تعاليقرأي

تعقيبا على كلام ”سي عبد الرحمان“.

رشيد مصباح (فوزي)

لطالما نصحتنَي صديقي أن أكون متفائلا وأتخلّى عن الأفكار التي تدفعني إلى ”جلد النفس أو الذّات “.

بكلمة واحدة، لا فوقها ولا تحتها شيء، أقول لك: لم أقدر يا صديقي.

ليس من السّهل التملّص من تأنيب الضمير، وكلّما حاول المرء الوقوف في وجهه إلّـا وهزمه.

لقد قهرني هذا ”المستبد“ بمعرفته الجيّدة لي، وكل ما يقوم به معي هو عبارة عن جرد لسلوكاتي وأفعالي.

تصور صديقي؛ لو لم تكن كل تلك الأفعال التي نسيتُها و أحصاها؛ بغض النظر عن الظروف والأسباب، فهل يبقى شيء من اللّوم والعتاب؟

كيف ينسى من اقترفت يداه، وجرى على لسانه، ورقّ له قلبه ورغبت فيه نفسه… كيف له نسيان كل ذلك؟!

ينزغ الشيطان نزغا فينا، فنلبّي مطالبه. و نحسب كأنّه أراد خيرا. وهو الذي أوردنا كل المهالك. و يصحو الضمير معاتبا لنا؛ فكيف للمذنب أن نتجافى عن اللّوم والعتاب؟

وتنفخ النّفس اللّئيمة فينا نفخة، فننسى أن هذه الذّميمة لئيمة.

لقد سبقني إلى هذا لجلد والعتاب، أناس تولّدت لديهم قناعة بأن الاعتراف فضيلة وليس رذيلة، وأن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة. ولستُ بدعا من هؤلاء ولا بأحسن حال ولا أنا بأفضل منهم.

لو تعلم صديقي الجميل أنه ليس هناك ما يبرّر مسئولية الإنسان أمام المحكمة الإلهية فستعذرني على هذا الندم الشّديد وهذا العتاب.

ولو تعلم صديقي الأريب أنّنا نحن معشر َالبشرِ مثلنا مثل البذور التي يجب أن تُسقى وتُرعى ويُعتنى بها حتى تكبر ويقوى ساقها كي تعطي ثمارا متشابهة ومشتبهة. ولربما الشيء الوحيد الذي قد يؤدّي إلى جِياحِها هو التغافل عنها وإهمالها.

صديقي الغالي!

وكما كنتُ وسأظلّ دائما حريصا على تحرّي الصّدق معك ومع غيرك والكذب رأس كل خطيئة ”وحبل الكذب قصير“؛ قصّة التاجر مع السّارق وهي قصّة مشهورة. فإنّني أحيانا ألتمس لنفسي بعض الأعذار من التي تعرفها جيّدا بحكم المحبّة و الصداقة التي بيننا؛ فهل ستكون كافية لتبرير أفعالي التي أنا لستُ راضيا عنها؟

وكنّا قد تحدّثنا مرارا وتكرارا عن الظروف التي تفوق المرء وهي من وراء بعض الأفعال المستهجنة. فهل يلتمس الجلاّد من القاضي مراجعة قراره قبل تنفيذ مهمّته؟

كلّما راجعتُ نفسي إلّـا واستحضرتُ مع هذه المراجعة الظروف التي نشأتُ وترعرعتُ فيها، وما للإنسان حيلة فيها. وقد يقول أحدكم ”قضاء وقدر“. ولنترك الأمر لأهل الاختصاص.

لا أحبّ أن استشهد بكلام غير كلام الله ورسوله. ولكن ما دام الأمر يتعلّق بتجارب الإنسان في هذه الحياة، ولو كنتُ فاعلا لقلتُ كما قالت السيّدة (أم كلثوم): ”اللّي شفتُ قبل ما تشوفك عينيّا. عمر ضايع يحسبوه الزّاي عليّا؟“.

لا أخفي عليك إن قلتُ لك فكّرتُ في الآخرة وأنا أمثل بين يدي الله عزّ وجل، وقلتُ إن كان ولابد؛ و هو سائلي لا محالة، فبماذا أرد؟

وليس هناك مبرّر مع الله فهو الذي ”يَسأل عمّا نفعل، ولا يُسأل عمّا يفعل“.

[رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ]. صدق الله العظيم.

ولا أفشي سرّا إن قلتُ لصديقي إن لي عذرا من بين كل الأعذار الممكنة، أنت تعرفه جيّدا، و لطالما حدثتك عنه. لعلّ الله يتقبّله منّي، ويتجاوز عنّي.

فهل لفاقد وعيه وإرادته عذر فيما يقوم به؟

وأريد أن اختم كلامي وهذه ”الهواجس“ التي باتت تؤرقني، بقصة الولد اللّص الذي سرق فصدر في شأنه حكم بقطع يده، وحين أرادوا بتر يده، طلب منهم يقطعوا لسان والدته لأنّها كانت حين يقوم بفعلته الشنيعة تفرح وتطلق الزغاريد لاعتقادها أن ولدها صار بطلا.

شكرا صديقي على القراءة والاهتمام، ودمت ودامت العشرة بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى