محمد نزير الحمصي يستعيد مغامرات بينوكيو في ترجمة تخاطب جميع فئات القراء
يستعيد الشاعر والمترجم السوري محمد نزير الحمصي، رواية “مغامرات بينوكيو” التي تُعَدّ واحدة من أهم الروايات العالمية، عبر ترجمتها إلى اللغة العربية في حلَّة جديدة صدرت خلال العام الجاري 2022.
ويعود الزمن الذي كُتبت فيه رواية الكاتب الإيطالي الشهير كارلو كولودي إلى العام 1883، وتدور قصتها حول لعبة خشبية تسري فيها روح طفل، فيقع في سلسلة طويلة من المتاعب التي يسببها جهله بطبيعة الأشياء ونوايا البشر، وينتقل بين أمكنة وأزمنة وشخصيات يطغى عليها طابع الخيال، ثم يعود إلى أبيه (صانعه) بعد أن يكتسب الحكمة ويتعلم دروسا مهمة من دروس الحياة. وقد تُرجمت الرواية إلى أكثر من 240 لغة، وحُوّلت إلى مسلسل كرتوني في أكثر من مناسبة، فاكتسبت شهرة عالمية فائقة منذ صدورها حتى الوقت الحالي.
وجاءت الترجمة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 230 صفحة من القطع المتوسط، وقدم لها الحمصي ملقيا الضوء على سيرة الرواية عبر الإشارة إلى أن كاتبها؛ الصحفي الساخر كارلو كولودي، استفاد فيها “من المخزون المعرفي الكبير الذي شكّله نتيجة عمله، والذي جعله قادرًا على التحوير والاقتباس من روائع أدب الشرق والغرب بطريقة مدروسة وغير مرئية”. وبيَّن أنها امتلأت بـ”السرد العبثي للمغامرات المليئة بالأحداث المؤلمة والمفارقات الغريبة التي تحاكي بشكل أو بآخر الأوضاع التي كانت سائدة في مجتمعه”.
ووُصفت الرواية عبر تاريخها بأنها كانت مبتكرة في مضمونها وملهمة لكتاب القصة الموجهة للناشئة والأطفال بعدها، وأنها رائعة من روائع الأدب عبر العصور، وهو الأمر الذي لم يتخيله كولودي عند تأليفه الرواية، بحسب ما أشار إليه المترجم في مقدمته.
واتسمت الترجمة بوضوح اللغة وسماتها البلاغية التي مكنتها من نقل المواقف والأحداث بسلاسة إلى فئات القراء كافة؛ فالترجمة جُعلت سهلة الاستيعاب من قِبل الأطفال والناشئة، لكنها في الوقت نفسه قادرة على مخاطبة الكبار واجتذابهم إلى مجريات الرواية وأحداثها.
ومن الأجواء والمواقف التي يواجهها بينوكيو خلال الرواية احتراق قدميه دون أن يحس بذلك أثناء بسبب جلوسه قرب المدفأة. وكذلك قصته مع الجدجد التي نقلها لأبيه قائلا: “لا أعرف يا أبي، لكن صدقني أن هذه الليلة كانت مثل الجحيم، سأتذكرها طوال حياتي! لقد أرعدت وأبرقت وكنت جائعًا جدًّا. بعد ذلك قال لي الجدجد المتكلم: لقد كُنتَ سيئًا وتستحق ذلك. فقلت له: كن حذرًا، أيها الجدجد! فأجابني: أنت مجرد دمية، ولديك رأس خشبي، لذلك رميت المطرقة عليه وقتلته، لكن كان هو المخطئ، والدليل هو أنني وجدت بيضة ووضعت القدر على النار لطهيها؛ لكن الفرخ قال لي: سررت لرؤيتك بحالة جيدة، تحياتي للعائلة. وكنت أجوع أكثر فأكثر، وهذا هو السبب في أن ذلك الرجل العجوز ذا طاقية النوم الذي أطلّ من النافذة، قال لي: تعال والبس الطاقية!”.
وكذلك الحوارات التي جرت بين بينوكيو والقط والثعلبة المخادعين اللذين أرادا أن يسلبا منه ما معه من مال، فهما: “بمجرد سماع الرنين الناعم للذهب، قامت الثعلبة العرجاء، دون أن ينتبه، بمد ساقها التي كانت عرجاء، وفتح القط الأعمى عينيه على مصراعيهما فصارتا كأنهما فوانيس خضراء؛ لكنه أغلقهما بسرعة مرة أخرى بحيث لم يلاحظ بينوكيو”.
لكن بينوكيو تمنع على إغراءاتهما له قائلا: “لا، لا أريد ذلك. أنا الآن بالقرب من منزلي، وأريد أن أقابل والدي الذي ينتظرني. إنه عجوز مسكين! سيكون حزينًا جدًّا، الله يعلم كم تنهيدة تنهَّد منذ الأمس لأنني غبت عن البيت، لقد كنت ولدًا سيئًا، وكان الجدجد المتكلم على حق عندما أخبرني أن الله يعاقب الأطفال العصاة. عرفت من التجربة، لأنني سعيت إلى مصائب كثيرة، وحتى الليلة الماضية رأيت نفسي في خطر داخل منزل آكل النار! أوف! مجرد تذكّر ذلك يشعرني بالبرد”.
ومن الجدير ذكره أن كارلو كولّودي وُلد في فلورنسا عام 1828، ونشأ في عائلة متواضعة. ترك دراسته الكهنوتية والفلسفية وعمل في مكتبة، ثم تطوّع في الجيش وخاض مع إحدى الفرق حرب الاستقلال في إيطاليا. نشر كتاباته في صحيفة “لمبيون” الساخرة، وأصدر أعمالاً أدبية موجَّهة للأطفال والفتيان، منها “حكايا الساحرات” و”رحلة جانينيو” (1880)، قبل أن يُصدر روايته الأهمّ “مغامرات بينوكيو” عام 1883. وتوفي في عام 1890.
أما محمد نزير الحمصي فهو شاعر ومترجم سوري. وُلد في دمشق ودرس الكيمياء فيها، وحصل من مدريد على درجة في الفنون الجميلة. عمل في الصحافة وفي عدد من القنوات التلفزيونية. ترجم أعمالاً من العربية إلى الإسبانية وبالعكس، من بينها المجموعة القصصية “كشف الطالع” لبيدرو أنطونيو دي ألاركون (2019). وله مجموعة شعرية بعنوان “قرار رقم 40” (2019)، وصدر له خلال العام الجاري 2022 عن “الآن ناشرون وموزعون” خمس مجموعات شعرية تحت عنوان “سلاسل الذهب”.