اسعار النفط في طريقها الى التراجع..
ماذا على العراق فعله ؟
محمد رضا عباس
العراق يعيش في بحبوحة مالية لم يشهدها منذ النصف الثاني من عام 2014 , وهو العام الذي تراجعت أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية واستمرت بالتدحرج حتى وصلت الى القعر في عام 2020 , وهو عام وصول جائحة كورونا القمة .
الشهر الماضي (أيار) استلمت الخزينة العراقية ما يقارب 11.5 مليار دولار عن مبيعات النفط لذلك الشهر , وبعملية حسابية بسيطة , فان مجموع ما سيجنيه العراق من بيع نفطه هذا العام سيكون على الأقل 140 مليار دولار , وهو مبلغ كبير يحول الميزانية العراقية من ميزانية عجز مالي الى ميزانية فائض مالي , فيما صعد احتياطي البنك المركزي الى 76 مليار دولار , وهو وحده يكفي تغطية استيراد العراق للسنوات الثلاث القادمة .
المشكلة , ان هذه التدفق المالي سوف لن يستمر طويلا , وبحسب تقارير العارفين لسوق النفط العالمية والمختصين بشؤون التنمية الاقتصادية , فان الطلب على النفط الخام سوف يتراجع في عام 2023 , ولسببين, الأول , هو ان الكثير من الدول النفطية قد وسعوا في زيادة طاقتهم الإنتاجية من اجل الحصول على اكبر المنافع من السوق الحالية , وثانيا, التراجع المتوقع في نمو الاقتصاد العالمي , حيث سينتهي النمو الاقتصادي العالمي في هذا العام 2.9% و 3% في العام القادم, وربما اقل حسب ما كشفه الصندوق الدولي .
ماذا يعني للعراق ؟
يعني ان الفائض المالي الذي شهده العراق هذا العام سوف يتبخر في العام القادم , وعلى العراق استخدام الفائض المالي الذي يملكه الان على احسن طريقة , تجنبه العجز المالي وتوفر له التنمية الاقتصادية لمستدامة للأجيال القادمة , وهذا يتطلب العمل على ثلاث خطوط , وهي :
الخط الأول: العمل على حلحلة ازمة السكن . أصبحت أسعار السكن في العراق اغلى من أسعار السكن في بعض المدن الامريكية والأوروبية . واذا كان الأمريكي او الأوربي قادرا على تمليك بيت له , فان السواد الأعظم من العراقيين لا يستطيعون من ذلك , ولسبب بسيط وهو ان دخولهم السنوية لا تتحمل ذلك . مشكلة السكن في العراق ام واب المشاكل فيه . القضاء على الازمة السكنية يعني توفير فرص عمل لمئات الالاف من العراقيين وبكافة اختصاصاتهم , تقلل المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها العائلة العراقية , ترفع من نسبة المتزوجين وتقلل من نسبة الطلاق , وتقلص الجريمة بكل أنواعها . من له دار وعمل وزوجة من العادة لا يخرق القانون , وهذا التقليد سيتوارثه الأطفال من ذويهم.
الخط الثاني: علماء البيئة ما زالوا يصرون على ان منطقة الشرق الأوسط وضمنها العراق سوف تعاني من الجفاف لفترة طويلة قد تطول 20 عاما . مياه دجلة والفرات لم تعد كافية لسد حاجات البلد سواء للزراعة او الصناعة او الاستعمال اليومي . بينما لا يستطع الانسان التلاعب بالظروف البيئية , لكنه يستطع التعايش معها ويخلق من التحديات فرص , ومن هذه الفرص هو تعاون دول المنطقة على إدارة المياه بالطرق الإنسانية . ايران وتركيا صابهما و بدرجات متفاوتة ما أصاب العراق من جفاف , ولكن كما يقول المثل العراقي” بيت الضيق يكفي لاف صديق” . التعاون المشترك بين ايران وتركيا بدون شك سيجنب العراق كارثة طبيعية تؤثر على الشجر والبشر.
ومع التعاون المشترك , يجب على العراق العودة الى نصائح رجب طيب اردوغان السابقة وهي ضرورة انشاء سدود مائية لحماية المياه الداخلة الى العراق من التسرب الى الخليج بدون فائدة , وهذه مهمة ثانية على الحكومة العراقية تحقيقا معا مع حملة السكن . لا احد يعلم ماذا سيجلب المستقبل من امطار , لأنه لا يعلم الغيب الا الله , ولكن الله جلت قدرته ليس من عادته ان ينزل مائدة من السماء حسب الطلب , الله يريد سعي من البشر , وان وجود سدود لحفظ المياه احسن بكثير من عدم وجودها ,والحذر يغلب القدر , وفي هذه الحالة غياب السدود المائية يعني خسائر ثروة هائلة من المياه .
الخط الثالث: الحرب الأوكرانية كشفت شيء جديد لم تكن بحسبان العالم , وهي نقص الغذاء . روسيا واوكرانيا لهما الفضل الكبير في سد حاجة دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا من الطعام , ولولاهم لبقية المنطقة في خطر المجاعة . الحرب في أوكرانيا ربما ستنتهي هذا العام وربما وقت أطول , ولكن الحاجة الى طعام سوف لن تنتهي , ومع اشتداد الجفاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا يصبح على حكومات المنطقة البحث عن مشروع زراعي مشترك وظيفته سد عجز الطعام في بلدانهم . دول الشرق الأوسط عندهم المال وان هناك دول زراعية مهمة تفتقر الى راس المال , وان التزاوج بين الاثنين سيخلف فوائد عظيمة . الدول المستثمرة ستتمتع بالأمن الغذائي و بأسعار تنافسية بعيدا عن شروط الدول المصدرة للغذاء , والدول المضيفة للاستثمار ستتمتع بتدفق رؤوس أموال لها , زيادة في الاستثمارات الداخلية , زيادة في فرص العمل , وزياد الدخل الوطني.
اقتراح وزير الخارجية اللبنانية السيد عبد الله أبو حبيب بالاستثمار الزراعي خارج البلدان المتأثرة بالجفاف يستحق الثناء والتقدير ويستحق اخذه بنظر الاعتبار من قبل دول الشرق الاوسط , حيث اقترح على دول الشرق الأوسط بحث إمكانية زراعة الحنطة في سوريا وفي سهل البقاع , موضحا ان ذلك يمكن ان يسهم باكتفاء في بعض الدول العربية . بدورنا نقترح على العرب استغلال منطقة شهرزور في محافظة السليمانية , جزيرة الموصل , و الانبار للزراعة بعد ضمان توفير ابار السقي . كما وان دولة السودان تمتلك مساحة شاسعة من الأراضي الزراعية اذا استثمر العرب فيها , فان السودان وحده سيكفي منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا , وربما يحل السودان محل أوكرانيا في الأهمية الزراعية , وينهي الصرعات السياسية والاثنية فيه.