قصة “رحيل” للكاتبة و الأديبة التونسية المبدعة نزهة المثلوثي
هي آخر ما كتبت الأدبية و المبدعة التونسية نزهة المثلوثي ، التي تألقت و أثرت الساحة الثقافية و الأدبية بأعمالها القيمة المتنوعة و المتميزة و هذا سواء على المستوى المحلي أو على المستوى العربي و التي تقول :
كنت عند كل عودة أرتمي وسط المدينة و قبل أن أجوب شوارعها و أتأمل دكاكينها و محلاتها أقصد مشربة ”عم محمد” فيطل بوجهه البشوش و بخفة يعد القهوة المعصورة الممزوجة بالحليب و يقدمها لي و هو يمطرني ترحيبا و أسئلة
_ أهلا أهلا . نورت .شنيا أحوالك؟ شنيا الأخبار ؟
_ لاباس يعيشك يا ”عم محمد ”
و بتلقائيته الحميمة كان يشبع انتباهي بحكاياه الطريفة و تفاصيل الوقائع و أخبار المدينة المطلع على كل خفاياها وثناياها
يروي لي دون حرج تفاصيل الوقائع و ماعاناه المسؤولون و الأثرياء من الأصهار و شرورهم …
و مع مرور الأعوام و إن اختلفت الأحداث و الشخصيات فلم تتغير روعة و ظرافة حديثه و حكاياته
لن أنسى ذات عودة لما رفع حاجبيه و أشار بعينيه قبالته قائلا
_انظري. حتى هنا ثاروا نهبوا و حرقوا …آما حرقوا كان ”كارفور” و ما حرقوش غيرها
أطلقت ضحكة فغرق في نوبة ضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا .
حقا لقد كان النهب و الحرق بردا و سلاماعلى قلوب أصحاب الحوانيت الصفيرة و الأكشاك. التي تبيع بعض المأكولات المعلبة المعروضة على جانب الرصيف لقد شفى غليلهم .
صمت هنيهة ثم عاد للضحك و هو يخبرني عن جاري المسؤول المترأس
_هذاك كلا طريحة من النساء بالشلايك و الكفوف في البيسين و غرقوه شعره لمات
…
و كنت أستمع إليه و أترشف القهوة التي كانت بنكهة أجواء المدينة
طعم افتقدته ذات وجع لما رجعت و هرعت نحو المشربة .. وقفت لحظات و لم أره دنوت من الواجهة و ألقيت بصري ..فظهر رأس شعره كمسلات القنفد …لم أصدق ما رأيت إنه رجل في الثلاثين من عمره تقريبا يرمقني بنظرات بلهاء و يسألني
_آش تشرب ؟
لم أرد و استدرت فوقع بصري على بنت صغيرة تتشبث بثياب أمها و ترفع يدها نحو كوب عصير على حافة الواجهة وضعت أمها قهوتها و ناولتها كوب العصير و خاطبتني بعد تحية وأنا في دهشة صادمة
_شادة صحيح في العصير و كان مانشريلهاش السوق ما نطبوش
_وينو عم محمد؟ شكون هذا ؟
_عم محمد !! وين كنت أنت !!!عم محمد مات وهذا ولدو
ألقت بي كلماتها في غربة قاطعة
للأديبة عدة أعمال متميزة ، سواء في مجال الكتابة القصصية او الشعرية ، فهي تستحق كل الدعم و التشجيع ، لمواصلة العطاء الفكري و بالتالي النشر على أوسع نطاق ، إلى جانب طبع تلك الأعمال التي قد تكون مراجع يعتمد عليها في البحوث و في إعداد المذكرات للطلبة الجامعيين .
الطيب بونوة