أحوال عربيةأخبار العالمدراسات و تحقيقاتفي الواجهة

مرتكزات الدور الأمريكي لحلحلة الأزمة في لبنان

إعادة التوازن:
مركــز تفكيــر

تبدي ادارة الرئيـس الأمريكـي جـو بايـدن أهميـة خاصة لانهاء النزاع البحــري بيــن لبنــان وإســرائيل، علــى الرغــم مــن انشــغالها بالتحديــات الداخليـة قبـل انتخابـات التجديد النصفي للكونجرس المقـرر لها في نوفمبر المقبـل، وتلـك الدوليـة المتنامية مع اسـتمرار الحرب الروسـية-األوكرانية،
والتصعيـد الصينـي فـي مضيـق تايـوان، وذلـك لمنـع أي تصعيد عسـكري جديـد ال يخـدم حالـة االسـتقرار فـي منطقـة الشـرق األوسـط، وال سـيما مع انخـراط حـزب هللا اللبنانـي فـي األزمـة.
وتــرى اإلدارة أن إنهــاء النــزاع البحــري اللبناني-اإلســرائيلي سيســاعد بيـروت علـى الخـروج مـن أزماتهـا السياسـية التـي تتفاقـم بسـبب األزمـة االقتصاديـة التـي تعانـي منهـا البـاد، والتـي يعتبرهـا البنـك الدولـي واحدة مـن أسـوأ األزمـات علـى مسـتوى العالـم منـذ أكثـر مـن قـرن. فقـد فقـدت الليـرة اللبنانيـة أكثـر مـن ٩٠ ٪مـن قيمتهـا مقابـل الـدوالر، بينمـا يعيـش
ثالثـة أربـاع السـكان )حوالـي ٦ مالييـن(، بجانـب مليـون الجـئ سـوري، فـي فقـر.
آليات عديدة
تركــز السياســة الخارجيــة األمريكيــة تجــاه لبنــان وقضاياهــا وأزماتهــا السياسـية واالقتصاديـة المتشـابكة، علـى جملة مـن األدوات الرئيسـية التي يتمثـل أبرزهـا فيمـا يلـي:
١ – التوسـط لترسـيم الحدود البحرية اللبنانية–اإلسـرائيلية: يتوسـط كبير

مستشـاري أمـن الطاقـة فـي وزارة الخارجيـة األمريكيـة عامـوس هوشسـتين بيـن لبنان وإسـرائيل لحل النزاع بشـأن
الحـدود البحريـة المتنـازع عليهـا بيـن البلديـن، والـذي يـدور حول منطقـة متنازع عليها فـي البحر األبيض المتوسـط
ً غنيـة بالغـاز، وتقـدر قيمتهـا بمليـارات الـدوالرات. وقـد قـام هوشسـتين بزيـارات
ً مربعـا
تبلـغ مسـاحتها ٣٣٠ ميـا
متعـددة لبيـروت وتـل أبيـب التقـى خاللهـا كبـار المسـئولين اللبنانييـن، بمـن فيهـم الرئيـس ميشـال عـون، ورئيـس
مجلـس النـواب نبيـه بـري، ورئيـس الـوزراء نجيـب ميقاتـي، وكذلـك المسـئولين اإلسـرائيليين، لمناقشـة تصوراتـه
لحـل النـزاع. وقـد انخـرط هـو ومنسـق البيـت األبيـض للشـرق األوسـط بريـت ماكجـورك فـي دبلوماسـية مكوكيـة
بيـن المسـئولين اإلسـرائيليين واللبنانييـن خـال مشـاركتهم فـي اجتماعـات الجمعيـة العامـة لألمـم المتحـدة لتعزيـز
فـرص التوصـل التفـاق ينهـي النـزاع البحـري بيـن البلديـن.

ُوي ّ عـد التوصـل إلـى اتفـاق لحـل النـزاع الحـدودي البحـري أولويـة رئيسـية إلدارة بايـدن، وتنظـر إليه علـى أنه قضية
أصبحـت ملحـة ويمكـن أن يـؤدي تعثرهـا إلـى عواقـب وخيمـة علـى المنطقـة. ولذلـك شـدد الرئيـس األمريكـي جون
بايـدن، خـال اتصالـه برئيـس الـوزراء اإلسـرائيلي يائيـر البيـد، فـي ٣١ أغسـطس الفائـت، علـى أهميـة حـل هـذا
ُحتـرم الحقـوق االقتصادية
النـزاع فـي وقـت يكثـف فيـه حـزب هللا اللبنانـي مـن تهديداتـه بالذهاب إلـى الحـرب إذا لم ت
للبنان.
٢ – تأكيـد الـدور األمريكـي فـي الشـرق األوسـط: ال ينفصـل االنخـراط األمريكـي النشـط فـي المفاوضـات لترسـيم
الحـدود البحريـة بيـن لبنـان وإسـرائيل وحلحلـة األوضـاع فـي لبنـان عـن تأكيـد الواليـات المتحـدة األمريكيـة، خـال
زيـارة الرئيـس بايـدن األولـى للمنطقـة، علـى عـدم تـرك فـراغ فيهـا ليمـأه خصومهـا ومنافسـوها، وعلـى أنهـا ال
ً فـي منطقـة البحـر األبيـض
ً، ليـس فـي منطقـة الخليـج العربـي فقـط، ولكـن أيضـا
ً ومحوريـا
ً رئيسـيا
تـزال فاعـا
ُ َ هـا العديـد مـن األزمـات، وال سـيما فـي الملفيـن السـوري والليبـي، وانتكاسـات خـال
المتوسـط، بعـد أن واجـه نفوذ
السـنوات األخيـرة. وتـرى العديـد مـن التحليـات األمريكيـة أن نجـاح اإلدارة األمريكيـة فـي التوصـل التفـاق ينهـي
ً السـتخدام إدارة بايـدن الدبلوماسـية لتعزيـز اسـتقرار
ً كبيـرا
النـزاع البحـري بيـن إسـرائيل ولبنـان سـيمثل انتصـارا
منطقـة الشـرق األوسـط التـي تشـهد العديـد مـن األزمـات.
٣ – تعزيـز قـدرة لبنـان علـى احتـواء المشـكلة االقتصاديـة: تقلـص الناتـج المحلـي اإلجمالـي للبنـان بنسـبة ٢١ ٪
ً فـي العالـم مـن جائحـة
فـي عـام ٢٠٢٠ ،و٥,١٠ ٪فـي عـام ٢٠٢١ ،ممـا يجعلهـا مـن بيـن البلـدان األكثـر تضـررا
ً للبنـك الدولـي. ومـن المتوقـع أن ينخفـض االقتصـاد اللبنانـي بنسـبة ٥,٦ ٪أخـرى هـذا العـام، وأن

يبلـغ معـدل التضخـم ١٢٠ ٪فـي العـام الجـاري. ويبلـغ معـدل البطالـة الرسـمي حوالـي ٥,١٤ ،٪لكن المعـدل الفعلي
أعلـى مـن ذلـك، وال سـيما بيـن الشـباب، وهـو ما أثـار احتجاجات واسـعة النطـاق ضد سـوء إدارة الحكومة والفسـاد.
ُ وفـي ظـل هـذا الوضـع االقتصـادي المتـردي، تـرى واشـنطن أن إنهـاء النـزاع البحـري بيـن لبنـان وإسـرائيل يعـد
خطـوة حاسـمة لمسـاعدة األولـى علـى اسـتثمار ثرواتهـا البحريـة فـي حـل أزمتهـا االقتصاديـة الطاحنـة والمرتبطـة
ً بأزمـة الطاقـة. ويعتبـر المسـئولون اللبنانيـون التنقيـب عـن النفـط والغـاز وتطويـر صناعتهمـا وسـيلة
ً وثيقـا
ارتباطـا
ً
للخـروج مـن األزمـة االقتصاديـة فـي البـاد، بعـد أن فقـدت العملـة اللبنانيـة ٩٠ ٪مـن قيمتهـا مقابـل الـدوالر، فضال
عـن أنـه يمكـن أن يسـاعد البـاد فـي سـداد ديونهـا.
ً مــع هــذا الهــدف، رحبــت اإلدارة األمريكيــة باتفــاق الطاقــة بيــن لبنــان وســوريا ومصــر فــي ٢١ يونيــو
واتســاقا
الماضـي، لتوفيـر الطاقـة التـي يحتـاج إليهـا الشـعب اللبناني بشـدة وسـط أزمـة الطاقة الحـادة التي يعاني منهـا، ولكن
عقـوده ال تـزال فـي مرحلـة المراجعـة للتأكـد مـن امتثالهـا للعقوبـات األمريكيـة التـي تسـتهدف الحكومـة السـورية.
٤ – تقديـم مزيـد مـن الدعـم العسـكري للجيـش: تعـد المسـاعدة األمنيـة األمريكيـة للجيـش اللبنانـي أحـد مرتكـزات
السياسـة األمريكيـة تجـاه لبنـان، وتهـدف إلـى تعزيـز سـيادة لبنـان، وتأميـن حدودهـا، ومواجهـة التهديـدات الداخلية،
وتعطيـل تسـهيالت اإلرهـاب. وتشـمل مجـاالت التعـاون الرئيسـية: أمـن الحـدود، واألمن البحـري، وبناء مؤسسـات
الدفـاع، ونقـل األسـلحة، ومكافحـة اإلرهـاب، وبنـاء قـدرة الجيـش اللبنانـي كمدافـع شـرعي ووحيـد عن سـيادة لبنان.
ويشـير بيـان لـوزارة الخارجيـة األمريكيـة، فـي ٢١ ّ سـبتمبر الجـاري، إلـى أن المسـاعدات األمريكيـة مكنـت الجيش
اللبنانـي مـن هزيمـة تنظيـم “داعـش” فـي لبنـان، وتنفيـذ عمليـات ضـد تنظيـم “القاعـدة”، وتوسـيع نطـاق السـيطرة
ً عـن تمكيـن القوات المسـلحة
علـى األراضـي اللبنانيـة، فضـا
اللبنانيـة مـن زيـادة وجودهـا فـي جنـوب لبنـان للتنسـيق مع قـوات األمم المتحـدة المؤقتة في لبنـان )اليونيفيـل(، ودعم
تنفيـذ قرارات مجلـس األمن الدولـي ١٥٥٩ و١٦٨٠ و١٧٠١.
وقـد أعلـن الجيـش اللبنانـي، فـي ٢٤ أغسـطس الفائـت، تسـلم ١٥٠ مدرعـة أمريكيـة مـن طـراز “هامفـي” ضمـن
ُجـري الواليـات المتحـدة األمريكيـة التمريـن العسـكري الثنائـي
برنامـج المسـاعدات العسـكرية األمريكيـة للبنـان. وت
ُجـري آخـر تدريـب مشـترك بيـن القيـادة المركزيـة
السـنوي “االتحـاد الحـازم” مـع القـوات المسـلحة اللبنانيـة، وقـد أ
للقـوات البحريـة األمريكيـة والجيـش اللبنانـي فـي ١٢ يوليـو الماضي. ومـن خالل هـذه التدريبات وغيرها، شـاركت
واشـنطن فـي تدريـب أكثـر مـن ٣٢ ألـف جنـدي لبنانـي.
٥ – توفيـر المسـاعدة العاجلـة للشـعب اللبنانـي: قدمـت الواليـات المتحـدة األمريكيـة فـي إطـار جهودهـا العالميـة
لمواجهـة أزمـة الغـذاء العالميـة فـي أعقـاب العمليـات العسـكرية الروسـية ضـد أوكرانيا، والمسـتمرة منـذ ٢٤ فبراير
الماضـي، مسـاعدات عاجلـة للبنـان، فـي ١٩ أغسـطس الفائـت، بقيمـة 5.29 مليـون دوالر كجـزء مـن مبلـغ 76.2
ً للمسـاعدة فـي معالجـة أزمـة األمـن الغذائـي العالميـة.
مليـار دوالر الـذي أعلنـت عنـه الحكومـة األمريكيـة مؤخـرا
وتنقسـم المسـاعدات األمريكية للبنان إلى ١٥ مليون دوالر كمسـاعدات إنسـانية، و٥,١٤ مليون دوالر لتمويل الدعم
االقتصـادي، مـن أجـل المسـاعدة فـي حمايـة الفئـات الضعيفـة مـن السـكان تجـاه تزايـد انعـدام األمـن الغذائـي.
وقـد تبرعـت الواليـات المتحـدة األمريكيـة بــ٦١٣ ألـف جرعـة مـن لقاحـات “جونسـون آنـد جونسـون” و”مودرنـا”
علـى دفعتيـن لمسـاعدة اسـتراتيجية التلقيـح الوطنيـة اللبنانيـة ضـد جائحـة كورونـا، وبمـا يدعـم مسـار الدولـة نحـو
االنتعـاش االقتصـادي واالسـتقرار طويـل األمـد فـي نظامهـا االقتصـادي، بجانـب تقديـم ٥٥ مليـون دوالر مـن أجـل
التخفيـف مـن انتشـار الفيـروس فـي لبنـان والتركيـز بشـكل خـاص علـى اللبنانييـن الضعفـاء، وهـو جـزء مـن أكثـر
مـن ٣٧٢ مليـون دوالر مـن المسـاعدات اإلنسـانية للبنـان خـال السـنة الماليـة ٢٠٢١.
٦ -ممارسـة ضغـوط إلجـراء االنتخابـات الرئاسـية: مـع قـرب موعـد انتهـاء واليـة الرئيـس اللبنانـي ميشـال عون،

فـي ٣١ أكتوبـر القـادم، وتزايـد المخـاوف بشـأن إجـراء االنتخابات في موعدها؛ تضغـط اإلدارة األمريكية، بمسـاعدة
ً للدسـتور اللبنانـي. فقد ركـز اللقاء بين
مـن حلفائهـا الدولييـن واإلقليمييـن، إلجـراء االنتخـاب الرئاسـية فـي لبنان وفقا
وزيـر الخارجيـة األمريكـي أنتونـي بلينكـن، ورئيـس الـوزراء اللبنانـي نجيـب ميقاتـي، علـى هامش مشـاركة األخير
فـي اجتماعـات الجمعيـة العامـة لألمـم المتحـدة بنيويـورك، فـي ٢١ سـبتمبر الجـاري؛ علـى االنتخابـات الرئاسـية
ً فـي هـذا االتجـاه. وحـث رئيـس الـوزراء
ّ اللبنانيـة، وأهميـة إجرائهـا فـي موعدهـا، وضـرورة مضـي اللبنانييـن قدمـا
والقـادة اآلخريـن علـى تنفيـذ اإلصالحـات الرئيسـية الالزمـة إلحداث تغييـر ذي مغـزى، وتعزيز الحكم الرشـيد. وقد
دعـا رئيـس مجلـس النـواب نبيـه بـري إلـى جلسـة النتخـاب رئيـس جديـد للجمهورية، فـي 29 سـبتمبر الجـاري، إال
أنـه لـم تتحـدد بعـد المسـارات المحتملـة لهـذا االسـتحقاق فـي ظـل عـدم التوافـق على مرشـح رئاسـي.
تحجيم الحزب
هدفـت السياسـة الخارجيـة األمريكيـة تجـاه لبنـان وأزماتهـا السياسـية واالقتصاديـة واألمنيـة المتعـددة إلـى مسـاعدة
بيـروت علـى الخـروج مـن عثراتهـا المتعـددة، والحفـاظ علـى اسـتقرارها، وعـدم تحولهـا إلـى “دولـة فاشـلة” تهـدد
األمـن القومـي اإلسـرائيلي، إلـى جانـب تقويـض نفـوذ حـزب هللا اللبنانـي، أحـد أبـرز وكالء إيـران فـي المنطقـة
ً علـى الصعيديـن اإلقليمـي واللبنانـي.
ً وعسـكريا
سياسـيا
وتتبنـى الواليـات المتحـدة األمريكيـة جملـة مـن اإلجـراءات لتحقيـق هـذا الهـدف، يأتـي فـي مقدمتهـا فـرض وزارة
الخزانـة األمريكيـة العديـد مـن العقوبـات علـى أعضـاء بحـزب هللا اللبنانـي، والميسـرين المالييـن ذوي الصلـة بـه،
ً إلى األمـر التنفيـذي ١٣٢٢٤ بصيغته المعدلة الذي يسـتهدف
والشـركات الوهميـة التـي تعمـل لدعـم الحـزب، اسـتنادا
اإلرهابييـن وقـادة الجماعـات اإلرهابيـة ومسـئوليها ومـن يقدمـون الدعـم لإلرهابييـن أو األعمـال اإلرهابيـة.
وال ينفصـل ذلـك عـن دورهـا كوسـيط للتوصـل إلـى اتفـاق بيـن إسـرائيل ولبنـان بشـأن الحـدود البحريـة، مـع التقليل
ً مـن تحفيـز الحزب
مـن كونـه فـي حـال التوصـل إليـه بدايـة تأسـيس عالقـات دبلوماسـية بيـن لبنـان وإسـرائيل خوفـا
ً علـى السـاحة اللبنانيـة، وال سـيما مـع
علـى شـن عمليـات عسـكرية ضـد المـدن اإلسـرائيلية، وعـودة نفـوذه عسـكريا
تهديداتـه المسـتمرة ضـد عمليـات التنقيـب اإلسـرائيلية قرب الحـدود البحريـة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى