أحوال عربية

قطار التطبيع السوري التركي … المحطة قبل الأخيرة

الدكتور خيام الزعبي- جامعة الفرات

بعد مضي أكثر من 12 عاماً من تبني الرئيس التركي أردوغان سياسة متشددة، وصلت الى درجة الإصرار على رحيل الرئيس الأسد في أي تسوية سياسية، وترجيح الحل العسكري لاسقاط النظام السوري، لكن اليوم لم يفاجئنا أردوغان الذي احتضن المعارضة السورية المسلحة، وساهم بصعود قوة التيارات الإسلامية المتشددة وحرض بعض الأوساط الدينية على الإنخراط في صفوف الجهاد، وسهل مرور الأموال والاسلحة والمقاتلين الى سورية، بالتراجع عن موقفه تجاه سورية.

لو تابعنا المسار الذي رسمته تركيا أثناء الحرب على سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها، نجد بأنها خسرت رهانها لذلك نرى إن سياسة أنقرة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فاليوم هناك فارق هائل في قراءة المشهد السوري، إنطلاقاً من وقائع الميدان، و بدت المسألة أقرب الى الحسم النهائي من أي وقت آخر، بذلك تبدو تركيا المتضرر الأكبر وهي تراقب إعادة تشكيل المنطقة على وقع تنسيق سوري ــــ عربي، وتسوية إيرانية ــــ سعودية، وتطورات ميدانية قلبت الموازين على الأرض السورية.

ولأن السياسة الدولية لا تعرف إلا لغة المصالح وجدت تركيا إن مصلحتها تكمن في التوافق مع سورية وإن اتخاذ مواقف عدائية معها لا يحقق أهدافها ومصالحها، ومن هذا المنطلق وضعت دمشق عدة شروط للمصالحة مع تركيا ورئيسها المغامر أردوغان هي، إنهاء الوجود العسكري غير الشرعي في الأراضي السورية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية بالإضافة الى محاربة كل التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية والقضاء عليها بمختلف مسمياتها.

انطلاقاً من ذلك يبدو أن قطار العلاقات السورية التركية قد انطلق في الاتجاه الصحيح، ولم يبق له إلا الوصول للمحطة الأساسية والأخيرة وهى التزام تركيا بشروط دمشق، حينها يلتقى الرئيس الأسد، ونظيره التركى أردوغان، أو ربما الرئيس التركى المنتخب الجديد .

ولا شك إن تركيا تدرك تماماً أن الدخول الى المرحلة القادمة يتطلب المرونة وتقديم بعض التنازلات ويبدو أن هذه القناعة هي التي عبر عنها الرئيس التركي، إن أنقرة تتوقع حدوث تطورات “في غاية الأهمية” خلال المرحلة المقبلة بشأن العلاقات مع دمشق.

وبالمقابل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يصرّح بأنّ سورية وتركيا تجمعهما حدود طويلة وأهداف ومصالح مُشتركة، وهناك فرصة سانحة للعمل بشكل مُشترك لدى الدولتين لتحقيق الأهداف والمصالح للشعبين.

في هذا السياق اقترحت روسيا خلال الاجتماع الرباعي خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة التي تتضمن عدة مبادئ أهمها: احترام سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، واحترام جميع المشاركين لميثاق الأمم المتحدة، وكذلك الحفاظ على علاقات الجوار الودية فضلاً عن التعاون الوثيق لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، والعمل المشترك لمكافحة الحركات الانفصالية المدعومة من الخارج، كما أن موسكو وطهران تدعمان بقوة موقف دمشق، وتسعيان لإقناع الأتراك بتقديم تفاهمات خطية مكتوبة وواضحة تحدد جدولاً زمنياً لكل الخطوات الواجب اتخاذها من قبل أنقرة.

.

لا يخفى على أحد أن تركيا هي التي بادرت إلى البدء في تصحيح الخطأ الفادح الذى ارتكبته في سورية ومن المهم أيضا أن نتأكد أن المسار الجديد لن يعيد إنتاج الماضي، لذلك من المتوقع أن ينتهز الرئيس التركي فرصة الأيام المقبلة لتقديم ما يُمكنه من إحراز تقدم على مسار العلاقات التركية – السورية يواجه به مواطنيه يوم الانتخابات الرئاسية الضارية في مواجهة المعارضة التركية التي تحشدت في وجهه، في ظل وجود قلق إردوغاني حقيقي من خسارة تلك الانتخابات في هذه الظروف، خصوصاً بعد ازدياد ضغط ملف اللاجئين في الداخل التركي بعد الزلزال المدمر الذي حوَّل بعض الأتراك أنفسهم إلى مُهجرين داخل بلادهم، وهم أولى، في نظر الناخب التركي الغاضب، بالعناية والرعاية والإسكان الآن، وليس ملايين السوريين الذين تحولوا إلى عبء اجتماعي واقتصادي قبل الزلزال نفسه، وبالتالي إن التقارب السوري التركي يخدم في الحقيقة الرئيس أردوغان لكسب رهان الانتخابات الرئاسية المقبلة .

مجملاً…. لعل أنقرة قد إكتشفت مؤخراً أن صعود الشجرة السورية ليس سهلاً، لذلك بدأت البحث عن مخرج من الوضع الصعب التي وجدت نفسها فيه خلال السنوات الأخيرة، و لم يبقى أمام أردوغان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا أن يتراجع في سياساته الداعمة لداعش وأدواتها، والإنخراط في التسويات والترتيبات الإقليمية والدولية التي تهدف لمواجهة الإرهاب من خلال وقف الدعم اللامحدود الذي تقدمه للتنظيمات المسلحة و وقف تدخلها في الشؤون الداخلية السورية.

وإستكمالاً لكل ما سبق نقول: إن كل هذه المعطيات تشير إلى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، ما يعني نتائج جديدة وإيجابية لبعض دول الإقليم في المنطقة وعلى الأخص سورية، وفي الختام بقي أن نترقب إعلان الإنتصار الكامل للشعب السوري في مراحل لم تعد ببعيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى