تعاليقرأي

المبادئ بين السياسة والعقيدة!!

د. صادق السامرائي
الأحزاب العربية ربما لا تمتلك قدرات ومهارات التعبير السياسي عن مبادئها، وإبتكار الصيغ المعبرة عنها في الواقع.

ولهذا فأنها وبلا إستثناء، شهدت فشلا مروعا، وعلى مدى عقود القرن العشرين ولا تزال في متوالية الفشل الوخيم.

لا فرق بين أحزاب دينية أو علمانية في هذا المجال، فجميعها قد حررت شهادات فشلها، وبعضها حرر شهادة وفاته بنفسه.

وقد أمضت الأحزاب العربية العقود وهي تتحدث عن النظرية والتطبيق، وما استوعبت نظرياتها، ولا أوجدت آليات لتطبيقها، وإنما إتخذت من مبادئها وشعاراتها، أقنعة لتحقيق إنجازات عبثية ذات خسائر فادحة، على المستويات العسكرية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية.

وما يجري للأحزاب الدينية، لا يختلف عما جرى للأحزاب العربية العلمانية بأنواعها، وبكل مسمياتها، ونظرياتها التي أوجدتها من رحم الفراغ لا الحاجة.

والعلة ليست في الأحزاب فقط، وإنما في العقل، لأن الأحزاب تعبّر عن ذلك، فالعقل مكبل بأصفاد وثوابت تعيق قدرات الإبتكار، وتحويل الأفكار إلى صياغات عملية مثمرة ونافعة للأجيال.

فلا يوجد في تأريخنا المعاصر قائد قد برع، أو تمكن في تحويل أفكاره إلى منهاج عمل، أو مشروع مربح لوطنه وحزبه وشعبه، وإنما سقط الجميع في دائرة مفرغة من التفاعلات السلبية مع أبناء الشعب ذاته، والحزب نفسه، وما تمكن حزب واحد من حل إشكالية العلاقة مابين العقيدة والكرسي، وما بين المبادئ والسياسة، فكل حزب يحسب أن الحالة واحدة، فتراه يتحدث ويقرر وفقا لرؤيةٍ لا يستوعبها، ويمضي في صناعة الأعداء، وتنمية الفرقاء، وتأكيد الفشل، الذي يدفعه بعد حين، إلى الإستخدام المفرط للقوة والتفرد بالحكم والإستبداد، وتداعيات التفاعلات السيئة ما بينه وبين أبناء الشعب الواحد، لأنه قد إنزلق إلى توصيفات وتسميات، لتسويغ ما يقوم به من تصرفات لا تمت بصلة إلى مصلحة أي طرف، فتراه يتحول إلى قوة معادية لذاتها وموضوعها.

وما يتحقق في الزمن الديمقراطي العربي، أننا أمام مشهد الأحزاب الفاقدة للرؤية الموضوعية الواقعية، والمنغمسة في عقائديتها ومبدئيتها التي لا تتمثلها بعقل مفتوح ومتفهم، وإنما تتقوقع في داخلها، وتحسب أنها صاحبة القول الفصل، وغيرها ضدها أو عدو لها.

وبهذه العقلية البدائية لا يمكن إقامة أنظمة ديمقراطية، وتحقيق التقدم والرفاه الإجتماعي، وإنما ستساهم الأحزاب في دفع مصيرها ومصير الشعب إلى الهاوية السحيقة، المتأججة بالدمار والخراب والصراع حول مائدة الإنقراض والضياع.

والمشهد العربي برمته، مشهد عقائد ومبادئ مُتخيّلة، لا تمت بصلة إلى الواقع المعاش، ومنقطعة عن عصرها، ولا تعرف مكانها وتتجاهل أبعاد الزمن، ولا تقر بالحركة والتغيير الجاري على قدم وساق في هذه الدنيا الدوارة.

وبسبب هذا الإنقطاع الشامل، تتحقق حالة من الغثيان السلوكي المُعبَّر عنه بالتداعيات المريرة، بدوائرها المفرغة الحامية الوطيس.

فهل ستستطيع الأحزاب العربية بأسرها، من الوصول إلى حالة النضج الحضاري، لكي تتمكن من تحويل أفكارها إلى صيغ دستورية وقانونية، ذات إنتاجية حضارية متوافقة وإيقاع العصر، أم أنها ستبقى منزوية في صناديق أوهامها، التي تحسبها نظريات وعقائد تقدمية، وما هي إلى غير ذلك تماما؟!

د-صادق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى