وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ
فوزي مصباح
من خلال بحثي عن إحدى المجلّـات، قام بالتّرويج لها ”مركز تجديد للفكر والثقافة“، وجدتني في صفحة كاتبة معروفة، كنتُ أحد المتابعين لها؛ لم أكن أقصد شيئا سوى ”المغامرة“ وحب الفضول، من وراء هذا الولوج إلى صفحة هذه الأخت الفاضلة التي حصل بيني وبينها سوء تفاهم ذات مرّة أو ”غرّة“ ـ هههه ـ ما أدّى بها إلى حظري، مع أنّني كنتُ حريصا جدّا على تقديم الاعتذار، وأنا على يقين من أن هذه الفاضلة لم تكن على أطّلاع بما حلّ بهذا ”الصّديق“ ـ الذي هو أنا ـ يومها.
”الأخطر“ من كل ذلك أنّني سمحتُ لنفسي من خلاله، بقراءة مقال لإحدى زميلاتها بعنوان:”لا عفو ولا مقدرة“، قامت بنشره من باب الفخر والاعتزاز.
وبصراحة لم يعجبني كلام صاحبة المقال التي يبدو لي أنها أطلقت العنان لمشاعرها، وانفلتت منها العِبارات وربما حتّى العَبرات، وراحت توسم بالضّعف والسذاجة كلّ من يقوم بالعفو ويصفح عمن أساء له أو تسبّب له في كذا وكذا…/… كما جاء في المقال المشحون بمشاعر الغضب.
وارتأى لي من باب الفضول، وبينما أنا أحاول بكل ما استطعتُ أن لا أسيء فهمها. لكن السيّدة الفاضلة صاحبة المقال وضعت نفسها، من حيث تدري أو لا تدري، في خانة الرّوافض الرّافضة، عليهم من المولى ما يستحقّون.
وتولّدت لديّ مشاعر ورغبة، ومن خلال قراءتي للمقال، وقلتُ في نفسي: لو أتيحت لي فرصة لسألتُ هذه الكاتبة كيف يكون شعورها حين تسيء إلى أحد بقصد أو بغير قصد وتنتظر منه أن يعفو عنها؟
لصاحبة المقال الحق فيما تظنّ وتعتقد، ففي نهاية المطاف: ”كل واحد يرقد في قبره“ـ كما جاء في المقولة الشعبية ـ كل إنسان حر ما لم يضر. لكن الأمر يتعلّق بـ”العَفُوُّ“ وهو من أسماء الله الحسنى، لذلك يجب التبصّر والتريّث، قبل التسرّع وترك العنان للمشاعر تجرّنا لاستباحة واستحلال شيئا من المقدّسات أو المحرّمات.
تقول صاحبة المقال: ”لسنا أنبياء“؛ وهذا إقرار من صاحبة المقال بأن كل ابن انثى معرّض للخطأ، فالكمال لله وحده. وحتى الأنبياء لولا عناية الله، ينبّههم تعالى فيبادرون إلى التّوبة. والمشاعر السلبية والعاطفة العمياء كثيرا ما تقودنا إلى مصارع السّوء.
وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحثّ المسلم على التحلّي بخلُق العفو والتسامح، ولو تعلم صاحبة المقال ما في العفو من خصال وشمائل، وفي كلام العرب قديما، وسيبقى مثلا يُحتدى به: ”العفو عند المقدرة“.
وفي الآية الكريمة: ((وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) من سورة النّور التي تحثّ على هذه الخصلة الكريمة، يقول المفسّرون إنّها نزلت في الصدّيق رضي الله عنه حين حلف ألّـا ينفع (مِسْطَحُ بن أُثاثة)؛ وهو واحد من الذين جُلدوا إثر حادثة الإفك.
((يروى عن الخليفة الخامس(عمر بن عبد العزيز) أنّه صلّى الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك فلو لبست فنكس رأسه ملياً ثم رفع رأسه فقال: إن أفضل القصد عند الجِدَة ”أي أفضل الاقتصاد في المعيشة عند الغنى“ وإن أفضل العفو عند القدرة.
أمّا بالنسبة لمن كانت تعتقد أنّني ظلمتها فسأنسج لها من الخيال، ومن شجن النّفس قصة على إيقاع الأغنية التي كنتُ أردّدها ليلا في ساحة الثّانوية، فلترتقب:
ابنيلك قصر عالي
واخطف نجم الليالي
واشغلك عقد غالي
يضوي احلى الصبايا
يبقى القمر قاربنا
والليل بحر مهاودنا
والنسمة اللي تاخدنا
ترجع شايله الحكايه
ندخل كتب الحكاوي
واروي سنينك غناوي
واعمل طبيب مداوي
ارسم صورتك في يدي
عالنسمة اللي تعدي
عالفجر ابو ضحكة وردي
ع العمر اللي ورايا
لو الايام بعدوني
يصاحبك نور عيوني
ولو نامت جفوني
يصحى في ليلك غنايا
لكن وانا كل حيله
مش بملك يا اميره
من أحلامي الكثيرة ياعيني
غير ضحكي وبكايا
كلمات: عبدالرحمن الأبنودي
ألحان: بليغ حمدي
تاريخ: 1969