ميزان الفضل في أخلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم
كنت دائما أضع عند تناولي القضايا الأخلاقية، أن أتناول أبعادها الأخلاقية ، فأهتم
بالجوانب القيمية و الأبعاد الجمالية ، و هي أصل الحكمة في الأخلاق ، فكل
الأخلاق الفاضلة لا تخلو من لمسات جمالية تأسر النفوس ، تغرس المحبة و
الاحترام في تعاملنا .
و في هذا المقام أحببت أن يكون لنا وقفة تأمل في سيرة أفضل الخلق نستخرج من
أخلاقه اللمسات الجمالية التي أكسبته ثناء الله عز و جل و التي بها ارتفع قدره بين
الخلق ، أحاول استعراض جوانبها المضيئة من أخلاقه من باب معرفة الفضل
التعامل بها مع الناس .
لا يستطيع أحد أن ينكر أفضال الناس عليه ، و لا يستطيع أن يتنكر لمعروف
مسدى له ؛ فيكون نظير ذلك معاملات خاصة راقية ، ترتقي لمقام ذلك المعروف
، يكون ميزان الفضل وحده الذي نزن به معرفة الأقدار و المقامات ، و الذي به
نزن علو الشأن في التعامل ، هذا الميزان أكده صريح القرآن و صحيح السنة
في قول الله عز وجل إذ يقول: ( ولا تنسوا الفضل بينكم ).
و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ” … ومن صنع إليكم معروفا
فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه”. (النسائي،
وصححه الألباني).
و يتجلى جمال الفضل المعاملة في خلقه صلى الله عليه و سلم مع زوجه في
حياتها و بعد مماتها أنقل الأثر كما روته السنة ، يظهر فيه جمال الوفاء ، و جمال
العهد و جمال الود ، فيكون رد الجميل مدحا و ثناء ، يكون معاملة يزنها الاحترام
و التقدير ، فيذكر جمال خصالها ، و لا يمنعه أن يرد الجميل لأهله و لو غاب
صاحب الفضل
( ولما رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم يُكْثِر من
ذكر خديجة رضي الله عنها، قالت: (ما غِرْتُ على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم
ما غِرْتُ على خديجة، هلَكَتْ (ماتت) قبل أن يتزوَّجني، لِما كنتُ أسمعه يذكرها)
رواه البخاري. وفي رواية قالت عائشة رضي الله عنها: (كأنه لم يكن في الدنيا
امرأة إلا خديجة)، فكان صلى الله عليه وسلم يرد بقوله: (إنها كانت وكانت، وكان
لي منها ولد ) رواه البخاري.
و يزيد جمال الفضل في هذه الكلمات التي توزن بماء الذهب في حق أم المؤمنين
خديجة رضي الله عنها وكان يقول عنها: (إني قد رزقت حبها) رواه مسلم .
ثم يظهر جمال الفضل مع الأصحاب في التعامل في صور رائعة، يراعي فيها
طباع أصحابه، فتكون المعاملة تتوافق مع نسق نفسيته ، فالطبائع أجناس ، فلكل
شخص طبعه و أسلوبه ، فالواجب مراعاة ذلك في التعامل و من ذلك حسن تعامل
رسول الله مع عثمان بن عفان رضي الله عنه مع فضل جلسائه رضي الله عنهم .
عن عائشة قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُضْطجِعًا في بيتي، كاشفًا عن
فَخِذَيْه، أو ساقَيْه، فاسْتأذَن أبو بكر فأذِنَ له، وهو على تلك الحال، فتحدَّثَ، ثم
اسْتأذَن عُمر، فأذِن له، وهو كذلك، فتحدَّث، ثم اسْتأذَن عثمان، فجلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وسوَّى ثِيابه -قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد- فَدَخَل
فتحدَّث، فلمَّا خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تَهْتَشَّ له ولم تُبَالِه، ثم دخل عمر
فلم تَهْتَشَّ له ولم تُبَالِه، ثم دخل عثمان فجلستَ وسوَّيتَ ثيابك فقال: «ألا أسْتَحِي من
رجل تَسْتَحِي منه الملائكةُ». [صحيح] – [رواه مسلم]
و من فضل أخلاقه صلى الله عليه وسلم التودد إلى الناس و لين الجانب معهم ، و
خفض الجناح لهم ، و الاستغفار لهم ، و تجاوز أخطائهم ، و الحرص على رعاية
مواهبهم ، و تعزيز الثقة في نفوسهم ، فيقر الفضل لأهل الفضل ، فيثني على
مناقبهم ، يتني على كرمهم و يمدح شجاعهم و يعزز و يقوي شخصية ضعيفهم ،
يحسن الإصغاء فلا يصرفه شاغل عن محدثه ، فلا يخطئ و لا يعنف في النصيحة
، و لا يترك أثر الإساءة في نفس المخطئ تلك هي أجمل ذوقيات المعاملة و أجمل
موازين الفضل في أخلاق رسولنا صلى الله عليه و سلم و هذه هي مزايا أخلاقه
الكريمة التي شَهِدَ الله له بها في قوله 🙁 وإنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عظيم )( سورة القلم: 4) ،
الأستاذ حشاني زغيدي