المغامسية حالة نفسيّة

رشيد مصباح (فوزي)

**

إذا ما أردنا توجيه اللّوم للمغامسي فهناك العشرات بل وحتى المئات من المغامسيين، يعشيون بيننا ونلتقي بهم في كل مكان: في الحيّ يعتبرونا جيرانهم، وفي المحلاّت نحن زبائنهم، وفي المساجد نصلّي جنبا إلى جنب معهم، بل وحتى في بيوتنا؛ ففي البيت يوجد مغامسي واحد على الأقل.

البارحة، وليس ذلك ببعيد، جلستُ قريبا من شخص في عقده الرّابع، وبجانبه الآخر صبيّ لا يتجاوز السبعة أعوام يبدو لي، من خلال ملامح وجهه وارتباطه به، أنه ابنه . وبينما نحن جالسين ننتظر صلاة التراويح؛ التي أصبحنا نوليها عناية فائقة وأهميّة كبرى أكبر بكثير من بقية الفرائض بما في ذلك العتمتين، و تتزاحم عليها لدرجة الفوضى التي قد شوّهت صورتنا، وانتهكت حرمة بيوت الله، لكثرة ما نراه من ظواهر يندى لها الجبين خاصة في هذه الأيام المباركة من الشهر الكريم. و التراويح أضحت هي”الترمومتر” الذي يقاس به درجة إيمان المرء. ولمدى قدرة تحمّل الأذى والصبر على روائح الفم والجوارب الكريهة، وتقبّل السلوكيات المشينة التي تضرب بمفهوم الدِّين وحرمة المساجد بيوت الله عرض الحائط. وحكايتي مع جليسي عيّنة منه؛ لقد قام هذا الشخص بإحضار ابنه معه؛ ليكون شاهدا وأكون شهيدا عليه، ونحن نقرّ بسلامة نيته وقوّة أيمانه حتّى؛ “إن لم يكن بإلحاح من الزّوجة كي لا يفوّت عليها الصبيّ حلقة من المسلسلات والفوازير الرمضانية”. لكن ما قام به هذا الشخص أنساني كل شيء؛ فلم أكن أتصوّر يوما مشهدا كالذي رأيته، ولا يمكن مقارنته بسرقة حذاء أو رفع أصوات أو احتدام خصام هناك أو هناك… ولا شيء من الأشياء التي اعتدنا عليها في المساجد وصارت جزءا من حياتنا، كل ذلك يعزّ. ما قام به هذا الشخص شيء مقزّز: لقد بلغ به أن نزع قشرة من مخاط أنفه وقذف بها خلسة في مكان سجودي حتى لا أراه، وكأنّ الله لا يراه.

بعض النّاس عندما تكلّمه عن الاخلاق يحتار في أمرك، وينظر إليك ولسان حاله يقول: نحن في الألفية الثالثة وهناك من لا يزال يتمسّك بمصطلحات ليس عفا عنها الزّمن، بل وعافها حتّى ا؟ ينظر إليك وكأنّك تنتمي إلى كوكب آخر غير الذي ينتمي إليه. و الاخلاق في نظره: كلمة إنشائية فضفاضة لا تعني شيئا ولا تليق بالعصر المادي البراچماني. ينظر إليك بغرابة ولسان حاله يقول: “واش راك تخرط”. والناس اليوم شعارهم المفضّل والمقدّس: ” كل شيء متاح فهو مباح”، وهو مذهبهم في الحياة، و دينهم وديدنهم في الوقت ذاته. إذا رأيتهم في المسجد تقول عنهم الصّحابة: “أبا بكر” أو “أبا ذر” ــ رضوان الله عليهم ــ . وإذا نظرت في سلوكهم وأفعالهم تحلف و تجزم إنّهم ملاحدة أو مجوس: واحد منهم جاء يصلّي ورائحة الزِّبل تنبعث من قشّابته، تزكم الأنوف. وكأنّه في زريبة، وربّنا عز وجل يقول: ﴿ ۞ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[ سورة الأعراف: 31]. والمنابر اليوم: بين إمام أجير “خائف على خبزته”، وروبيضة أو لكّع ابن لكّع. والعامّة بين هذا وذاك، يتمسّكون بالمثل القديم: ” صلّ وارفع سبّاطك”.
المغامسية؛ نمط حياة وذهنية وحالة نفسية… تجدها في كل مكان: في الطريق الذي صار ممرا للمشاة بدلا من الرّصيف، وتجدها في الرّصيف الذي استحوذ عليه الباعة وأصحاب المحلاّت فلم يعد بإمكان المشاة استخدامه، وتجدها لدى التّاجر الذي يحرص على صلاة التراويح وهو يؤمن في الوقت ذاته بأن الغش والمضاربة قدر من أقدار الله يصيب بها من يشاء. وتجدها في اختلاف الصفوف في المسجد الواحد؛ فهذا سلفي من الفرقة النّاجية، وذاك إخوانيّ من الخوارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى