من خلال رفع سعر الفائدة . كيف ؟
سوق العمل بدء قويا في الولايات المتحدة الامريكية مع بداية عام 2023 , حيث بلغ عدد الذين حصلوا على عمل خارج القطاع الزراعي 504 الف في شهر كانون الثاني , 311 الف فرصة عمل في شهر شباط . سوق العمل انتصر على توقعات المحللين الاقتصاديين وبفارق كبير جدا , حيث وصلت نسبة البطالة في شهر كانون الثاني 3.4% وهي الأقل منذ 53 سنة , فيما وصلت النسبة في شباط , اعلى بقليل , 3.6%. هذه الأرقام هي احد اهم المؤشرات المعتمدة لقياس قوة الاقتصاد الوطني . انخفاض نسبة البطالة يعني ان هناك ازدهار اقتصادي وان كل فرد يرغب بالعمل يجده , والعكس صحيح . زيادة في نسبة البطالة يعني ان الاقتصاد الوطني لم يستطع ادخال جميع عوامل الانتاج ( منها العمل ) في إدارة الاقتصاد الوطني ونتيجة لذلك يتراجع النمو الاقتصادي , وهو مرض يعاني منه جميع دول العالم الثالث , ومنها دول الشرق الأوسط.
بعض الخبراء يرفعون العلم الأحمر حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي حتى مع هذه الأرقام التي تحلم بها كل دول العالم الصغيرة والكبيرة , الصناعية او غير صناعية . انهم يعتقدون ان وصول نسبة البطالة الى القعر مؤشر شئم , ان الركود الاقتصادي قادم , على الرغم من ان وزيرة الخزانة الامريكية Janet Yellen رفضت الحديث عن الركون الاقتصادي المتوقع بالقول ” ليس هناك ركود اقتصادي عندما يوفر الاقتصاد 500 الف فرصة عمل في شهر واحد , وهي اقل نسبة بطالة من اكثر من 50 عاما”.
لا يوجد خطا في حديث السيدة Janet , ولكنها لم تنظر الى الحقائق التاريخية ولم تنظر الى الوراء , حيث ان جميع فترات الركود الاقتصادي سبقتها وصول نسبة البطالة الى القعر كما اثبتتها البحوث الحديثة.
الدورات الاقتصادية حالة متلاصقة مع الاقتصاد الحر , وهي التذبذبات بالنشاطات الاقتصادية بين صعود ونزول , نمو وتراجع . الدورة الاقتصادية تشابه الى حدا كبير فصول السنة الأربعة , عندما يبدئ الاقتصاد بالتوسع ( ربيع) , يصل الى الذرة (الصيف) و ثم يتراجع (الخريف) , وبعدها يصل القعر (الشتاء). وعلى ضوء هذا , من المعقول الافتراض من ان وصول نسبة البطالة الى القعر (الصيف) , يعني وصول الاقتصاد الوطني الى الذرة . في هذه المرحلة او الفصل يصبح من الصعب على أصحاب الاعمال العثور على عمال ( نقص في العمالة ) مما يضطرهم الى رفع الأجور , وهي بمثابة جرس استيقاظ للتضخم المالي من سباته . فترة جائحة كورانا , فتحت الطريق الى زيادة أجور العمال , حيث ظهر نقص شديد في عرض العمل , بسبب الخوف من المرض, فأضطر أصحاب الاعمال الى رفع الأجور نسبة 6% منذ اذار 2022 وما زالت على هذا الارتفاع .
من جانبه , بدء البنك الاحتياطي الأمريكي ( البنك المركزي ) ممارسة وظيفته في عدم السماح الى ارتفاع نسبة التضخم عن طريق رفع سعر الفائدة على درجات , من اجل عدم تشجيع رجال الاعمال الاقتراض , و تخفيض النشاطات الاقتصادية . في مثل هذه الأحوال سوف توقف شركات الاعمال استثماراتها , ويتوقف التوسع , وربما تبدء بتسريح بعض عمالها . اما من طرف المشترين ( انا وانت ) , فان قلقهم من المستقبل يؤدي الى تقليص مشترياتهم ولاسيما شراء السلع الكبيرة او طويلة العمر مثل الثلاجات بيتيه , سيارات , واثاث منزلي .
هذه السلسلة من ردود أفعال المتغيرات الاقتصادية بسبب الزيادة في سعر الفائدة الهجومي ينتج عنه اما ركود اقتصادي او بقاء التضخم المالي مرتفع , وهي حالة حذر منها الكثير من الساسة والاقتصاديون الامريكان . التضخم المالي ما زال عاليا في أمريكا على الرغم من سلسلة رفع أسعار الفائدة منذ اذار 2022 , مما حدى برئيس بنك الاحتياطي الأمريكي , Jerome Powell, التصريح بانه سيستمر برفع أسعار الفائدة اذا لم يتراجع التضخم المالي , الامر الذي دعا ساسة البلاد التحذير منه , لان الاستمرار برفع الفائدة يعني ادخال الاقتصاد الوطني في ركود اقتصادي و تسريح العمال . ولكن انهيار بنك Silicon Valley و signature ربما سيؤخر قرار بنك الاحتياط الأمريكي في رفع أسعار الفائدة , ولكن الحقيقة المرة هو ان ما طار طائر وارتفع الا كما طار وقع . الحقيقة بعد وصول القمة لابد من الانحدار حتى وصول القعر . انها قصة الاقتصاد الحر او السوق او الرأسمالي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى